بـ"البخور ولبن العصفور".. هكذا تواجه سيدات اليمن شظف العيش

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ازدهر سوق المشغولات اليدوية والمنتجات المنزلية التي تصنعها النساء في اليمن، جراء انقطاع الأعمال وتوقف المرتبات منذ سنوات، وتدهور الاقتصاد جراء الحرب الدائرة منذ نحو 6 سنوات.

لم يكن لدى كثير من النساء في اليمن خيار آخر بعد أن وصل بهن الوضع الاقتصادي لحال مترد، خاصة في ظل غياب عائل عدد كبير منهن.

قررت تلك النسوة أن يتحملن المسؤولية لتغطية نفقات وتكاليف الحياة، فبدأن العمل في إنتاج عدد من المواد المنزلية وبيعها للأسر التي ما تزال قادرة على الشراء.

البخور السلطاني والملكي والعرائسي، بالإضافة إلى "الأخضرين" و"الزباد" و"لبن العصفور"، كلها كريمات نسائية عطرية، وكذلك (العُشار) وهو "صوص" حار هندي الأصل يتم تحضيره في المنزل.

كذلك الفلفل الهندي والفلفل الحبشي، بالإضافة إلى بعض المنسوجات اليدوية، كـ"الليف" الذي يستخدم أثناء الاستحمام، وعدد من المنسوجات اليدوية الأخرى كالكنزات والبلوفرات وأغطية الرأس وأواني الخزف كلها منتجات يعمل عليها السيدات باليمن.

ملاذ أخير

تقول أم معاذ، وهي سيدة يمنية تعيش في صنعاء، لـ"الاستقلال": "لجأت لصناعة هذه المواد، كملاذ أخير، للقدرة على الإيفاء بمتطلبات الحياة، لدي 3 أولاد وبنت واحدة، ولا عائل لدينا، فأبو الأولاد تركنا منذ أكثر من 6 سنوات، ولا نعلم عنه شيئا، يقولون لنا إنه في السعودية، لكننا لا ندري عنه شيئا".

تضيف أم معاذ: "ضاقت بنا السبل منذ اندلاع الحرب، حيث كانت أعمل قبلها في إحدى المناطق التعليمية التابعة لمكتب التربية بصنعاء، لكن انقطاع المرتبات وتدهور الوضع، جعلني أنصرف للبحث عن بديل يكفيني وأولادي ويغنيني عن مذلة السؤال".

وعن كيفية البداية تقول أم معاذ: "لم أكن أجيد صناعة هذه المنتجات، غير أنه كان لي صديقة عدنية تصنع البخور، فعرضت علي تعليمي البخور فوافقت، ومنذ ذلك الحين تعلمت صناعة البخور بأنواعها، كما تعلمت صناعة مواد أخرى مثل كريمات التجميل والعطور، بالإضافة إلى قدرتي على حياكة منسوجات وملابس الأطفال".

تقول أم معاذ: "نشتري المواد الأولية اللازمة لصنع هذه الأصناف من العطار، وهي مواد أولية متعددة الجودة، وجودتها تنعكس على جودة المنتج النهائي، ثم نقوم بصنع هذه المواد بمقادير معينة ودقيقة، حيث إن عدم الدقة في تحضير هذه المواد يفسدها بشكل كامل".

القدرة الشرائية

وعن سؤالها عن الصعوبات التي تواجهها في هذه المهنة، تقول: "أكبر صعوبة تواجهنا أنني أعتمد في تسويق المنتجات على العلاقات الشخصية وعلى المعرفة، ولا أستطيع أن أبيع من خلال متجر أو محل، وهذا يؤثر، فأحيانا تمر أيام ولا أبيع منها شيئا".

تضيف أم معاذ: "بالإضافة إلى ذلك فإن قدرة الناس الشرائية تقل يوما بعد آخر، فمن قبل كنا نبيع بكميات أكثر، لكن في الفترات الأخيرة تراجع البيع، بالإضافة إلى ذلك فإن أسعار كل المنتجات والخضروات زادت، لكن سعر المنتجات التي نقوم بصناعتها ثابتة، ولا نستطيع زيادتها لأن معظم الناس لن يشتروا منا".

وعن قدرة تلك المنتجات على الإيفاء باحتياجاتها تقول أم معاذ: "نعم، فأنا الآن مستورة بفضل الله، صحيح أن هناك صعوبات، لكني في المجمل استطعت أن أغطي معظم احتياجاتي الأساسية، واستطعت أن أصرف على 3 من أولادي في التعليم، وأن أدفع إيجار المنزل".

وتساءلت "لست أدري كيف كنت سأكون لو لم أمارس هذه المهنة، لأن الوضع في الحقيقة صعب، لكني الآن بحمد الله مرتاحة واستطعت أن أتحرك من جديد بعد أن عشت لأكثر من سنة في جحيم وهموم".

دورات تدريبية

شكلت تلك المنتجات المنزلية سوقا موازية للمنتجات المعملية أو الأصناف التي تنتجها المصانع الأكثر احترافا، فقد غزت الأسواق وانتشرت بشكل ملفت للنظر، وبالتالي خلقت فرصا أخرى وأنشأت سوقا أخرى لتعليمها وتدريسها تدريسا نظاميا في معاهد ومراكز تعليمية.

في مدينة إب (وسط اليمن) على سبيل المثال، أنشأت عدد من المعاهد التعليمية المتخصصة بتدريس اللغة الإنجليزية وعلوم الكمبيوتر، برامج لتعليم إنتاج تلك الأصناف المنزلية.

تعاقدت تلك المعاهد مع نساء (معلمات) لإنشاء دورات لتعليم صناعة البخور والمواد العطرية الأخرى، ولقيت هذه الفكرة رواجا، حيث انضمت عدد من النساء لهذه الدورات، ودرسن بشكل عملي وتطبيقي كيفية صناعة هذه المنتجات في المنازل، عن طريق نساء تخصصن في ذلك.

إلى جانب ذلك، عقدت تلك المعاهد دورات لتعليم "النقش" و"الحناء" أي نقش الكفوف للعروس بالحناء وغيره، وهو أمر رائج في حفلات الأعراس باليمن، حيث يشيع أن يطلب أهالي العروس سيدة مختصة لعمل نقش للعروس في منزلها قبل حفل الزواج، لقاء مقابل مادي، عادة ما يكون مجزيا ومرضيا.

تلك الظاهرة المثيرة للاهتمام أمر جديد على المجتمع اليمني، حيث لم يكن هناك معاهد لتعليم هذه الحرف والمهن، وكان تعلّمها مقتصرا على تناقل الخبرات بين النساء اللاتي تربطهن علاقات أسرية أو شخصية، إلا أن تلك الدورات، وإن كانت جديدة على المجتمع اليمني، من شأنها أن ترفد هذا السوق بنساء قادرات على إعالة أنفسهن من خلال تغطية الطلب لتلك المنتجات وتلك الحرف التقليدية. 

تسويق إلكتروني

في العادة فإن تسويق هذه المنتجات يعتمد على العلاقات الشخصية والأسرية، غير أنه لوحظ مؤخرا أن كثيرا من النساء استفدن من الانفتاح المعلوماتي والتقني، فعمدن لتسويق منتجاتهن عن طريق الإنترنت، من خلال إنشاء مجموعات فيسبوك، وعرض المنتجات والأسعار وطرق التسليم، رغم كون تعليم عدد منهن ابتدائيا أو متوسطا.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أسهمت تطبيقات التواصل الاجتماعي كالواتس آب والتليجرام بتسويق تلك المنتجات بشكل واسع، وأسهمت بازدهار تلك التجارة، التي توسعت وشملت أصنافا منزلية أخرى مثل الكعك والمعمول وعدد من الأطباق المحلية.

التطبيقات الإلكترونية ساعدت على توسيع دائرة تسويق تلك المنتجات، وغدا التسويق عابرا للجغرافيا، فكثير من المنتجات أصبحت تُباع لزبائن وعملاء خارج اليمن.

على سبيل المثال أصبح سوق البخور اليمني أو العدني الذي تنتجه نساء في منازلهن رائجا في السوق الخليجية، وباتت النساء يتلقين طلبات بالجملة إما لمحلات خليجية أو لأشخاص يطلبون كميات للاستخدام الشخصي، وهذا بالقدر الذي وسع دائرة التسويق، انعكس بشكل إيجابي على أسعار تلك المنتجات.

تجدر الإشارة إلى أن ما ساعد على ارتفاع مستوى بيع تلك الأصناف أن بعضها لا يفسد ولا يتأثر بالظروف الجوية المتقلبة، كالبخور الذي لا يفسد بدرجات الحرارة المرتفعة أثناء الشحن، ولا بطول فترة الشحن.

ومع مزايا التسويق عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي وتوسيع الدائرة لأسواق خارجية، إلا أن الصعوبات ماتزال قائمة، فبالكاد يمكن توفير سوق خارجية لتلك المنتجات، بسبب إغلاق المطارات والموانئ.

على سبيل المثال، يقتصر تسويق تلك المنتجات على السوق الخليجية المجاورة لليمن، وذلك بسبب وجود منافذ برية، لكنها لا تساعد على تسويق تلك المنتجات إلى بلدان أخرى، ونقل تلك المنتجات من بلدان خليجية إلى دول أخرى يزيد من كلفة تلك المنتجات.

وفق متابعين، كان يمكن لتلك المنتجات أن تجد طريقها لأسواق خارجية سواء لزبائن يمنيين في أميركا وأوروبا أو لعملاء عرب اعتادوا استخدام هذه المنتجات، غير أن استمرار إيقاف تلك المطارات من قبل تحالف الرياض ـ أبوظبي، أثر على تسويق تلك المنتجات كما أسهم بتدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام.