في ذكراها السابعة.. ماذا حل بمعتقلي قضية "الإمارات 94"؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحل اليوم الخميس 2 يوليو/تموز، الذكرى السنوية السابعة لصدور أحكام قضائية ضد 94 معتقلا إماراتيا، بعد اتهامهم من قبل السلطات بالسعي لقلب نظام الحكم في أبوظبي في القضية التي عرفت باسم (الإمارات 94).

تعود القصة إلى منتصف يوليو/تموز 2012، عندما شنت السلطات الإماراتية حملة اعتقالات ضد شخصيات أكاديمية وعامة، وناشطين في المجتمع المدني، واحتجزتهم في أماكن سرية لأكثر من 8 أشهر.

النائب العام للبلاد علي سالم الطنيجي، أعلن بعد ذلك، أن البلاد تحت تهديد أمني من هذه المجموعة التي تربطها علاقات مع منظمات أجنبية وتحمل أجندات خارجية، وتم اتهامهم بارتكاب جرائم ضد أمن البلاد ومخالفة للنظام الحاكم، دون تقديم دليل واضح لهذه الاتهامات.

وفي مطلع مارس/آذار 2013، أحيل المعتقلون إلى المحكمة الاتحادية العليا، واتهموا بالتخطيط للانقلاب على الأسرة الحاكمة في الإمارات، ثم صدرت أحكام جماعية بسجن 69 متهما، لفترات تراوحت بين 7 سنوات و15 سنة، وكان من بين المحكومين 8 إماراتيين صدر عليهم الحكم غيابيا.

ناقوس الخطر

كان المعتقلون، قبيل إخفائهم قسريا ثم الحكم عليهم بالسجن، يمارسون حقهم في النقد والمطالبة ببعض الإصلاحات، بشكل علني ورسمي، وكان نشاطهم يظهر للجميع على وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي، ولم يكن يكتنفه الغموض أو السرية.

غير أن السلطات الإماراتية وجهت لهم تهما بممارسة أنشطة سرية، وارتباطهم بمنظمات إرهابية خارج الإمارات، واستخدام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتأليب شعب الإمارات ضد نظام الحكم، من أجل الانقلاب على الأسرة الحاكمة.

وبالرغم من إنكار المعتقلين للتهم الموجهة إليهم جملة وتفصيلا، وعدم توافر أدلة تثبت سعيهم لقلب نظام الحكم، فإن السطات الإماراتية مضت في اتهامها لهم، ونفذت في حقهم أقسى عقوبة، بالسجن لعدة سنوات، وفي ظروف اعتقال سيئة تفتقد لأدنى شروط الآدمية.   

في واقع الأمر، فإن ما دفع النظام الإماراتي للجنون، هو العريضة التي وقعها في مارس/آذار 2011 مجموعة من المثقفين يصل عددهم إلى 133 شخصا، من بينهم أعضاء في جمعية الإصلاح الإماراتية، يطالبون من خلالها الشيخ خليفة بن زايد بإجراء إصلاحات سياسية ودستورية.

كانت تلك الخطوة هي بداية المنعطف بالنسبة للنظام الإماراتي، حيث رأى أن وثيقة الإصلاحات هي أول خطوة عملية للتحالف بين الإسلاميين والليبراليين، قد استوجبت دق ناقوس الخطر ضد الجمعية التي رأى النظام أنها هي المهندس الأول لهذه المطالبات التي "تهدد نظام الحكم".

سعت السلطات، عقب ذلك، لشن حملة واسعة ضد جمعية الإصلاح، ولفقت لأعضائها تهما بالسعي للانقلاب على نظام الحكم، ومحاولة إفساد نظام البلاد، غير أن القصد كان هو تقييد الطموح السياسي لأعضاء الجمعية عبر الإخفاء القسري والاعتقال والتعذيب والحكم بالسجن لعدة سنوات، وحظر الجمعية وإدراجها على قوائم الإرهاب.

ويقول الناشط الإماراتي حمد الشامسي: إن "الانتهاكات صاحبت القضية منذ بدايتها وقد شاركت فيها مؤسسات رسمية مختلفة كالنيابة العامة التي تورطت بالتستر على انتهاكات جهاز أمن الدولة، وكذلك القضاء الذي رفض التحقيق في التعذيب الذي تعرض له المعتقلون في مقرات أمن الدولة".

وأضاف الشامسي لـ"الاستقلال": "طردت وزارة الداخلية ممثلين عن المنظمات الحقوقية، وعمل الإعلام الرسمي الحكومي على تشويه المتهمين وأهاليهم".

وتابع: "تورط في ذلك مسؤولون وسياسيون كبار كعبد الله بن زايد (وزير الخارجية) في تغريدة له نشرها في 15 يوليو/تموز 2012، وضاحي خلفان نائب القائد الأعلى لشرطة دبي سابقا وأنور قرقاش وزير الشؤون الخارجية، عبر توجيههم الرأي العام ضد المعتقلين".

جمعية بعمْر الإمارات

بحسب المعتقلين، فإن تلك الأحكام صدرت ضدهم بسبب الانتقادات والمطالبات بالإصلاح التي وجهوها لرأس النظام، ومما عزز من اتخاذ تلك الانتهاكات ضدهم هو التوجه الإسلامي لهم الذي يسعى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لاجتثاثه والقضاء عليه وعلى معتنقيه بأي ثمن.

وكانت السلطات الإماراتية قد اتهمت المعتقلين بانتمائهم لجمعية سرية، غير أنها معروفة لدى جميع الإماراتيين، وقد تأسست عقب تأسيس دولة الإمارات مباشرة، أي أنها بعمر الدولة، وقد حصلت على الترخيص والدعم المالي من قبل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في عام 1974. 

وكان الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، وهو رئيس الجمعية، وأحد أبرز المعتقلين الـ94، ممن سعوا للحصول على الترخيص للجمعية، وأبرز الناشطين فيها منذ نحو خمسة عقود، ويحظى بثقل اجتماعي لدى المجتمع الإماراتي.

وتمارس الجمعية منذ تأسيسها في عام 1974، أنشطة اجتماعية، ولها توجه إسلامي وسطي، وتحظى باحترام المجتمع.

وبحسب منظمة حقوق الإنسان في تقرير لها فإن "العديد من المعتقلين ينتمون إلى منظمة إماراتية تُسمى جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وهي حركة لا عنفية انخرطت في حوار سياسي سلمي في الإمارات منذ سنوات عدة، وتطالب بالمزيد من الالتزام بالتعاليم الإسلامية".

جبهة جديدة

ويرى معارضون إماراتيون أن محمد بن زايد باعتقاله هذه الفئة، فتح جبهة مع المجتمع القبلي لدولة الإمارات، قد يدفع ثمنها على المدى المنظور، خصوصا أن سلطان بن كايد القاسمي، الأكاديمي والشيخ القبلي البارز، سليل أسرة القواسم العريقة، وابن عم حاكم إمارة رأس الخيمة، ويملك سيرة ذاتية زاخرة، وسجلا علميا وأكاديميا حافلا.

ومن بين المعتقلين أيضا، الدكتور محمد الركن، المحامي والناشط الحقوقي الملقب بـ"مانديلا الإمارات"، وهو محام بارع وأستاذ في القانون الدولي، ويعمل ناشطا في مجال حقوق الإنسان، ولديه ماجستير ودكتوراة في القانون الدستوري من جامعة وارويك في المملكة المتحدة.

وتعرض هذا الرجل للانتهاكات والتعذيب النفسي، وحكمت عليه المحكمة بالسجن 10 سنوات. وكان الركن قد طالب، أثناء المحاكمة، بتلقي العلاج النفسي، بشكل عاجل، وأضاف أن المحامي العام الذي نصبته المحكمة كان طالبا لديه، لم يوفق في صياغة التهم.

وكان المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان (مقره في جنيف)، قد نشر فيلما وثائقيا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عن الركن، وقال: إنه "كرس حياته للدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، حتى تم اعتقاله بسبب نشاطه السلمي".

ومن بين المعتقلين القاضي محمد سعيد العبدولي، والدكتور هادف العويس، وهو رجل قانون وأستاذ جامعي، وغيرهم العشرات.

وكان المعتقلون، وبموجب المسؤولية المجتمعية الذي تفرضها عليهم مراكزهم العلمية، يمارسون نشاطا مشروعا، يفترض أنه من أبسط حقوقهم وأهم واجباتهم، غير أن النظام الإماراتي الذي يمتلك سمعة سيئة وسجلا حافلا بانتهاكات حقوق الإنسان، لم يرق له أن يمارس أحد أي نقد أو يطالب بأي إصلاحات.

مهزلة قضائية

بحسب ما نقلت شبكة "بي بي سيط البريطانية عن منظمات دولية لحقوق الإنسان، فإن المحاكمة كانت أشبه بمهزلة، وأن معظم المعتقلين تعرضوا لإساءة المعاملة، واحتجزوا لعدة شهور في أماكن سرية، ولم يسمح لهم بمقابلة محاميهم لفترات طويلة.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد كتبت في تقرير لها: "يبدو أن السلطات الإماراتية ستخضع العشرات من مواطنيها لعملية قضائية غاية في الظلم لا يقال عنها إلا أنها استهتار بالعدالة".

ووفق إفادات المعتقلين، فإنهم قد تعرضوا لصنوف التعذيب النفسي والجسدي ولعشرات الانتهاكات، منها الإخفاء القسري لمدة 8 أشهر في سجون سرية، والامتناع عن تسليم ملف القضية لهم، والتزوير في أقوالهم، والإهمال الطبي والإذلال المتعمد والإهانات التي تهدف للنيل من الكرامة والآدمية، بالإضافة إلى تعذيبهم في السجون الانفرادية، وكان المعتقلان أحمد غيث وأحمد الزعابي من أبرز من تعرضوا للتعذيب.

بالإضافة إلى ذلك، تم منع المنظمات الحقوقية من حضور المحاكمة، وكانت منظمة العفو قد قالت: إن السلطات الإماراتية منعت ممثلها المحامي الكويتي أحمد الظفيري من دخول الإمارات لمراقبة المحاكمة.

علاوة على ذلك، فقد جرى منع المراقب القانوني ونوومي غروتاز، الممثل عن مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان (مقرها جنيف)، بالإضافة إلى منع عدد من المراقبين الدوليين، الذين تمكنوا من دخول الإمارات من حضور المحاكمة، بالرغم من التزامهم بالإجراءات القانونية، بحسب هيومن رايتس ووتش.

ولذلك، يقول الناشط الشامسي: "كل تلك أدلة  واضحة على أن هذه المحاكمة هي محاكمة سياسية بامتياز، هدفها ودافعها سياسي، وليس قانونيا كما يزعمون أو يدعون".

عيوب قانونية

وإلى جانب الانتهاكات التي طالت المعتقلين، فإن السلطات منعت المراقبين الحقوقيين من حضور جلسات المحكمة.

وكانت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش قد علقت على منع المراقبين بالقول: "يزيد منع المراقبين المستقلين والأقارب من دخول المحكمة، من الشكوك التي تحوم حول أسباب إخفاء السلطات كل ما يُقال ويُفعل داخل قاعة المحكمة".

وأضافت ويتسن: "إذا كانت السلطات الإماراتية قادرة على تقديم أدلة مقبولة ذات مصداقية على أن المتهمين ارتكبوا جرائم؛ فلماذا تسعى إلى الحفاظ على سرية المحاكمة؟".

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد نقلت عن المحامية المتخصصة بالحريات العامة، جيني باسكوريلا، أنها بعد عدة دعوات، تمكنت من مراقبة جلسات محاكمة خمسة متهمين، ودرست جميع وثائق القضية وعقلت قائلة: "اتسمت هذه القضية بكثرة العيوب القانونية والإجرائية منذ بدايتها، وهو ما جعلها غير عادلة بما يصب إلى حد بعيد في صالح النيابة".

وقالت باسكوريلا: "يجب على السلطات الإماراتية أن تُبدي التزامها المبدئي بالمعايير القانونية الدولية، وذلك بالإفراج عن الناشطين دون تأخير وإجراء مراجعة مستقلة للكيفية التي جرت بها مقاضاتهم وأسبابها استنادا إلى هذه التهم المسيّسة بشكل واضح".

في ذلك الصدد، كان تحالف من سبع منظمات حقوقية دولية قد أصدر بيانا قال فيه: "إن سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة ارتكبت سلسلة من الانتهاكات الخطيرة للحق في المحاكمة العادلة، وذلك عندما منعت أقارب المتهمين ومراقبين دوليين ووسائل إعلام دولية من حضور محاكمة جماعية لـ 94 معارضا للحكومة".

ودعا التحالف المكون من منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة الكرامة، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، إلى فتح تحقيق في ادعاءات التعذيب، والسماح لعامة الناس بحضور جلسات المحاكمة.

وقد توجت السلطات الإماراتية سلسلة انتهاكاتها، بسن قانون في أغسطس/آب 2014 يسمح للدولة بتنفيذ عقوبة الإعدام وكافة العقوبات المشددة الأخرى على من يثبت تورطه بالانضمام لمنظمة محظورة مدرجة على قائمة الإرهاب الإماراتية.

وإعمالا لذلك القانون، أعلنت الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عن قائمة مكونة من 82 منظمة على قائمة الإرهاب لديها، كان من بينها جمعية الإصلاح الإماراتية.