هل تخلت الدول العربية عن قضية فلسطين؟ صحيفة فرنسية تجيب

12

طباعة

مشاركة

في 25 يونيو/ حزيران 2020، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن توقيع اتفاقية تعاون علمي مع دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة وباء كورونا المستجد (كوفيد 19)، وذلك قبيل إعلان دولة الاحتلال المحتمل عن ضم أجزاء من الضفة الغربية.

هذا الإعلان الذي قرر تنفيذه في 1 يوليو/تموز 2020، يراه البعض أنه علامة على تخلي عدة دول عربية عن الشرط الذي كانت تفرضه لـ "تطبيع" علاقاتها مع إسرائيل، وهو تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفق ما ترى صحيفة "لاكروا" الفرنسية.

وتحدثت الصحيفة في تقرير كتبه بارترون بادي، الأستاذ بمعهد العلوم السياسية بباريس، ومارك لافيرني، عالم الجيولوجيا السياسية المتخصص في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، عن موقف الدول العربية من القرار المحتمل لضم إسرائيل أجزاء من أراضي الضفة الغربية المحتلة.

قواسم مشتركة

في البداية، قال بارترون بادي: إن القضية العربية الإسرائيلية، ثم الفلسطينية، كانت هي القاسم المشترك الرئيسي للسياسات الخارجية للدول العربية، حتى حرب عام 1967، سواء كانت هذه الدول محافظة أم ثورية، متحالفة مع الجانب السوفيتي (آنذاك) أو الأميركي. 

وأضاف: "إن حرب الأيام الستة، التي جمعت بين الجيوش السورية والمصرية والأردنية والمغربية، أظهرت هوية العالم العربي في الرؤية والتضامن تجاه القضية الفلسطينية".

وأكد أن هذه الوحدة بدأت في الانهيار بعد انتهاء الحرب، حيث تغيرت اللعبة الدبلوماسية في المنطقة، كما يتضح من تغير الأردن المفاجئ في حرب 1973، ثم توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث فقدت قضية فلسطين في الوقت نفسه طابعها ذا الأولوية.

وتساءل الباحث الفرنسي لماذا هذا التغيير؟ مجيبا: "لقد لعبت نهاية الثنائية القطبية في العالم دورا، وكذلك تنوع الإستراتيجيات السياسية بين الدول العربية، فمنذ السبعينيات وصاعدا، بدا أن الوحدة الأمامية أخفت اختلافات مهمة في طبيعة الأنظمة القائمة ورؤيتها للعالم".

وتابع: "أدى سباق القيادة في العالم العربي إلى تفاقم هذا الخلاف، وفي الآونة الأخيرة، على وجه الخصوص، اكتسبت الإستراتيجيات المعادية لتركيا وإيران زخما، وفي النهاية زاد الربيع العربي المخاوف من زعزعة استقرار الأنظمة القائمة، إلى حد تقديم الأسس لإستراتيجيات سياسية ودبلوماسية جديدة". 

وأكد بادي أن الصراعات الداخلية تتفوق الآن على معارضة إسرائيل، خاصة وأن القضية الفلسطينية يتم تحديدها بشكل متزايد مع صعود حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، المرتبطة بالإخوان المسلمين، وبدعم من إيران.

ووفقا له، يبدو أن الجميع مصطفون لصالح مشروع ضم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سيتولى السلطة لمدة ثمانية عشر شهرا، وهو غير متأكد من أن الأميركيين سينتخبون في نوفمبر/ تشرين ثاني رئيسا آخر مواتيا لآرائه، في إشارة إلى دونالد ترامب، كما أن العالم يغض الطرف عن ذلك.

ويبين بادي بأن التجارب السابقة، جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي مقتنعا بأنه لن يحدث شيء خطير من العالم العربي، وعلاوة على ذلك، تظل روسيا صامتة عندما يعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه لكنه يظهر انقساماته.

وشدد على أن الدبلوماسية الإسرائيلية، تميل إلى التغاضي عن خطر حدوث انفجار في "الشارع العربي"، وخاصة في الأراضي الفلسطينية، الأكثر إذلالا من أي وقت مضى، وترى أن "الأمور ستهدأ في نهاية المطاف".

لكن الأستاذ بمعهد العلوم السياسية بباريس، ينوه بأن ما حدث عام 2019 ذكّرنا بأن المجتمع الاجتماعي يسير بشكل أسرع من السياسي، وأن المجتمعات يمكن أن تشتعل أكثر مما يظهر في العلاقات الحكومية الدولية. 

وأوضح أن هناك خطرا من أن هذا المشروع سيزيد من تفاقم اليأس الفلسطيني، واعتقادهم أنه ليس لديهم حل آخر سوى المواجهة، كما أن التصعيد الذي لا معنى له، سيؤدي في النهاية إلى الانفجار.

صرخات وتبرعات

من جهته، قال مارك لافيرني: إنه "بين سكان الدول العربية، تعتبر حساسية القضية الفلسطينية هي الأكثر أهمية في الدول المجاورة، فتاريخيا، فلسطين جزء من بلاد الشام مع لبنان وسوريا والأردن، وهذا هو المكان الذي يكون فيه التناضح أقوى، إذ تشترك شعوبهم في نفس الألقاب، اللهجة، والعادات".

ويؤكد أنه في البلدان البعيدة، يكون الالتزام أكثر واقعية، فدول الخليج، على وجه الخصوص، باستثناء الكويت، حصلت أولا على استقلالها في عام 1961 والتي استخدمت الكثير من المهندسين والفنيين الفلسطينيين - بما في ذلك ياسر عرفات (الرئيس الفلسطيني الراحل) - لتطوير صناعة النفط.

أما في المنطقة المغاربية أيضا، يواصل لافيرني، تكون الحساسية أقل حدة، خاصة وأن هذه البلدان تتمتع بخصوصية وهي استضافة مجتمع يهودي كبير، فلطالما حافظ المغرب على علاقات جيدة مع إسرائيل.

كما أن أول رئيس للجمهورية التونسية الراحل الحبيب بورقيبة (1957- 1987)، والملتزم حتى بالقضية الفلسطينية، لم يعتبر أبدا أن الحرب هي الحل الأمثل للمشكلة.

حتى المصريون كذلك، يواصل بادي، يشعرون أنهم دفعوا ما يكفي من المال بالفعل ويعتبرون الفلسطينيين مثل "الأطفال المدللين" قليلا، لذلك على المستوى السياسي بشكل خاص كان الدعم للقضية الفلسطينية قويا جدا بين "دول الرفض"، التي تم تشكيلها بعد توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979 ثم مع الأردن عام 1994، وفق الصحيفة.

ومع ذلك، فقد كان هذا الأمر أكثر وضوحا في الجمهوريات العربية منه في الملكيات، التي تخاف بشكل دائم من القومية العربية للفلسطينيين. فالأردن، الذي ثلثا سكانه من أصل فلسطيني، أصبح شكلا من الفناء الخلفي لإسرائيل، بحسب لافيرني.

ويرى الباحث أن إعادة تشكيل المنطقة جار، وقرب دول الخليج من الغرب، يجعل من المستحيل عليها دعم الفلسطينيين بخلاف المساعدات الإنسانية.

فلتحقيق أهدافهم في اليمن، لا يمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تعارض الولايات المتحدة، ولا يمكنهم اليوم رفض دعم خطة دونالد ترامب المزعومة للسلام، وحتى قطر، التي تبقي غزة على قيد الحياة، حذرة من البقاء في لعبة توازن ثاقبة مع واشنطن.

ووفقا له، فإن مكانة الفلسطينيين في العالم العربي غامضة في الواقع، فهناك تذكير دائم بعجزهم عن مواجهة إسرائيل والغرب، "ونحن على دراية بأننا غير منصفين ونصرخ بصوت عال من أجل تضامننا لأننا نعلم أننا لن نفعل أي شيء". 

كما أن الحديث عن "التطبيع" فيما يتعلق بالعلاقات بين دول معينة مثل الإمارات وإسرائيل لا مسوغ له، لأنه مجرد تدوين سيناريو موجود بالفعل في الواقع.

وخلص إلى أنه إذا تم الإعلان عن الضم في الأول من يوليو/ تموز، فذلك لأن إسرائيل ستحصل على تأكيد بأنه يمكنها القيام بذلك، منوها بأنه ستكون هناك صرخات عالية، لن تليها إلا تبرعات مالية.