عصام العريان.. رحلة نضال طويلة تكللت بشهادة في سجون السيسي

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه، لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك، اطمئنوا وإلى اللقاء"، بضع من كلمات حكم ابن عطاء الله السكندري، التي دونها الدكتور عصام العريان القيادي الراحل في جماعة الإخوان المسلمين، قبل دقائق من القبض عليه عام 2013.

اليوم الخميس 13 أغسطس/ آب 2020، وقبل سويعات من حلول الذكرى السابعة من فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب 2013، رحل عصام العريان إثر تعرضه لأزمة قلبية داخل محسبه، بعد سنوات من العطاء والكفاح ختمها بحكمة وثبات وإصرار على مواصلة طريق بدأه وأدرك نهايته جيدا فلم تلن له عزيمة ولم تضعف له همة ولم يركن لحظة إلى الظالمين.

لم يكن عصام العريان قياديا عاديا في جماعة الإخوان المسلمين التي التحق بها منذ نعومة أظفاره، بل مثل العريان حالة خاصة وطرازا فريدا داخل الحركة الإسلامية.

في السياسة المصرية، شكل العريان جسر التقاء وبوتقة تفاهم مع كل التيارات وأطياف المجتمع، وخلف وراءه إرثا طويلا من المواقف الوطنية، وتخرج من تحت يديه أجيال من رواد العمل العام والحركة الطلابية في مصر، من الذين تجاوز تأثيرهم القطر إلى سائر البلاد العربية والإسلامية.

نبوغ مبكر

ولد عصام الدين محمد حسين محمد حسين العريان الشهير بـ"عصام العريان"، يوم 28 أبريل/ نيسان 1954، بقرية ناهيا مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، التحق بالتعليم الابتدائي بمدرسة ناهيا الابتدائية للبنين وأتم هذه المرحلة بمجموع 94% ثم أكمل دراسته وأتم التعليم الإعدادي والثانوي بمدرسة الأورمان النموذجية بالدقي بمجموع 91%.

لوحظ عليه علامات الذكاء والنبوغ المبكر وسط أقرانه، وتميز بشخصيته القيادية والفاعلة منذ مهده، فكما نبغ في تحصيل العلوم، نشط في مجال العمل الطلابي والأنشطة المدرسية ثم الجامعية.

منذ صغره حرص العريان على طلب العلم، ونال العديد من الشهادات الرفيعة في مجالات مختلفة من العلوم، فبعد نجاحه في الثانوية العامة بتفوق، التحق بكلية الطب بالقصر العيني في القاهرة، وحصل منها على بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير جيد جدا، وتخصص في أمراض الدم والتحاليل الطبية.

ثم حصل على ماجستير (الباثولوجيا الإكلينيكية)، وسجل لرسالة الدكتوراة في الطب بجامعة القاهرة، لكن لم يستطع الحصول عليها بسبب اعتقاله المتكرر والتضييق الأمني.

وأثناء فترات اعتقاله حصل على ليسانس الحقوق من كلية الحقوق جامعة القاهرة، وكذلك ليسانس الآداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة عام 2000، عقب أيام من خروجه من السجن بعد قضاء 5 سنوات قضاها، تنفيذا لحكم عسكري.

أما في العلوم الدينية والشرعية، فحصل العريان على ليسانس الشريعة والقانون من جامعة الأزهر، ولديه إجازة في علوم التجويد، كما حصل على الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر.

لم يغب الملمح الصوفي عن شخصية العريان، فطالما عرف به خصوصا لمن شاركوه محنة السجن واستمعوا يوميا لشرحه حكم ابن عطاء الله السكندري.

نشاطه السياسي

فترة السبعينيات ومع تولي الرئيس أنور السادات الحكم بدأت الحياة السياسية تعود في الجامعات، وكان عصام العريان من طليعة الطلاب الذين خاضوا التجربة الجديدة، ونشطوا في المجال الطلابي، حيث سجل العريان حضورا ودورا مؤثرا فأصبح أميرا للجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة، ثم منسقا لـ"مجلس شورى الجامعات بالاتحاد العام للجمعيات والجماعات الإسلامية".

لدى التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين عام 1974 أسهم العريان في تشكيل أول جلسة تربوية إخوانية بمحافظة الجيزة، ثم أصبح مسؤولا عن اتحاد طلاب جامعة القاهرة، وانتخب رئيسا للاتحاد العام لطلاب الجامعات المصرية.

وفي عام 1986 تم انتخابه عضوا في مجلس إدارة نقابة أطباء مصر، وهو الموقع الذي شغله معظم فترات حياته.

كان عصام العريان أصغر نائب في برلمان 1987 عن دائرة إمبابة، وكان عمره 33 عاما، وهو ما جعله يلفت الأنظار بقوة، خاصة مع أدائه الحماسي المتوقد، ولغته الخطابية العالية.

شارك العريان في العديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية والسياسية على مستوى العالم، في أوروبا والولايات المتحدة والعالم العربى والإسلامى.

سنوات القيد

عرف العريان طريقه إلى السجون، منذ ريعان الشباب، وكان أول اعتقال له ضمن اعتقالات سبتمبر/ أيلول 1981 الشهيرة نهاية حقبة الرئيس السادات، حيث كان العريان من القيادات الشبابية النشطة في رفض معاهدة السلام مع إسرائيل.

أما المرة الثانية، وهي الأشد خلال حكم الراحل حسني مبارك، فكانت لمدة 5 سنوات وفقا لقرار المحاكم العسكرية التي حكمت عليه بالأشغال الشاقة، بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وإدارتها، وقضى في السجن من عام 1995 وحتى عام 2000.

أما المرة الثالثة فكانت في عام 2005 واستمرت لمدة 5 أشهر، إبان نجاح جماعة الإخوان المسلمين في حصد 88 مقعدا برلمانيا.

وجاء الاعتقال الرابع عام 2006 بسبب تضامنه مع القضاة الذين رفضوا تزوير الانتخابات النيابية، ولم يمكث في بيته 7 أشهر حتى حدث الاعتقال الخامس في 2007، ووضع في سجن مزرعة طرة بضعة أشهر.

وقبيل جمعة الغضب في 28 يناير/ كانون الثاني 2011 تم اعتقاله، في الهجمة الأخيرة التي نفذها وزير الداخلية السابق حبيب العادلي على المعارضة، قبل سقوط نظام مبارك برمته بعد ذلك.

وخرج عصام العريان من سجن وادي النطرون برفقة مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بينهم الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي.

شغل العريان منصب المتحدث الرسمي للإخوان عدة سنوات قبل ثورة 25 يناير، وبعد الثورة وتشكيل حزب الحرية والعدالة تولى العريان منصب نائب رئيس الحزب.

مواجهة الانقلاب

استمر العريان في أداء دوره في خدمة المجتمع والشأن العام، بعد ثورة 25 يناير، وشارك في أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، وأصبح عضوا في مجلس الشعب عام 2011. 

وعندما وقع الانقلاب العسكري الدموي، بقيادة عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013، كان العريان في طليعة من واجهوا الانقلاب، داخل الاعتصامات السلمية التي شارك فيها مئات الآلاف.

شن العريان هجوما لاذعا على السيسي، عبر تسجيله رسائل صوتية ومصورة بثها عبر الإنترنت والقنوات الفضائية، حتى ألقت أجهزة الأمن القبض عليه في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، داخل شقة بالتجمع الخامس بالقاهرة.

تمت محاكمة العريان في قضايا عديدة ملفقة، وصدرت بحقه أحكام كان من بينها المؤبد في القضية المعروفة باسم مسجد الاستقامة.

ثم أحالت محكمة جنايات القاهرة في 16 مايو/أيار 2015 أوراقه إلى المفتي في قضيتي الهروب من سجن وادي النطرون، والتخابر مع حماس، وقضت في اليوم نفسه بإعدامه في القضية الأولى وبالسجن المؤبد في القضية الثانية.

رحلة الشهادة

كسائر المعتقلين، تعرض الدكتور عصام العريان للمضايقات والإهمال الطبي، داخل محبسه، ما جعله على قائمة القتل البطيء منذ سنوات.

وفي المرات القليلة التي سمح له فيها بالتحدث أمام القضاء، شكا العريان، من افتقاده للعلاج الذي يحتاجه، وتحدث عن وفاة العديد من المعتقلين نتيجة غياب الرعاية الطبية في السجون.

وفي 1 فبراير/ شباط 2018، تحدث العريان إلى القاضي عن نفسه كنموذج لحالات إهمال الرعاية الصحية، موضحا أنه أصيب داخل السجن بفيروس "سي"، وطلب السماح بعلاجه في معهد الكبد، لكن مسؤولا في السجن أبلغه أن الأمن الوطني رفض إرساله إلى المستشفى.

وفي أيامه الأخيرة، حسب محاميه لم يلتق العريان بأسرته منذ نحو 6 أشهر بسبب تعنت سلطات السجن وعرقلة الزيارة بدعوى تفشي فيروس كورونا.

أحبه الجميع

نعى العريان كثير من ساسة ونشطاء مصر والعرب من مختلف الاتجاهات، منتقدين ما تعرض له من تنكيل وعنت في سجون السيسي. 

محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية بعد الانقلاب غرد عبر تويتر قائلا: "السجن يسلب المرء حريته ولكن لا يجب أن يسلبه إنسانيته، ومسؤولية السلطة مضاعفة في الحفاظ عليها وعلى كل ما يتعلق بها من حقوق. قد نختلف في كل شيء ولكن لا يجب أن نختلف حول التمسك بالرحمة. رحم الله الدكتور عصام العريان".

ودون السياسي المصري المهندس محمد عصمت سيف الدولة، عبر حسابه بفيسبوك: "البقاء لله، توفي داخل السجن الدكتور/ عصام العريان، القيادي فى جماعة الاخوان المسلمين والذى كان يتميز داخلها بعلاقاته الواسعة والمتشعبة مع كافة أطياف التيارات والقوى السياسية داخل مصر وخارجها، من أول الليبراليين إلى آخر الماركسيين مرورا بالقوميين والناصريين".

وغرد السياسي المصري الدكتور أيمن نور، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، عن موت الدكتور عصام العريان، قائلا: "رحم الله صديقي وأخي الشهيد الدكتور عصام العريان، سجين كل العصور، الذي عاش مظلوما ومات مقتولا بفعل إجرام نظام العار دم الشهيد في رقبة السيسي".

وأورد الصحفي المصري عبد المنعم محمود "رُبَّمَا أَعْطَاكَ فَمَنَعَكَ, وَرُبَّمَا مَنَعَكَ فَأَعْطَاَكَ" والله يا والدي الحبيب ما نسيت فجرا صليته وراءك في السجن، فكانت صلاة غير كل الصلوات، ما رق قلبي مثل مارق لشرحك لحكم ابن عطاء يعز علي موتك في سجنك دون أهلك وأولادك، فجعني موتك يا أبي بعد أبي".