قوات سعودية تصل شمال شرقي سوريا.. دلالات زمنية وأهداف متعددة

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الحديث مجددا عن دخول قوات سعودية إلى مناطق شمال شرقي سوريا، أعاد السؤال عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المملكة هناك؟، لا سيما أن تقارير سابقة أكدت دعم الرياض لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تسيطر على مساحات واسعة من البلد بدعم مباشر من القوات الأميركية.

مناطق شمال سوريا تشهد مؤخرا انتهاكات واسعة تطال العشائر العربية، ولا سيما الاعتقالات والاغتيالات التي استهدفت عددا من الشيوخ والوجهاء، وتوجه الاتهامات لقوات "قسد" كونها تتولى إدارة هذه المناطق منذ استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة قبل نحو عامين.

قاعدة الشدادي

وبخصوص حقيقة دخول قوات سعودية إلى سوريا، أكد شيخ عشيرة الشعيطات، إحدى أبرز عشائر "قبيلة العكيدات" في سوريا، رافع عقلة الرجو، خلال تصريحات صحفية في 31 أغسطس/ آب 2020 وصول قوات سعودية بالفعل إلى منطقة الشدادي في الحسكة شمال شرق سوريا.

وتأتي تصريحات الرجو بعد أنباء كشفت عنها وسائل إعلام مختلفة في 27 أغسطس/آب 2020، أفادت بأن قوات سعودية دخلت مع رتل أميركي إلى شمال شرق سوريا، فيما تحدثت أخرى عن وصولهم عبر مروحيات أميركية.

وقالت قناة الميادين: إن 20 جنديا سعوديا بقيادة ضابط يدعى سعود الجغيفي، وصلوا إلى قاعدة الشدادي بريف الحسكة شمال شرق سوريا، مشيرة إلى أن القوات السعودية التي وصلت كانت برفقة رتل أميركي انسحب من قاعدة التاجي شمال العاصمة العراقية بغداد.

وعلى نحو مماثل، ذكر موقع قناة "روسيا اليوم" أن الجنود السعوديين لم يدخلوا قاعدة الشدادي بهدف التمركز فيها، مشيرة إلى أن القوات السعودية ستغادر شمال شرق سوريا، وأنها ليست المرة الأولى التي يدخل فيها جنود سعوديون إلى سوريا.

وفي الوقت الذي لم تعلق فيه الرياض أو واشنطن على هذه الأنباء، فقد نفت قيادة العمليات العسكرية المشتركة في العراق من جهتها، رواية وجود أي قوات سعودية في قاعدة التاجي ببغداد.

وقال المتحدث باسم القيادة، تحسين الخفاجي خلال بيان رسمي في 29 أغسطس/آب 2020: إن "بعض وكالات الأنباء تناقلت خبرا مفاده مغادرة جنود سعوديين قاعدة التاجي الجوية، وهذه الأنباء عارية من الصحة".

وأشار الخفاجي إلى أن "القوات الموجودة في قاعدة التاجي الجوية هي القوات الأمنية العراقية بكل مسمياتها، وفي السابق كان هناك وجود لقوات التحالف الدولي، لكن هذه القوات سلمت مواقعها في هذه القاعدة إلى القوات العراقية باحتفال رسمي كبير".

أهداف متعددة

شيخ عشيرة الشعيطات رافع الرجو، دعا خلال تصريحات صحفية، السعودية إلى "الكف عن العبث بمستقبل منطقة الجزيرة السورية، وإلى التوقف الفوري عن دعم قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على المنطقة بدعم من التحالف الدولي".

وربط الرجو بين وصول القوات السعودية والتوترات التي تسود مناطق سيطرة "قسد"، جراء الانتهاكات وعمليات الاغتيال التي تصاعدت مؤخرا في أرياف دير الزور الشرقية.

واتهم السعودية بمحاولتها امتصاص غضب العشائر العربية ضد "قسد"، معتبرا أن "الرياض تحاول نفي الصبغة القومية العنصرية عن مشروع "قسد"، من خلال استثمار علاقاتها بالعشائر العربية، لنزع فتيل التوتر، ومنع قيام ثورة ضد "قسد"، و"التحالف الدولي".

من جهته، قال المحلل السياسي السوري الدكتور محمد نجار لـ"الاستقلال": "وجود قوات سعودية هدفه الأساسي، الضغط على تركيا وإبقاء الدعم المتزايد لقوات سوريا الديمقراطية من خلال منع أي عمليات عسكرية تقوم بها العشائر ضد قسد في تلك المناطق، خصوصا بعد حالة الفلتان الأمني التي شهدتها مناطق شرق دير الزور والحسكة إثر حادثة اغتيال شيخ العكيدات مطشر الهفل، واغتيال عدد من القيادات العشائرية".

وأشار إلى أن "هذه الأحداث تشير بشكل مباشر إلى قسد وكذلك النظام، التي تتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية بشكل مباشر أو غير  مباشر للقضاء على أي حركة يمكن أن تهدد وجود قوات قسد والقوات الأجنبية، والاحتلالات التي باتت تجثم على الجسد السوري في تلك المنطقة".

والأمر الرئيسي، يضيف نجار: أن "عدد القوات السعودية بالعشرات، وهذا ليس له أي دور عسكري، بل ربما يكون استخباراتي من ناحية ومن ناحية أخرى لإقناع العشائر بعدم قيام أي ردة فعل وعمل مسلح ضد قوات قسد والقوات الأميركية التي هوجمت سابقا من بعض قوات العشائر وسقط عدد من الصواريخ على إحدى القوات العسكرية الأميركية في المنطقة".

في 11 أغسطس/ آب 2020 أصدرت قبيلة "العكيدات" بيانا حملت فيه قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مسؤولية الفلتان الأمني وعدم الاستقرار في دير الزور، وهو ما بدا في الاغتيالات التي طالت بعض الوجهاء في المنطقة، وآخرهم الشيخ مطشر الهفل.

القبيلة طالبت أيضا بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومهنية للتحقيق في قضية اغتيال الشيخ الهفل، وتسليم إدارة دير الزور لأبنائها بعيدا عن وصاية أي طرف، والإفراج عن "المعتقلين الأبرياء وإخراج النساء والأطفال من المخيمات"، وكذلك "الدفع بعملية الحل السياسي في سوريا"، ممهلة "التحالف" و"قسد" شهرا لتنفيذ المطالب، اعتبارا من تاريخ البيان.

دلالات زمنية

وفيما إذا كان وجود قوات سعودية في سوريا له دلالات زمنية، قال نجار: "التحرك السعودي ليس بمعزل عن مجريات الأحداث بالمنطقة، وإنما هو جزء من مخطط مرسوم للمنطقة وسوريا، ويأتي في سياق التغييرات الحاصلة خاصة مع التطبيع الإماراتي- وربما حتى السعودي مستقبلا- مع الكيان الصهيوني وحالة الانسياق التام وراء ما تجود به قريحة ابن سلمان وابن زايد".

وأوضح أن "الاحتلال في سوريا عنصري وطائفي ومدعوم من أميركا وإسرائيل وعدد من الدول العربية، ولا شك أن الإمارات والسعودية أيضا لهما دور كبير في دعم قسد شمال شرقي سوريا".

وأرجع نجار ذلك إلى أسباب عدة، أولها رغبة سعودية إماراتية للإبقاء على الوضع الراهن في سوريا، والأمر الآخر هو إعادة النبض والحياة لنظام الأسد، بحيث تبقى تلك المنطقة تحت الاحتلالات ولا يحتاج النظام إلى التدخل فيها إذا ما حصل أي تغييرات فيها".

زيارة وفد سعودي إلى مناطق سيطرة "قسد" في سوريا ليست الأولى من نوعها، إذ زار وزير الدولة السعودي للشؤون الخليجية في وزارة الخارجية ثامر السبهان، مناطق "قسد" مرتين، الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أما الثانية فكانت في يونيو/حزيران 2019، حيث زار قرى عدة بريف الرقة، والتقى وجهاء من المنطقة ومسؤولين في "قسد".

وقتها، نقلت مواقع محلية عن شيخ عشيرة العكيدات سليمان الخلف، قوله: "الأخ ثامر السبهان وزير الدولة في وزارة الخارجية السعودية، أكد مشكورا خلال لقائنا به أنهم سلموا الإدارة الذاتية وقوات قسد 100 مليون دولار لتعويض الفلاحين المتضررين من الحرائق وأبناء العشائر العربية في الرقة ودير الزور ومناطق من الحسكة، ونحن بدورنا طلبنا من أبناء عشيرتنا تقديم لائحة بأسماء المتضررين ليتم تعويضهم بأقرب فرصة".

إلا أن الناطق باسم مجلس القبائل والعشائر، مضر الأسعد، قال في تصريحات صحفية: "زيارة السبهان كانت لحشد تأييد العشائر لمليشيا قسد، وذهبت أموال السعودية لشراء ولاءات شيوخ ووجهاء القبائل لصالح تنظيم (وحدات حماية الشعب الكردي)".

وأضاف: "للأسف لم يصل إلى المزارعين المتضررة حقولهم، سوى جزء من التكاليف، أو ما دفعوه على حقولهم المحروقة، وهناك فارق كبير بين تكاليف الإنتاج الزراعي وثمنه فيما لو لم يحرق، في حين تم منح الأموال للقيادات العسكرية والإدارة الذاتية، كتعويض لهم على حرائق الحقول، رغم أنهم- (الوحدات الكردية)- المتهم الأول بحرق المحاصيل الزراعية".

وفي 29 مايو/ أيار 2018، كشفت وكالة "الأناضول"، أن 3 مستشارين عسكريين سعوديين زاروا، القاعدة الأميركية في "خراب عشق" جنوبي مدينة عين العرب (كوباني)، والتقوا مسؤولين في "قسد"، وكان الهدف من اللقاء هو تأسيس وحدات عربية في المنطقة نواتها فصيل "الصناديد" أحد الفصائل المنضوية تحت لواء "قسد".

وفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، كشفت تقارير صحفية عن زيارة أجراها وفد ما يطلق عليه "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قسد" إلى العاصمة السعودية الرياض.

الوفد الذي يضم قياديين عسكريين ومدنيين، من بينهم رئيس مجلس دير الزور المدني التابع لـ"قسد" غسان يوسف، غادر سوريا في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، باتجاه كردستان العراق، وانتقل بعدها إلى السعودية بهدف لقاء مسؤولين هناك لبحث "أوضاع المنطقة والتهديدات الإيرانية".

لكن أنباء أخرى، تحدثت عن أن الوفد لم يتوجه إلى إقليم كردستان العراق، وإنما غادر إلى الأردن قبل السفر إلى السعودية، لكنها لم تتبين ما إذا كان الوفد سيعقد اجتماعات في الأردن أم أنها مجرد محطة للعبور نحو السعودية.