نجت من سيناريو سوريا.. هذا ما كان سيفعله حفتر في طرابلس

تحرير مدينة ترهونة من قبل قوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، كشف عن حجم الجرائم التي خلفتها مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر في المدينة التي سيطرت عليها لمدة تجاوزت العام.
تم العثور على 11 مقبرة جماعية تضم نحو 160 جثة، وتؤكد مصادر ليبية أن العديد من الجثث المكتشفة تعود لمدنيين أعدمتهم مليشيا الكاني الموالية لحفتر بشبهة معارضتهم لها، كما أن بعض هذه الجثث تعود لأسرى حرب.
وأكدت مصادر ليبية أن المعاينات الأولية تظهر أن العديد من الضحايا دفنوا أحياء، في حين قتل آخرون بالرصاص.
توالت بعدها المواقف الدولية المنددة بهذه الجرائم الفظيعة، التي أعادت التذكير بعدد من الجرائم الأخرى التي ارتكبتها مليشيا حفتر منذ إطلاقه ما يسمى بـ"عملية الكرامة" عام 2014.
كما سلطت الضوء مجددا عن الحالة الحقوقية في مناطق سيطرة حفتر، وماذا كان ينتظر الليبيين في حال نجح اللواء الانقلابي المتقاعد من بسط سيطرته على كامل ليبيا؟.
سيناريو سوريا
هذه التقارير "المروّعة" عن مقابر جماعية في مدينة ترهونة في ليبيا، وإثبات مسؤولية مليشيات حفتر عن ارتكابها، ليست الجريمة الأولى في سجل حفتر ومناصريه، ويبدو أنها لن تكون أيضا الأخيرة.
سيناريو مشابه لجرائم بشار الأسد في سوريا، كان ينتظر الليبيين في العاصمة طرابلس، كشفته حكومة الوفاق عبر ضبط مخزن يحتوي على 200 برميل متفجر لمليشيا حفتر في ترهونة، وفق بيان نشرته عملية "بركان الغضب" التابعة للجيش.
وذكر البيان أن "أبطال المنطقة العسكرية الغربية يُسيطرون على مخزن يحتوي على 200 برميل متفجر ومواد كيماوية في ترهونة "، وأوضح أن المخزن "كانت مليشيات حفتر الإرهابية الهاربة تُخطط لاستخدامه في العدوان على طرابلس".
كما قتل 39 شخصا، بين أمنيين ومدنيين، وأصيب العشرات، جراء انفجار ألغام زرعتها مليشيا الانقلابي خليفة حفتر جنوبي العاصمة طرابلس.
ووفق إعلام محلي، قال المركز الليبي لإزالة الألغام ومخلفات الحروب: إن عدد ضحايا الألغام المزروعة جنوبي طرابلس بلغ 110، بين قتيل وجريح.
وأوضح المركز أن الحصيلة تشمل مدنيين وأمنيين من فرق إزالة الألغام التابعة للحكومة الليبية، مشيرا أن عدد القتلى بلغ 39، ما يعني أن المصابين 71.
في 10 يونيو/ حزيران 2020، أعلنت اللجنة المشتركة لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان الليبية، مقتل 27 شخصا وإصابة 40 آخرين، جراء انفجار الألغام والعبوات التي زرعتها مليشيا حفتر بمنازل مدنيين كانت تتخذها تمركزات لها قبل فرارها.
وفي مايو/أيار 2019، جددت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا مطالبتها للمرة الثالثة لخليفة حفتر باعتقال محمود الورفلي فورا وتقديمه إلى المحكمة.
وسبق للجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف بحق الورفلي لضلوعه في عمليات إعدام جماعي بمدينة بنغازي، وجاء في المذكرة أن المدعي العام طلب إصدار مذكرة توقيف الورفلي بسبب مسؤوليته الجنائية عن جرائم حرب ارتكبها عامي 2016 و2017 في بنغازي والمناطق المحيطة بها.
كما كشف تقرير خبراء الأمم المتحدة بشأن ليبيا، المقدم لأعضاء مجلس الأمن في 5 يونيو/حزيران 2020، عن صفحات من انتهاكات وجرائم نسبها إلى حفتر وقواته.
تتعلق هذه الجرائم بالتورط في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وإنشاء سجون سرية، بالإضافة للتورط في السطو على بنوك وسرقة أموالها.
شارع الزيت
من جهته اعتبر الصحفي والإعلامي الليبي محمد خلاب أن "السيناريو الذي كان ينتظره الليبيون في حال دخول حفتر لطرابلس، لن يكون أقل بشاعة من سيناريو شارع الزيت في بنغازي (الذي اشتهر بوجود جثث معارضي حفتر فيه) ولن يكون أقل فظاعة من التصفيات الميدانية التي ارتكبها المطلوب دوليا محمود الورفلي" .
وأضاف خلاب في حديث مع "الاستقلال": "أما مليشيا الكاني التي كانت تسيطر على ترهونة، لا أعلم حقيقة أي بلاء كان سينزل على المدنيين ، إذا دخلت هذه المليشيا لطرابلس، ففي مندينتهم لم يتركوا طفلا ولا امرأة ولاعجوزا ولاشابا من معارضيهم إلا وقتلوه في ضوء النهار وعلى مرأى ومسمع من الناس، فتخيل أن المليشيات التي ارتكبت كل هذه الجرائم في أماكن متفرقة من ليبيا، ماذا كانت ستفعل بأهالي وسكان العاصمة والمنطقة الغربية؟".
وأكد الإعلامي الليبي "وجود مخازن لبراميل متفجرة شبيهة بالتي استعملت في سوريا من قبل نظام الأسد، قائلا: "الحمد لله أن قطع شباب الثورة الطريق أمام نقل سيناريو سوريا لليبيا، لأن قوات بركان الغضب عندما تقدمت إلى مواقع كان يسيطر عليها حفتر، اكتشفوا مخازن كبيرة لبراميل متفجرة كانت معدة لاستخدامها عبر مروحيات قدمتها الإمارات لحفتر".
وأضاف: "كانت النية مبيتة لاستخدام هذه البراميل المتفجرة من قبل مليشيا حفتر، بدليل أنهم أتوا بها من أماكن بعيدة، كما أن أحد المروحيات المعدة لحمل البراميل وقصف السكان، عثرت عليها قوات بركان الغضب في منطقة السبيعة (معهد الطيران)، إلا أن السيطرة المفاجئة لسلاح الجو التابع لحكومة الوفاق والمدعوم بأسراب طائرات البيراقدار التي قدمتها تركيا سيطرت على سماء منطقة العمليات من رأس اجدير غربا إلى سرت شرقا".
مقابر ترهونة
في 12 يونيو/حزيران 2020، أعلنت قوات الوفاق الليبية العثور على 3 مقابر جماعية جديدة في مدينة ترهونة ومحيطها، جنوب شرق العاصمة طرابلس، بعد العثور سابقا على 8 مقابر أخرى منذ سيطرتها على المدينة.
وأفاد بيان نشره المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" على فيسبوك، أنه تم العثور على تلك المقابر في منطقتي "المشروع الزراعي"، بترهونة، و"سوق الخميس امسيحل"، القريبتين من المدينة.
وأضاف البيان أن اللجنة المكلفة من وزارة العدل، وضعت علامات تحذير من الاقتراب من تلك المقابر وأغلقتها، تمهيدا لاستخراج الجثامين وفق الأسس المتعارف عليها.
أكد وزير العدل محمد لملوم أن المجازر المرتكبة من المليشيات المعتدية في حق أهالي ترهونة ترقى إلى جرائم إبادة بحق عائلات معينة مثل "النعاجي"، و"هرودة".
وأضاف لملوم في تصريحات نشرتها الوزارة أن المليشيات التي كانت تختطف ترهونة لم يسلم من جرائمها حتى الأطفال الرضع والنساء الحوامل.
وتابع: أن "جرائم ترهونة كجبل الجليد لم تر منها السلطات إلا قمته"، مشددا على أنه لن يفلت المجرمون من العقاب أيا كانت صفة مرتكب الجريمة.
وتحدث لملوم عن تشكيل لجنة يرأسها طبيب شرعي بشأن المقابر الجماعية وتعمل تحت إشراف مكتب النائب العام للحفاظ على الأدلة وعدم العبث بها و"هذا العمل كله بإشراف قضائي".
ولفت وزير العدل إلى أن أصابع الاتهام تشير إلى مسؤولية مليشيات الكاني عن الجرائم المرتكبة بحق أهالي مدينة ترهونة وضواحيها.
وأوضح وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا أن أجهزة الوزارة بصدد البحث عن جميع المقابر الجماعية للتعرف على هوية الجثث وتسليمها إلى ذويها، داعيا أهالي ترهونة النازحين إلى العودة إلى المدينة، من دون أن يخشوا تعرضهم لعمليات انتقامية.
إدانات دولية
البعثة الأممية في ليبيا، دعت يوم 11 يونيو/حزيران 2020، إلى تحقيق سريع وشفاف في اكتشاف 8 مقابر جماعية معظمها بمدينة ترهونة، جنوب شرق طرابلس.
وقالت البعثة، في بيان لها: إنها تتابع "بقلق شديد التقارير المروعة جدا عن اكتشاف 8 مقابر جماعية معظمها بمدينة ترهونة".
وأضافت: "وفقا للقانون الدولي فإنه يتعين على السلطات الليبية إجراء تحقيق سريع وشفاف وفعال بالتقارير حول ارتكاب حالات قتل خارج نطاق القانون".
وزارة الخارجية الإيطالية أعربت عن صدمتها من اكتشاف عدة مقابر جماعية في مدينة ترهونة، وطالبت الوزارة في بيان لها إلى "إجراء تحقيق مستقل وشفاف بتحديد الجناة ومحاسبتهم، تماشيا مع الدعوات الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والبعثة الأممية في ليبيا".
كما قال السفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي غريمالدي: إن مليشيات حفتر تصرفت بنفس طريقة "تنظيم الدولة"، في إشارة منه إلى المجازر التي ارتكبتها في ترهونة والألغام التي زرعتها مليشيات حفتر أثناء فرارها من محاور القتال.
أعربت تونس عن بالغ قلقها على إثر الأنباء المفزعة بخصوص العثور على مقابر جماعية بمدينة ترهونة (ليبيا)، في تطور بالغ الخطورة للأوضاع يؤكد مرة أخرى أن الخيارات العسكرية لا يمكنها إلا أن تزيد في تعقيد الأزمة وزرع بذور الفتنة وتعميق معاناة الشعب الليبي الشقيق.
وأعربت سفارة بريطانيا في ليبيا عن صدمتها حيال اكتشاف المقابر الجماعية بمدينة ترهونة ،وقالت السفارة: إنها تشاطر مشاعر الصدمة العميقة مع الأمين العام للأمم المتحدة، مبينة أن اكتشاف المقابر الجماعية؛ أمر مروع، وفي غاية الجدية.
وأضافت السفارة أنه ينبغي أن يكون هناك تحقيق فوري وشامل في هذه الحوادث، مؤكدة وجوب تقديم الجناة إلى العدالة.
وأكدت تونس، في بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية، ضرورة فتح تحقيق مستقل وشفاف بخصوص هذه المقابر، مجددة دعوتها كافة الأطراف إلى ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والحفاظ على حياة المدنيين، ولا سيما الأطفال والنساء.
في حين قالت السفارة الأميركية في ليبيا عبر تويتر: "الولايات المتحدة تشارك رعب بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وتدعم الجهود الفورية التي تبذلها السلطات الليبية والهيئات الدولية للتحقيق في هذه الانتهاكات التي لا تطاق وتقديم الجناة إلى العدالة".
المصادر
- تقارير "حفر الموت" في ترهونة.. ضربة جديدة لسمعة قوات حفتر؟
- ليبيا: قلق أممي إزاء اكتشاف مقابر جماعية غالبيتها في مدينة ترهونة
- ليبيا.. اكتشاف 3 مقابر جماعية جديدة بترهونة ومحيطها
- المقابر الجماعية بترهونة.. حكومة الوفاق تطلب مساعدة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعو لتحقيق عاجل
- مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا لـ”القدس العربي”: يجب صيانة الأدلة حول المقابر الجماعية في ترهونة