الخلافات البحرية.. لهذا تتغير إستراتيجية أميركا بين الصين وتركيا

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة إيطالية تقريرا تطرق إلى السياسية الخارجية للولايات المتحدة في مجابهة طموحات الهيمنة الصينية في بحر الصين، وتعاملها من ناحية أخرى مع الصراع اليوناني التركي في البحر المتوسط حول المطالبات بالمناطق الحصرية الخالصة واستغلال الموارد الطاقية والبحرية.

وقالت مجلة معهد الأعمال الدولية الإيطالي: إن البيان الصارم الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا، يلقي باللوم على الصين لمسؤولياتها تجاه المطالبات الغامضة في بحر الصين الجنوبي.

وفي المقابل، يتسم موقف واشنطن بالضبابية إزاء المطالبات التركية في البحر الأبيض المتوسط. وبين الحالتين هناك خيط مشترك هو الالتزام باتفاقية قانون البحار لعام 1982 خاصة فيما يتعلق بموضوع الجزر. 

وبالحديث عن الجزر، أشارت المجلة إلى أنه في كلا السيناريوهين، تجري منافسة تهدف إلى الحصول على مساحات في أعالي البحار واستغلال الموارد.

وتشكل هذه الجزر مراكز عسكرية متقدمة بالنسبة للصين على مقربة من الفلبين واستثناءات جغرافية بالنسبة لتركيا (لأنها يونانية ولأنها قريبة جدا من سواحلها).

وبينما لا يُتوقع الوصول إلى حلول على المدى القصير بالنسبة لبحر الصين الجنوبي، علقت أنقرة أنشطة التنقيب بالقرب من ''كاستيلوريزو'' (أصغر الجزر اليونانية) في 28 يوليو/تموز في البحر الأبيض المتوسط.

الإمبراطورية البحرية الصينية

تعتقد الولايات المتحدة أن الصين تعتبر بحرها الجنوبي "إمبراطوريتها البحرية"، وتفرض إرادتها بصورة غير مشروعة.

لهذا السبب، صادقت واشنطن على قرار محكمة التحكيم لعام 2016 بعد دعوى رفعتها الفلبين ضد بكين في إطار إجراءات حل نزاعات اتفاقية الأمم المتحدة التي تعد الدولة الصين طرفا فيها.

ويتعلق الخلاف بعدد لا يحصى من الجزر المرجانية غير المأهولة أو الناشئة في المد المنخفض للدول الجزرية مثل جزر "سبراتلي" و"باراسيل"، والتي تدعي بكين ملكيتها، كما أنها تبني منشآت ثابتة، حتى تتمكن من المطالبة بالمياه الإقليمية وبمنطقة اقتصادية خالصة.

وذكرت المجلة أن محكمة التحكيم قررت، في غياب الصين التي لم تحضر المحاكمة، أولا، أن الحقوق التي تطالب بها بكين في ما يسمى بـ"خط التسعة داش" دخيلة على النظام المألوف للاتفاقية ولا تستند على أسس تاريخية موثوقة.

وثانيا، لا يمكن أن يكون للمنحدرات العائمة المنخفضة التي بنت عليها بكين منشآت (غالبا ذات طبيعة عسكرية) مساحات بحرية خاصة بها.

وفيما يتعلق بهذا الحكم، تنفذ واشنطن بشكل منهجي عمليات بحرية في بحر الصين الجنوبي لتأكيد حرية الملاحة في مناطق المياه الإقليمية التي تطالب بها بكين "بشكل غير قانوني"، وتعمل أيضا بالاشتراك مع أستراليا والهند واليابان في إطار الحوار الأمني ​​الرباعي.

النزاع التركي اليوناني

على عكس ما يحدث في بحر الصين، لفتت المجلة إلى أن الولايات المتحدة  لم تتخذ أبدا موقفا واضحا ضد اليونان وتركيا، وهما المتنافسان على نزاع بحر إيجة، باستثناء التحيز لصالح قبرص في نزاع بحر شرق المتوسط.

في البداية، تعلق النزاع اليوناني - التركي بالجرف القاري لبحر إيجة فقط، بينما امتد الآن إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة لشرق البحر الأبيض المتوسط ​​بأكمله، بما في ذلك قبرص ومصر أيضا.

وفي السبعينيات من القرن الماضي، تلاشت محاولة اليونان عرض القضية على محكمة العدل الدولية في عام 1978 بسبب استعداد تركيا لحلها عن طريق المفاوضات الثنائية.

وتظل ملكية الجزر المشكلة الرئيسية، مع السعي إلى ضمها إلى اليابسة لغرض ترسيم حدود بحرية بالتساوي.

وبسبب الحصار التي تفرضه الجزر اليونانية بالقرب من سواحلها مثل كاستيلوريزو، تفكر تركيا في الحلول التي من شأنها أن تقلل من المساحات البحرية لهذه الجزر والسماح لنفسها بدفع المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى البحر.

وأكدت المجلة أن مسألة المساحات البحرية للجزر تُناقش على مستوى العقائد، لذلك هناك قرارات مختلفة من المحاكم الدولية التي تقلل من تأثيره على حدود الترسيم.

وليس من المستغرب، في الإعلان الأميركي المذكور أعلاه عن بحر الصين الجنوبي، إدانة المطالبات الصينية بالمساحات البحرية بغض النظر عن المياه الإقليمية لجزر سبراتلي.

الملاحة في إيجة

أشارت المجلة إلى أنه في الماضي، أطاعت أنقرة الإملاءات الأميركية بعدم تغيير الوضع الراهن لبحر إيجة، لكنها اليوم، بدفع من القبارصة، قررت نقل النزاع مع اليونان جنوبا، مع ترسيم حدود منطقة خالصة مع طرابلس التي تأخذ في الاعتبار فقط ستة أميال الحالية من المياه الإقليمية للجزر اليونانية. 

في المقابل، بالإضافة إلى تفكيرها في منطقة اقتصادية خالصة كبيرة من الحدود مع إيطاليا إلى مصر وقبرص، يمكن أن تميل أثينا إلى استخدام "السلاح الفتاك" للتوسع 12 ميلا في المياه الإقليمية.

لذلك ستكون آثار هذا القرار وخيمة على حرية الملاحة، كما سيكون العبور عبر بحر إيجة محدودا بسبب اختفاء أجزاء كبيرة من أعالي البحار في المضيق بين جزيرة وأخرى. وبدلا من ذلك، ستصبح تركيا محاصرة أكثر في البحر الأسود وعلى طول سواحل الأناضول.

وترى المجلة أنه من الصعب التفكير في قبول واشنطن، المخلصة لمبادئ ويلسون الخاصة بحرية الملاحة، حدوث مثل هذا الأمر، على الأقل من أجل التوافق مع السياسة المتبعة في بحر الصين الجنوبي.

نقطة تحول هادئة

كما يحدث غالبا عندما تصبح الأمور صعبة للغاية، يتوقف أحد المتنافسين. وفي هذا السياق، أوقفت أنقرة أنشطة التنقيب بالقرب من كاستيلوريزو، معلنة استعدادها لبدء المحادثات مع أثينا.

ومن الناحية النظرية، يعود الفضل في الوصول إلى نقطة التحول هذه إلى ألمانيا، والتي، على الرغم من إظهار الانتماء الأوروبي في إدانة التوسع البحري التركي، لديها دائما تحفظات تجاه التعصب القبرصي اليوناني.

وطلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأجيل الأنشطة البحثية من أجل نزع فتيل التوتر، وهو ما استجابت له أنقرة في نهاية يوليو/تموز، مبدية استعدادها لإجراء محادثات مع اليونان دون شروط مسبقة في كافة القضايا الثنائية.

لكن خلف الكواليس، تقف واشنطن التي لا يزال نهجها قائما في الحفاظ على الوضع الراهن وعلى الحل التفاوضي، وفقا لروح اتفاقية برن لعام 1976 أو إعلان مدريد لعام 1997، وتماشيا مع رغبة محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة بحسب المجلة.