رجل القذافي وحفتر.. لماذا عين السراج محمد بعيو رئيسا لهيئة الإعلام؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 10 أيلول/ سبتمبر 2020، أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، فايز السراج، قرارا بتعيين الصحفي محمد عمر بعيو الناطق السابق باسم الحكومة في عهد الراحل معمر القذافي، رئيسا للمؤسسة الليبية للإعلام التي حلت محل الهيئة العامة للإعلام.

بعيو، الذي سبق وتولى مهمة المستشار الإعلامي السابق لمحافظ مصرف ليبيا المركزي، أسند إليه السراج مهمة الإشراف الكامل على جميع القنوات والصحف الليبية المملوكة للدولة.

البعض برر اختيار السراج لبعيو بأن الأول يراهن على كل من وقف ضد هجوم حفتر على طرابلس منذ 4 أبريل/نيسان 2019، وأيد الاتفاق الليبي التركي خاصة في جانب التعاون العسكري والذي ساهم في تغيير موازين القوى، كما أنه يسعى إلى توسيع دائرة مؤيديه خلال هذه المرحلة التي تشهد استعدادات للتوصل لاتفاق سياسي قد ينهي الصراع المسلح في ليبيا.

صحفيون وناشطون رأوا في تعيين بعيو "إهانة لثورتهم"، وأكدوا في بيان أنهم "سيستخدمون كل الوسائل السلمية المتاحة لعدم تولي بعيو المنصب الذي كُلف به".

حرية الإعلام

مؤخرا شرعت حكومة الوفاق، في إجراء تغييرات بمناصب أمنية وخدمية، بعد الاضطرابات التي شهدتها العاصمة طرابلس، مؤخرا، واستغلها بعض أنصار اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر لمحاولة تفجير الأوضاع بالعاصمة.

وشدد "السراج"، في تصريحات، أواخر أغسطس/ آب 2020، أن التغييرات ستتركز في الوزارات الخدمية، وسوف يتم اختيار الوزراء الجدد على أسس الكفاءة والقدرات وطهارة اليد، وليس المحاصصة.

هذا التعيين الذي أقره رئيس حكومة الوفاق فائز السراج فتح الباب على مصراعيه بين القوى المساندة لثورة 17 فبراير، للتعبير عن مخاوفها من الوقوع في أي تراجع عن مكتسبات الثورة التي لا تزال بنادق الثوار تدافع عن أهدافها في إقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

وجاءت أول المواقف الرافضة لهذا التعيين من داخل المؤسسات الرسمية للدولة، حيث وصف عضو المجلس الرئاسي محمد عماري زايد القرار بالمسيء إلى ليبيا وثورتها، مبديا رفضه لقرار السراج تعيين بعيو، داعيا رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي إلى اجتماع عاجل لإعادة النظر في القرار.

وأضاف عضو المجلس الرئاسي أن مثل هذه المناصب ينبغي أن يتقلدها من لم يمارس الإرهاب الفكري وأن القرار من شأنه أن يبعد ليبيا عن حرية الإعلام والتعبير، بحصر تبعية الإعلام لجهة واحدة.

عدد من الإعلاميين والمدونين، أعلنوا رفضهم قرار السراج، وفي بيان موجه لرئيس المجلس الرئاسي، أكد الرافضون أن قرار التعيين "أمر غير مقبول".

دور خبيث

إعلاميون محسوبون على الثورة يعتبرون أن تكليف شخصية من النظام الديكتاتوري القديم (القذافي)، والذي تعلقت به شتى أنواع التضييق على حرية التعبير والصحافة، وملاحقة الصحفيين والإعلاميين ومنع أي رأي حر في البلاد، "خطر كبير يهدد أهم المكاسب التي حققتها ثورة فبراير/شباط 2011".

أكد الموقعون على البيان الصادر في 10 أيلول/سبتمبر 2020: "نعلن بكل وضوح بأننا نرفض رفضا لا لبس فيه، ولا تفاوض حوله، ما قررتموه بشأن إنشاء مؤسسة للإعلام مدعومة بكل هذه الصلاحيات، إنه أمر غير مقبول، ويدعو للريبة والامتعاض حيث تضمن فحوى قراركم كل ما من شأنه أن يقتل الإعلام الحر من مهنية ورسالة وقضية يتطلع إليها الليبيون بل ونصبتم عليها رئيسا يتحكم بها وإعلام ليبيا كاملة".

من جهته أكد الإعلامي الليبي محمد خلاب أن "أسباب الاعتراض على هذه المؤسسة حسب القرار تكون تبعيتها لمجلس الوزراء وهذا خرق لكون الإعلام سلطة مستقلة ومحايدة ودورها فيه نوع من الرقابة على السلطة التنفيذية وتوعية الناس بما يجري وتوفير منبر حر للتحدث والتكلم بحرية لكل الأطياف سواء كانت في السلطة أو خارجها (معارضة)، أما عندما يكون الإعلام مملوكا لمجلس الوزراء (الحكومة) فهذا ينسف حقيقة دور الإعلام".

وأضاف خلاب في حديث للاستقلال: "أما المكلف برئاستها فنعترض عليه لكونه صاحب تاريخ حافل بالممارسات الخاطئة والخطيرة أحيانا في الإعلام الليبي، والرجل عضو بارز ونشط في حركة اللجان الثورية (عهد القذافي)، وحتى في السنوات الأخيرة دوره خبيث، ففي بداية العدوان على العاصمة دعمه وبقوة وتحدث عن احتفالات قريبة بالقائد المظفر في إشارة إلى حفتر، وغير ذلك من كلام من اعتادوا التطبيل للأسف".

النظام القديم

لا يمكن للصحفي الليبي المخضرم محمد بعيو أن ينفي انتماءه للنظام القديم أو حتى ادعاءه الانتماء لثورة فبراير 2011، إلا أنه يحاول في كل مناسبة الظهور في موقع الرجل المعتدل، الذي يسعى لإيجاد حلول سلمية لكل الأزمات وداعية للانفتاح على الجميع وتغليب منطق الحوار.

ويذكر أنه في أبريل/ نيسان 2010، تمت إقالة بعيو من مهامه كناطق باسم الحكومة من منصبه كأمين عام الهيئة العامة للصحافة في ليبيا.

ونقلت صحف مقربة من النظام الليبي عن مصادر مطلعة في نظام القذافي أن سبب فقدان بعيو لهذه الصفة، بالإضافة لإيقافه عن العمل ثم إعفائه من منصبه في الهيئة العامة للصحافة، جاء إثر ما بدر منه خلال ظهوره في برنامج الملف على قناة (الجماهيرية 2)، مؤكدة أن ما أدلى به من تصريحات تناقلتها بعض المواقع الإلكترونية، حين وصف عددا من الإعلاميين بـ"الكلاب الضالة".

وكشفت نفس الصحف أن جهاز التفتيش والرقابة الشعبية شرع في اتخاذ إجراءات لمثول بعيو للتحقيق والنظر في تجاوزات مالية وإدارية قام بها خلال توليه منصبه في الهيئة العامة للصحافة.

داعم لحفتر

في أغسطس/آب 2019، وبالتزامن مع هجوم مليشيات حفتر على العاصمة الليبية طرابلس، حضر محمد بعيو لقاء دعا له فائز السراج وحضره عدد من النخب الثقافية والسياسية والعسكرية الليبية، وهو ما أثار موجة من السخط والانتقادات للسراج.

بعض أنصار حكومة الوفاق وصفوا بعيو بأنه "داعم لحفتر ولم يكن يجب أن يحضر اللقاء، وطالب البعض باعتقاله إثر تداول مقطع مصور له وهو يتحدث عن شرف الحرب التي خاضتها مليشيات حفتر ضد الثوار في مدينة بنغازي شرق ليبيا".

شغل بعيو لمدة ليست بالقصيرة منصب المستشار الإعلامي لمصرف ليبيا المركزي، وفي أوج الخلاف بين السراج ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير أعلن بعيو استقالته، مطلقا جملة من التصريحات المنتقدة لأداء المصرف ومحافظه.

وناشد بعيو، السراج بتحرير مصرف ليبيا المركزي من قبضة من وصفهم بـ"إخوان الشياطين"، وإعادته إلى وضعه الطبيعي القانوني كمؤسسة ضمن الدولة لا عرشا فوق الدولة.

هذا الانقلاب في المواقف جاء صادما ومفاجئا من بعيو بالتزامن مع دعوة  السراج مجلس إدارة المصرف المركزي للانعقاد، وإنهاء تفرد محافظه "الكبير" بالقرار.

ظل بعيو لأكثر من سنتين الصوت الأعلى في الدفاع عن "الكبير"، ووصف سياساته بالوطنية والحريصة على احتياطات الدولة ومواردها المالية، لينقلب عليه بشكل مفاجئ ويتهمه بالتسلط والسعي إلى البقاء في منصبه حتى الممات، وأنه يتخذ قراراته لخدمة مصالحه، وأنه استخدم سلطاته لابتزاز ورشوة كل المسؤولين والسياسيين.