إندبندنت: هكذا تؤثر إيران على إمكانية حل الخلافات بين أربيل وبغداد

12

طباعة

مشاركة

عندما انهارت المملكة العراقية وتأسست الجمهورية بانقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958 أصبح شعار الأكراد بقيادة الملا مصطفى البارزاني: "الديمقراطية للعراق والاتحاد لكردستان".

 لم يتغير شعار الأكراد منذ ذلك الحين حتى أصبح هذا الهدف قريبا جدا من التحقق اليوم، وفق ما يقول الكاتب سربست فرحان سندي في مقال نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية- النسخة التركية.

الخلفية التاريخية

بحسب الكاتب، كان للأكراد إدارة ذاتية في العراق خلال الفترة العثمانية، وعندما احتل البريطانيون هذا المكان في الحرب العالمية الأولى، اختار الأكراد الانضمام إلى إدارة بغداد من خلال الاستفتاء الذي أقيم حينها. 

وعندما قام محمود برزنجي الذي أقام مملكة في السليمانية بمعارضة الإنجليز للتقرب من تركيا دخل الأكراد مرحلة ركود حتى عام 1958.

وعلى الرغم من أن أمل الأكراد قد عاد مرة أخرى بعد تحويل المملكة إلى جمهورية في عام 1958، فقد كان الحرب مقدرا لها من انتفاضة 11 أيلول/سبتمبر (ثورة كردستان) إلى اتفاقية الحكم الذاتي في 11 مارس/آذار 1970 بسبب سياسات قاسم الخاطئة.

ويضيف أنه لسوء الحظ، فإن وضع إقليم كردستان العراق (IKB) اليوم لم يتشكل نتيجة لعملية ديمقراطية ودستورية. 

فقد استقل إقليم كردستان العراق نتيجة لعقد اتفاق مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين "الذي كان ديكتاتورا".

وخلال حربي الخليج في عامي 1991 و2003، اقترب الأكراد كثيرا من الاستقلال، لكن العرب والشيعة والسنة فضلوا إعادة بناء "العراق الديمقراطي".

وتابع: "لم يجر الأكراد استفتاء 25 مارس/آذار 2017 لإعلان الاستقلال من خلال الحرب، لكنهم أجروها بناء على أحكام المادة 140 من الدستور العراقي".

ويلفت سندي إلى أن الأكراد لو أرادوا أن يعلنوا استقلالهم بجعلها أمرا واقعا لفعلوها في 2014 عندما سقطت مدينة الموصل، فقد كانت جميع المناطق المتنازع عليها في أيدي الأكراد آنذاك".

لكن، لو أعلن الأكراد استقلالهم عام 2014، لكانت الحروب التي استمرت حتى 2017 باسمهم وليس باسم العراق.

ويستطرد قائلا: "لقد لعبت إدارة أربيل دورا نشطا في الإدارة المؤقتة وعملية إعداد الدستور في الفترة من عام 2003 إلى عام 2005، من أجل إعادة تحقيق حلمها بإعادة بناء العراق مع العرب والسنة والشيعة".

وفرض الأكراد مبدأ عدم حكم العراق على أساس الأغلبية والأقلية، على الشرائح الأخرى وأصبح هذا نصا دستوريا. 

ويتابع الكاتب: "بما أن الشيعة هم الأغلبية من حيث عدد السكان فإذا ما رأوا أن حق الإدارة يجب أن يكون لهم فإن البلاد ستصبح غير قابلة للإدارة كما في زمن نوري المالكي (رئيس وزراء عراقي سابق)".

ويذكر الكاتب أن سلسلة الخلافات والمشكلات والأزمات التي بدأت في الفترة الثانية من عهد نوري المالكي لم تحل مع حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، لأن أيا منهما لم يكن لديه مشروع ولم يهدف إلى إعادة بناء العراق.

ويؤكد أن رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي رسم صورة مختلفة تماما عن الآخرين منذ يوم انتخابه، حيث يحاول تحقيق هدفه في خلق الهوية الوطنية العراقية دون أن يتأثر بأي جماعة أو طائفة أو عرق.

ويشرح ذلك قائلا: "لهذا الغرض يقف الكاظمي بحزم ضد إيران التي رسخت هيمنتها على البلاد وتحاول تعميقها، ويتخذ خطوات خطيرة لتأديب الحشد الشعبي بالكامل".

وأردف: "إذا تمكن الكاظمي من الاستمرار على هذا النحو فيمكنه كسب ثقة الناس ووضع حد للموجات الاحتجاجية التي بدأت في مثل هذا الوقت من العام الماضي".

طريق الحل

ويرى الكاتب أن قوة إرادة الكاظمي وسياساته لحل المشاكل المتراكمة والنزاعات المزمنة مع أربيل واعدة أيضا. كما ترحب الأخيرة بهذه الخطوات وتحاول مقابلة الأمر بنفس الطريقة.

ويوضح ذلك بالإشارة إلى ما قام به الكاظمي من زيارة لقبور من فقدوا أرواحهم في مجزرة صدام في دهوك وحلبجة خلال زيارته لأربيل. فقد كان لذلك معنى رمزي.

ويضيف قائلا: "أكمل الكاظمي الأجواء الإيجابية بعد زيارة أربيل بأن أوقفت وزارة العدل في حكومته الاتفاقات الزراعية التي عقدت في عهد صدام بقرار اتخذته في 23 أيلول/سبتمبر".

 وبهذا القرار لن تتم مصادرة أراضي الكرد في المناطق المتنازع عليها خاصة في كركوك. كما تم إرسال ميزانية إلى أربيل لتغطية رواتب موظفي الخدمة المدنية في إقليم كردستان العراق.

يذكر الكاتب أن وكيل وزارة الأمن العراقي قاسم الأعرجي التقى برئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ومسرور بارزاني أمس في أربيل. 

ولفت إلى أن زيارة الأعرجي، الذي كان وزيرا للداخلية في الفترة السابقة وعينه الكاظمي وكيلا للأمن لها معنى خاص، لأن المشاكل في المناطق المتنازع عليها تتعلق بالأمن ويمكن حلها مع المعنيين بالأمر.

ويشير سندي إلى أن للحكومة يدا قوية في أربيل، وهي تريد فتح صفحة جديدة في بغداد مع سياسات الكاظمي.

ويعتقد أن لاهور شيخ جنكي (الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني)، الذي أراد أن يترك الإقليم بسبب قضايا مثل رواتب الموظفين في السليمانية والمشاكل الأخرى، أضعفت قوته هو وأمثاله كـ"شاسوار عبد الواحد" (رئيس حراك الجيل الجديد) وشخصيات مماثلة. 

بينما اكتسب فريق آخر داخل الاتحاد الوطني الكردستاني قوة لتمسكه بتجديد الاتفاقية الإستراتيجية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتقوية حكومة أربيل.

لكن، على الرغم من وجود أفراد في حكومة إقليم كردستان لا يزالون يرون بغداد كعدو ويجادلون بأنه لا ينبغي الوثوق بها، بغض النظر عمن أصبح رئيس الوزراء في العراق، فإن عدد أولئك الذين يعتقدون أن اتفاق أربيل مع بغداد وحل المشاكل المزمنة سيكون جيدا، كثير، وفق الكاتب.

ووفقا للكاتب فإن شعب إقليم كردستان العراقية يفكر اليوم في قضايا الأزمة الاقتصادية، وفيروس كورونا، وعدم كفاءة البنية التحتية ونقص الخدمات البلدية. ومن ناحية أخرى تقوم حكومة أربيل بوضع المشاكل الرئيسية للشعب في أولوية سياساتها وتبذل الجهود لاتخاذ الخطوات المناسبة.

وأكد أنه لا توجد عقبة أمام حل المشاكل بين أربيل وبغداد في الوقت الحالي، كما أن كل التطورات والإجماع الاجتماعي يؤيد عمل أربيل وبغداد معا.

على صعيد آخر تهدف الهجمات المتكررة على السفارة الأميركية والبعثات الدبلوماسية في بغداد إلى تبديد هذا الجو الإيجابي وتقويض التطورات الجيدة بشأن العراق.

وإدراكا من الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بخطورة الأمر فقد اجتمعوا بداية أكتوبر/تشرين الأول بشكل طارئ وشددوا على حجم هذا الخطر. 

واختتم سندي مقاله بالإشارة إلى أن هذا كان الهدف من الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين لطهران، فقد أعلنت بغداد أن الوزير نقل رسالة الكاظمي الشفوية إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، كما التقى بوزير الأمن القومي الإيراني علي شمخاني. ويمكن القول: إن هذا مرتبط بالهجمات على البعثات الدبلوماسية الأميركية.