"لا إله إلا الله السيسي عدو الله".. لماذا هتفت به حناجر المصريين؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ 20 سبتمبر/ أيلول 2020، والمظاهرات مندلعة ضد النظام المصري في القرى والنجوع والشوارع والأزقة بعيدا عن الميادين الكبرى بالمدن، احتجاجا على تردي الأوضاع في البلاد بشكل عام، والاقتصادية بشكل خاص، منادين برحيل رئيس النظام عبد الفتاح السيسي من الحكم.

"لا إله إلا الله.. السيسي عدو الله" هتاف لافت ردده المصريون في مظاهراتهم واحتجاجاتهم المستمرة التي تخرج مؤخرا في بعض أحياء القاهرة وعدة محافظات خاصة في صعيد مصر (جنوبا).

لماذا أجمع المصريون في كافة مظاهراتهم واحتجاجاتهم على هتاف "السيسي عدو الله"، ولماذا أطلقوا عليه هذا الوصف المسيء؟ فما هي المواقف السلبية والتصريحات التي أطلقها السيسي طوال فترة حكمه، واعتبرها المصريون تمثل عداوة لله والإسلام؟ وهل كانت المشاهد القاسية المتعلقة بهدم المساجد مؤخرا لها دور في ترديد تلك الهتافات؟.

هتاف جامع 

من الميادين المصرية إلى مواقع التواصل الاجتماعي، تصدر هاشتاج "السيسي عدو الله" في مصر يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات المطالبة بإسقاط السيسي ونظامه العسكري.  

الصحفي المصري محمد القدوسي، وعبر صفحته بـ "تويتر" نشر مقطعا مصورا لاحتجاز قوات الشرطة مجموعة من المواطنات، وكتب "الصورة تتكلم وصاحب النخوة يرد. شرطة السيسي تضرب نساء مصر في الشارع".

وغرد الحقوقي المصري هيثم أبوخليل "حشد التظاهرات المؤيدة للسيسي وعصابته تحت مسوغ احتفالات أكتوبر.. لن تحجب الشمس.. ولن تخفي كراهية الشعب للسيسي وعصابته.. لو نفعت هتافات المأجورين بالروح والدم للسادات ومبارك لنفعت غيره.. #السيسي_عدو_الله". 

ودون الإعلامي المصري أسامة جاويش: "وسيحكي التاريخ عن نظام عسكري احتفل بذكرى انتصار 6 أكتوبر 1973، في يوم 2 أكتوبر 2020.. الهلال ظهر بدري أربع أيام والهدف طبعا التغطية على أي مظاهرات هتخرج ضد السيسي النهار دة في جمعة الغضب الثانية  #السيسي_عدو_الله".

وقال اليوتيوبرز عبد الله الشريف: "شهد العرب والمصريون أن لا إله إلا الله و #السيسي_عدو_الله".

وكتب الدكتور محمد الصغير، مستشار وزير الأوقاف الأسبق: "لا إله إلا الله محمد رسول الله #السيسي_عدو_الله".

فيما نشر الإعلامي معتز مطر، مقاطع لجنازة، المواطن المغدور عويس الراوي، الذي قتل على يد أحد أفراد الشرطة بالأقصر، وعلق قائلا: "العوامية تهتف في جنازة الشهيد عويس أبو الراوي #السيسي_عدو_الله والقنابل المسيلة للدموع تصل للمنازل".

وكذلك نشر الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف، مقاطع لجنازة الصيادين الغزاوية، الذين قتلوا على يد أفراد من قوات حرس الحدود المصرية، وكتب: "نقول لإخواننا في غزة.. رحم الله شهداءكم وشهداءنا.. البندقية التي تقتل الفلسطيني هي ذاتها التي تقتل المصري . يا أهل غزة كلنا تحت الحصار #السيسي_عدو_الله".

 

هدم المساجد 

شكلت علاقة السيسي بالمساجد لغزا محيرا، فلم يجرؤ حاكم مصري على مدار تاريخ البلاد الحديث، على هدم ذلك العدد من المساجد في سنوات معدودة، بالإضافة على إطلاق تصريحات مناوئة للأنشطة الإسلامية بداخلها.

في سبتمبر/ أيلول 2020، كانت مشاهد هدم السلطات لعشرات المساجد في مختلف المحافظات، على خلفية حملة إزالة الأبنية المخالفة تملأ وسائل الإعلام ومواقع التواصل بالغضب. 

المسلمون الغاضبون من هدم مساجدهم بدعوى أنها مخالفة لقوانين البناء، عقدوا مقارنة مع الكنائس التي ظلت باقية رغم أنها مخالفة أيضا لقوانين البناء باعتراف مسؤولين كنسيين.

وجاءت سياسة تحجيم دور المساجد إثر انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، حيث انتهجت السلطة الجديدة مسلكا لتقويضها ونزع ريادتها من المجتمع، باعتبارها أماكن لتفريخ الإسلاميين الذين نازعوا العسكر السلطة خلال المرحلة الانتقالية.

في يونيو/ حزيران 2014، وإبان تولي السيسي منصب الرئاسة، بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدرت قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد، وزاوية بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون. 

سعى السيسي دوما إلى ربط المساجد بالإرهاب، كما حدث في يوليو/تموز 2016 عندما حضر عرضا عسكريا، نفذت فيه طائرات حربية مصرية مناورة تحاكي عملية لـ"محاربة الإرهاب" تضمنت قصف مجسم مسجد بحجة أنه يؤوي إرهابيين، واستخدمت في المناورة مروحيات عدة من أنواع مختلفة، إضافة إلى مجموعات قتالية من وحدات المظلات.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي 16 فبراير/ شباط 2019، وخلال مؤتمر ميونخ للأمن، طالب السيسي بإصلاح الخطاب الديني، وحث قادة الدول الأوروبية، والغربية على مراقبة المساجد، ودور العبادة في بلادهم.

وفي 26 أبريل/ نيسان 2017، خلال جلسة من جلسات المؤتمر الوطني للشباب فاجأ السيسي الحضور بقوله: "أنا قعدت أكثر من 30 سنة أنزل أصلي في المسجد كل الأوقات حسب الظروف.. بس عمري ما قعدت، ولا سمحت لأولادي أنهم يقعدوا يسمعوا، أو يشاركوا داخل المساجد". 

ثم طلب من المصريين "إبلاغ أجهزة الأمن عن أي جيران لهم يستريبون في أمرهم، وحذرهم بشدة من التأثر بالأفكار التي تتردد في المساجد".

الإسلاموفوبيا والأزهر

تصريحات السيسي وسياسته، كانت جزءا من ذلك الانطباع، خاصة وأن تصريحاته ساهمت في إذكاء ظاهرة الإسلاموفوبيا عالميا، بعد أن اعتمدت عليها منظمات ومؤسسات غربية.

في ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي عام 2015، قال السيسي: "المسلمون بناء على تراث فكري مقدس يريدون قتل كل المخالفين لهم. ليس من المعقول هذا الفكر الذي نقدسه، وهو يدفع بأمة بالكامل إلى أن تكون مصدر قلق وخطر وتدمير في الدنيا كلها".

وأضاف: "ليس من الممكن أن هذا الفكر بنصوص وأفكار تم تقديسها على مدار مئات السنين، وأصبح الخروج عليها صعب جدا لدرجة أنه يعادي العالم كله. يعني 1.6 مليار سيقتلون 7 مليار إنسان حتى يعيشوا هم".

وأثناء مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية في سبتمبر/أيلول 2016، ربط السيسي بين الإسلام والتطرف حين أيد استخدام مصطلح "التطرف الإسلامي" بقوله: "نعم إنه تطرف، إنه حقا تطرف إسلامي ينبغي مواجهته، وأنا إنسان مسلم وصعب جدا أن أقول هذا لكن هذه هي الحقيقة". 

وعلى نفس النسق جاء صدام السيسي المستمر مع أكبر مؤسسة دينية في مصر والعالم الإسلامي "الأزهر الشريف"، كمحور رئيسي في طبيعة الرجل وتوجهاته، حيث كان محملا بأفكار مناهضة لسياسة الأزهر.

ظهر ذلك في خطابه يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2017، عندما طلب من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ثورة في الخطاب الديني، قائلا حينها: "نحن في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره".

وفي تلك الكلمة طالب السيسي بشكل واضح، بتعديل قانون الطلاق، وإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، وخاطب السيسي الإمام الأكبر قائلا: "تعبتني يا فضيلة الإمام".

مسألة تجديد الخطاب الديني، ومحاولة السيسي استخدامه وفق أهوائه، وتقويض صلاحيات شيخ الأزهر، تعد من أشد نقاط خلافه مع الطيب، الذي اصطدم بالسيسي في مواضع مختلفة. 

وصل الخلاف بين الرجلين ذروته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، في احتفالات المولد النبوي الشريف، بعدما حدثت مبارزة كلامية بين السيسي والطيب حول السنة النبوية التي انحاز لها الطيب، بينما أراد السيسي أن يفتح الباب أمام مناقشتها بدعوى التجديد.

ووصف الطيب تلك الدعوات قائلا: "هناك صيحات دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها، وهناك مطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القرآن الكريم فحسب".

منهجية القتل

بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، كان السيسي وقادة الانقلاب عازمين على قتل المعارضين، ومعظمهم من الإسلاميين بشتى الطرق والسبل.

في 8 يوليو/ تموز 2013، ومع ارتكاب الجيش والشرطة مذبحة الحرس الجمهوري، ضد المعتصمين أثناء أدائهم صلاة الفجر، أصدر شيخ الأزهر بيانا قائلا: "قد أجد نفسي مضطرا إلى أن أعتكف في بيتي حتى يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم، منعا من جر البلاد لحرب أهلية طالما حذر الأزهر، وطالما حذرنا من الوقوع فيها".

وفي 14 أغسطس/آب 2013، كانت مذبحة رابعة العدوية والنهضة، التي قتل وجرح فيها آلاف المعتصمين المعارضين للانقلاب العسكري، وكانت صور الجثث مصفوفة في المستشفيات والشوارع والمساجد، معبرة عن حجم المأساة التي لا تنسى.

وعلى مدار 7 سنوات عجاف حكم فيها السيسي توالت حوادث القتل الممنهج، والإعدامات المسيسة، ما عمق في ذاكرة المصريين هتاف "السيسي عدو الله" وجعلوه صيحة تعلو دائما في المظاهرات الاحتجاجية، أو أثناء تشييع جنازات قتلاهم برصاص أجهزة السيسي الأمنية.

صدبق إسرائيل

علاقة السيسي الحميمة بإسرائيل العدو اللدود للشعوب العربية والإسلامية، كانت محورا رئيسيا في فهم المصريين لحاكمهم بهذه الطريقة، حيث وصل التطبيع بين السيسي وإسرائيل ذروته بالتنسيق العسكري بين جيشي الدولتين في سيناء.

وأعلن السيسي في لقائه مع قناة "فرانس 24"، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أنه لن يسمح أن تشكل سيناء منطقة خلفية لتهديد أمن إسرائيل.

عضد السيسي تصريحه أكثر من مرة، في لقاءات مشابهة، أبرزها مقابلته مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الأميركية، في 7 يناير/ كانون الثاني 2019، حينما تحدث "عن التنسيق بين القاهرة وتل أبيب على أرض سيناء، واستعانة الجيش المصري بسلاح الطيران الإسرائيلي لشن غارات على عناصر تنظيم ولاية سيناء".

عمد السيسي في سياسته إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل، وتوسع ذلك إلى لقاءات مستمرة مع الحركة الصهيونية العالمية، وتلقي الدعم الكامل منهم، وتحديدا في الولايات المتحدة.

توالت الزيارات المتبادلة بين السيسي وقيادات صهيونية رسمية وغير رسمية، حيث التقى في الفترة ما بين 2015 وحتى 2018 بنحو 20 وفدا صهيونيا، ما بين جمعيات أو لوبيات أو حتى قيادات رسمية، وبعض هذه اللقاءات كانت سرية، وكشفت عنها وسائل إعلام عبرية.

من أبرز هؤلاء، الملياردير اليهودي الأميركي "رونالد لاودر"، الذي التقاه السيسي 5 مرات في 3 أعوام، وهو الرجل الذي يرأس منظمة "المؤتمر اليهودي العالمي"، وهي من أهم المؤسسات والجمعيات الصهيونية في العالم.

وفي فبراير/ شباط 2017، التقى السيسي بمؤتمر الرؤساء وهو تحالف يضم عددا كبيرا من المنظمات الصهيونية العاملة في الولايات المتحدة، والتي تُنفذ أجندة اللوبي اليهودي هناك، وعلى رأسها منظمة "إيباك" اليهودية.

في 10 أبريل/ نيسان 2020، كتب جاكي حوجي المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية، مقالا في صحيفة "معاريف" ذكر فيها أن "مناهج التعليم المصرية الحديثة باتت تنظر إلى إسرائيل على أنها حقيقة واقعة، ولم تعد تسميها دولة عدوة، وحين يتم عرض الخرائط الجغرافية يتم ذكر مدن بئر السبع وتل أبيب بأسمائها العبرانية، بجانب أورشليم وحيفا وغزة وعكا".

وقال: "لن تجدوا في الفصول المخصصة لإسرائيل داخل المناهج المصرية أي عبارات تحقير أو تشهير تجاهها. وعندما وُصفت بعدو كان السياق مفهوما كونه وصف معركة أو حربا في الماضي، كما ظهرت إسرائيل باسمها، دون إصرار على تسميتها فلسطين، والتشكيك في وجودها".