"العصا والجزرة".. لماذا لا تقف أوروبا إلى جانب أنقرة رغم تعدّي أثينا؟

12

طباعة

مشاركة

نشر مركز "سيتا" التركي للدراسات، مقالا للباحث أوغوز جونغورماز، شدد فيه على أن قضايا شرق المتوسط​​ أدت إلى زيادة التوتر بين اليونان وتركيا، كما كشفت عن مشاكل وانقسامات وأوضاع متناقضة فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي.

واستدل الباحث على ذلك، بالقول: إنه "حين سجل الاتحاد الأوروبي موقفا شرسا ورافضا لاتفاقية ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا، ما هي إلا أيام حتى قامت اليونان باتفاقية مشابهة، ولكن مع مصر، ولم يصدر عن الاتحاد الأوروبي أدنى صوت، ليظهر وكأنه بوجهين بسبب أثينا وتصرفاتها".

سياسة الانتقام

ورأى الباحث أنه "إضافة إلى موقفه غير العادل من التوتر الذي يعيشه، لوحظ أن الاتحاد الأوروبي، الذي يحاول تبني دور وسيط على شكل مبادرات لكن وفي النهاية ما شهدناه هو انفصال مختلف ومواقف متنوعة تجاه المشكلة. في وقت ستظهر فيه اليونان، والإدارة القبرصية الرومية وفرنسا، في مقدمة البلدان التي أرادت اتخاذ تدابير جذرية لزيادة الضغط على تركيا والاتحاد الأوروبي".

وتابع: "لذلك، يتم التعبير عن العقوبات، في قضايا شرق البحر الأبيض المتوسط ​​كأدوات يمكن استخدامها كعنصر ضغط على تركيا في كل فرصة، وقد انعكس في الصحافة أن الأفراد وسفن البحث سيتم استهدافهم في قرارات العقوبات المذكورة أعلاه، وأنه يمكن إدراج استخدام الموانئ الأوروبية، وهذه سياسة انتقام واضحة وليست مفاجأة بالنسبة لتركيا".

ولفت إلى أنه "من الواضح أن الاتحاد الأوروبي ذاهب باتجاه الطريق الدبلوماسي، ويريد حل القضايا العالقة بين البلدين المتجاورين عن طريق المفاوضات، ولكن وحتى الوصول لهذه النقطة من الضروري اتخاذ جملة من الخطوات التي تفضي لهذا الهدف، ويبدو أن لديهم اختلافا حول كيفية خلق الطريق إلى الدبلوماسية".

وأردف: "من الواضح أيضا، أن دولا مثل فرنسا واليونان وقبرص الرومية، عند المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة ضد تركيا، دول أخرى كألمانيا وإسبانيا وإيطاليا تفضل إستراتيجية التهدئة. لكن المشهد العام هو تبادل أدوار بين ألمانيا وفرنسا التي تحاول أن تلعب دور الشرطي الطيب والسيئ".

في هذا السياق، اجتمع وزيرا الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي يومي 27 و 28 أغسطس وناقشا مشكلة شرق المتوسط ​، وعلى الرغم من الضغط الشديد الذي مارسته اليونان وفرنسا، استخدمت دول مثل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والمجر ومالطا وبلغاريا حق النقض ضد العقوبات في هذا الاجتماع وأكدت على أهمية إقامة حوار.

يشار إلى أن ألمانيا، التي تولت رئاسة الاتحاد الأوروبي، لا تعتبر اليونان بريئة في قضية شرق المتوسط​​، رغم أنها تركت دورها الشرطي السيئ لفرنسا. فقد سلطت ميركل الضوء على تصريحاتها والتي أكدت فيها أن "دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بدعم اليونان في الأمور التي هي على حق" وكررت الدعوة للحوار.

وفي المقابل، وافقت تركيا على شروط ألمانيا كبادرة حسن نية وأوقفت بالفعل من عمليات التنقيب والبحث في وقت واصلت فيه اليونان هذه العمليات بل ووقعت اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع مصر ما دفع بأنقرة لاستئناف عملياتها، بحسب الباحث.

ونوه إلى أن "الانتقادات الموجهة لليونان، بما في ذلك ناتالي توتشي، مستشارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل، يتم التعبير عنها على منصات مختلفة".

العصا والجزرة

وبحسب الباحث، فإنه يظهر موقف مختلف تجاه تركيا بين دول الاتحاد الأوروبي بداية من المجر، وكانت هناك تصريحات دبلوماسية لافتة، منها مثلا ما قاله وزير الخارجية المجري، حيث عبر عن دعمه لانضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي، وكذلك في تصريحات أخرى أكد فيها أن أمن أوروبا يبدأ من تركيا.

وزارد: كذلك إسبانيا وهي إحدى الدول التي تدعو إلى الحوار حول المشكلة وتضع حاجزا أمام السياسات المتطرفة لليونان وفرنسا، بل وصفت إسبانيا موقف تركيا من وقف أنشطتها مؤقتا بأنها "بادرة حسن نية"، وأكد على ذلك بشكل لا لبس فيه حين زار وزير الخارجية الإسباني اليونان.

وعلى الرغم من أنه حدد هذا الوضع على أنه نقطة تحول، إلا أن الجانب اليوناني ترك هذه النوايا الحسنة والتصريحات دون إجابة بالإضافة إلى ذلك، تعد لجنة التجارة والاقتصاد المشتركة الموقعة في 27 يوليو/ تموز 2020، رسالة مهمة فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي لتعميق العلاقات بين البلدين، وفقا للكاتب.

وذكر الباحث أن دول حوض البحر الأبيض المتوسط ​​مثل إيطاليا ومالطا، كذلك تعارض هذه الاتفاقيات. ومنها وزير خارجية مالطا الذي قال: إذا ما أدار الجميع ظهره للآخر فهذا ليس شيئا جيدا لا لنا ولا للاتحاد الأوروبي، مؤكدا أهمية العلاقات مع تركيا.

من ناحية أخرى، يضيف الباحث، تمتنع إيطاليا عن اتخاذ موقف متحيز في المشكلة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​أثناء تقييم القضايا الإقليمية بشكل منفصل، إذ لم توقع مع اليونان وقبرص وإسرائيل على الاتفاقية بمغادرة مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي شرق المتوسط، وكان ذلك مؤشرا هاما على أنه لن يكون هناك طرف في الخلاف السياسي حول شرق البحر الأبيض المتوسط.

ولفت إلى أنه "رغم ذلك، فإن أوروبا تستخدم سياسة العصا والجزرة في محاولة لجر أنقرة للجلوس على الطاولة، ولكن يبدو أن هناك نطاقا واسعا إلى حد ما من الدعم للحكومة في تركيا في قضايا شرق البحر المتوسط".

سياسة العقوبات

وفي هذا السياق، يشير الباحث إلى أنه "شرق البحر الأبيض المتوسط يعتبر ​​قضية إستراتيجية تهم الأجيال القادمة، يتم تبنيها من جميع شرائح المجتمع. لهذا السبب، فإن سياسات العقوبات أو تقديم الأموال نظير إغلاق الأبواب أمام اللاجئين أو تحديث الاتحاد الجمركي، أمر لن يغري تركيا مثلا ويجعلها تتراجع عن خطواتها شرقي المتوسط".

ونوه إلى أن الاتحاد الأوروبي يفتقد في السنوات الأخيرة، مصداقيته وتأثيره على تركيا وهو مؤشر على أن أي نوع من هذه السياسة لن تؤدي إلى نتيجة لكل من الجمهور وصناع القرار".

وزاد قائلا: "لقد فهمت إسبانيا والمجر وإيطاليا ومالطا، أن سياسة العقوبات ليست ناجعة، وكان ذلك واضحا مؤخرا في الحراك التركي الليبي. ليس هذا فحسب، بل يمكن أن تتضرر العلاقات بين الطرفين التركي والأوروبي وصولا إلى المباحثات حول اللاجئين، إضافة إلى أن تتقارب موسكو مع أنقرة في نقطة تشكل إزعاجا لدى أوروبا".

وخلص الباحث إلى أن الخلاف حول السيادة البحرية للجزر، يبدو أنه قد ظهر مرة أخرى في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. ومكان كهذا غني جدا بالمصادر النفطية مهم جدا لدولة مثل تركيا. فاتورتها النفطية المستوردة من الخارج باهظة جدا وترهقها سنويا، ولا شك أن سببا كهذا يمكن أن يوصل بالبلاد إلى اشتباك مسلح وساخن".

واختتم حديثه بالقول: "لهذا السبب، يحتاج المسؤولون التنفيذيون في بروكسل إلى تجاوز القلق، كذلك التخلص من سياسة التهديد والوعيد خاصة في القمة الأوروبية المزمع عقدها في 24-25 سبتمبر/أيلول 2020، وأن يدعموا حلا عادلا، كذلك يجب عليه كبح جماح مطالبها المتطرفة وإقناع اليونان بالحوار والدبلوماسية. عند النظر إليها من هذه الجوانب، يمكن ملاحظة أن قضية شرق البحر المتوسط ​​قد تحولت إلى اختبار جديد للإخلاص والقيادة للاتحاد الأوروبي".