بعد استقالة الفخفاخ.. قيس سعيّد في قلب لعبة سياسية معقدة

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

اعتبرت صحيفتان فرنسيتان أن استقالة رئيس الوزراء التونسي إلياس الفخفاخ تضع البلاد مجددا أمام صعوبة إيجاد توازن بين القوى الممثلة داخل برلمان "مشرذم" أنتجته انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وقدم الفخفاخ استقالته في 15 يوليو/ تموز 2020، بعد أشهر من خلافات حادة خرجت للرأي العام بين هرم السلطة، الرئيس قيس سعيد ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، على ضوء اتهامات وجهت للرجل المستقيل حول شبهة تتعلق بتضارب المصالح.

وقالت صحيفة "ليزيكو": "تولى إلياس الفخفاخ رئاسة الحكومة لمدة خمسة أشهر فقط، والآن يجب على الرئيس أن يجد خليفة له لتشكيل حكومة في مواجهة برلمان مجزأ ومقسم، وهو ما يعد أمرا صعبا نتيجة عدم توازن القوى داخل مجلس النواب".

وأضافت: "الفخفاخ سيكون قد خدم واحدة من أقصر الفترات منذ ثورة الياسمين التي شهدتها تونس عام 2011 وأدت للإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، وذلك عقب اتهامات تلاحقه في ملف تضارب مصالح".

استقالة الفخفاخ

وذكر مكتب رئيس الوزراء في بيان "لتجنب الخلافات بين المؤسسات في البلاد، قدم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ استقالته للرئيس قيس سعيد، من أجل فتح مسار جديد له للخروج من هذه الأزمة".

وتحقق لجنة برلمانية في شبهات تضارب مصالح، متهم فيها الفخفاخ، لعدم تخليه عن حصص يمتلكها في شركة متخصصة في تدوير النفايات تمكنت من الفوز بمناقصات حكومية.

وبدأ الموضوع يحظى باهتمام واسع لدى الرأي العام في تونس منذ أن صرح النائب التنفيذي السابق لشركة تابعة لمجموعة توتال الفرنسية للطاقة، منتصف يونيو/حزيران أن الفخفاخ يملك أسهما في هذه الشركة وأنه بصدد التخلي عن حصصه فيها.

وأدى الفخفاخ، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، البالغ من العمر 47 عاما، اليمين الدستورية في 27 فبراير/ شباط 2020، بعد مفاوضات صعبة لتشكيل الحكومة.

وأوضحت أن هذه الصعوبات، جاءت نتيجة الانتخابات التي أدت إلى عدد لا يحصى من التشكيلات الحكومية، التي غالبا ما شهدت خلافات، وأظهرت عدم قدرة البلاد على الحصول على حكومة مستقرة.

ونوهت "ليزيكو" بأن حزب النهضة الإسلامي، خرج منتصرا من انتخابات أكتوبر/ تشرين أول، ولكن بدون أغلبية حقيقية، إذ حصل على 54 مقعدا من أصل 217، وتولى رئاسة البرلمان زعيمه راشد الغنوشي.

ولم يقتصر الأمر على فشل الحزب هذا الخريف في حشد الأغلبية حول رئيس الحكومة الذي يختاره، ولكنه حصل فقط على ست حقائب وزارية في الفريق الحكومي، وسرعان ما تم تهميشهم، وعلى إثر ذلك قرر الحزب سحب الثقة من الفخفاخ الذي سيستمر في تسيير الأمور حتى تعيين خليفته.

في قلب اللعبة

وبحسب "ليزيكو"، هذه الاستقالة تضع الرئيس قيس سعيد، المستقل الشرس، مرة أخرى في قلب اللعبة السياسية، فوفقا للمادة 89 من الدستور، أصبح الآن مسؤولا عن تعيين رئيس وزراء جديد في غضون عشرة أيام. 

وتنص هذه المادة على أنه يجب على رئيس الجمهورية تسمية شخص قادر على الحكم بعد "المشاورات مع الأحزاب السياسية والائتلافات والمجموعات البرلمانية"، حيث سيكون أمام هذا الشخص شهر واحد لإقناع الأغلبية المطلقة للنواب بالموافقة على فريقه. 

واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن التحدي يكمن في البرلمان الذي يتكون من عدد لا يحصى من الأحزاب، وبعضها على خلاف، فلا النهضة وحلفاؤه النادرون، ولا القطب الذي تشكل حول الفخفاخ يمكنه بسهولة الحصول على الأغلبية.

وذكّرت "ليزيكو" بأن هذه المفاوضات الجديدة تأتي في وقت سيئ إلى حد ما، فرغم تعافي البلاد من أزمة فيروس كورونا المستجد عانت تونس، من التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده المنطقة، إلى جانب توقف قطاع السياحة - وهو مصدر حيوي للوظائف والعملات الأجنبية – بشكل تام.

كما أنه من المتوقع أن ينخفض النمو بنسبة 7٪ هذا العام وأن تنفجر البطالة ويتدهور المناخ الاجتماعي المتوتر بالفعل مرة أخرى، حيث يتظاهر تونسيون منذ أسبوع في جنوب البلاد بالقرب من موقع لإنتاج النفط للمطالبة بوظائف، وقد هددوا مرة أخرى بوقف الإنتاج، إذا فشلت الحكومة في اتخاذ تدابير ملموسة.

تعزيز للأزمة

من جهتها، رجحت صحيفة "لوموند" أن تعزز استقالة رئيس الحكومة الأزمة السياسية في تونس.

ونقلت "لوموند" عن هشام عجبوني، من التيار الديمقراطي، وهو حزب أصبح معروفا بمكافحته للفساد القول: "كان حزب النهضة يعتزم إسقاط هذه الحكومة منذ توليه (الفخفاخ) منصبه".

وأضاف أن الحزب كان غير قادر على تعيين رجاله أو التفاوض على تعيين المحافظين أو رؤساء المؤسسات العامة، وفعل كل شيء لإكمال هذا الفريق الحكومي.

وأكدت "لوموند" أن هذه الاضطرابات السياسية تشل مجلس النواب، الذي عُلقت جلساته الآن، فمن قروض المشاريع العامة إلى الإصلاحات المؤسسية، لا شيء يحدث.

وعلى غرار "ليزيكو"، أشارت "لوموند" إلى أن التوقعات الاقتصادية أكثر من كئيبة، على الرغم من أن تأثير كورونا في الأرواح كان ضئيلا ولم يلحق أضرارا بالقطاع الصحي. 

وبينت أن المفاوضات الشائكة لتشكيل حكومة جديدة، سيلعب فيها قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري السابق والمدافع عن مبادئ ثورة 2011، من جديد دورا قياديا في المشهد السياسي وفقا لما ينص عليه الدستور، إذ سيقود مشاورات مع الأحزاب السياسية والكتل النيابة والمنظمات لتقديم مرشحه.

غير أن مهمة سعيد لن تكون بالهيّنة، خاصة أن المفاوضات السابقة استغرقت، منذ أن أجريت الانتخابات النيابية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، نحو أربعة أشهر من التجاذبات السياسية إلى حين تم الاتفاق على الفخفاخ ونيله الثقة نهاية فبراير/ شباط 2020.