زيارة سرية.. كيف مهّدت تركيا الطريق أمام "مخلب النسر" شمالي العراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ضمن معاركها المتواصلة ضد حزب العمال الكردستاني "بي كاكا" أطلقت تركيا في 14 يونيو/ حزيران 2020 عملية "مخلب النسر" التي بدأتها بقصف جوي عنيف، ثم أتبعتها بيومين بعملية برية أخرى أسمتها "مخلب النمر" شاركت فيها قوات الكوماندوز التركية.

العمليات العسكرية جاءت بعد أيام من زيارة سرية أجراها رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان إلى بغداد في 11 يونيو/ حزيران 2020، دون معرفة تفاصيل الملفات التي ناقشها، إلا أن وسائل إعلام محلية ذكرت أن "العمال الكردستاني" كان على رأس المباحثات.

غضب تركي

محللون أكدوا قرب زيارة هاكان فيدان ولقائه بمسؤولين عراقيين على توقيت انطلاق العمليات العسكرية شمال العراق، تفسر السبب الرئيس لزيارة رئيس المخابرات التركي إلى بغداد.

وكتب الكاتب العراقي إياد الدليمي تغريدة على "تويتر" في 15 يونيو/ حزيران 2020، قائلا: "اتضح الآن سبب الزيارة السرية التي قام بها رئيس جهاز المخابرات التركي إلى بغداد، أنقرة تطلق عملية مخلب النسر تستهدف مناطق في شمال العراق خاضعة لسيطرة حزب العمال الكردستاني".

لكن سبب زيارة المسؤول التركي الرفيع، ربطها محللون بزيارة سرية قبلها أجراها قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم كوباني إلى العاصمة العراقية، والتي أكدوا أنها أدت إلى استياء تركيا من التقارب بين بغداد والفصائل الكردية في سوريا.

وقال جنكير أكتار، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أثينا، خلال تصريحات صحفية في 13 يونيو/ حزيران 2020: إن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي وفيدان زميلا مهنة وسبق أن تعاملا في تبادل ملفات، لذلك من المرجح أن يكون حصل بينهما لقاء في بغداد.

ورأى المحلل التركي أن ملف الوجود الكردي لحزب العمال الكردستاني ومحاولة الأكراد العراقيين إدارة أمورهم بعيدا عن تأثير حكومة بغداد، يشغل تركيا مثلما يحدد مستقبل العلاقة بين بغداد وأنقرة.

كما ربط جنكيز أكتار بين زيارة رئيس المخابرات التركية إلى بغداد، والزيارة التي أداها مظلوم كوباني قائد قوات سوريا الديمقراطية، إلى العراق مؤخرا، بعدما أبدت أنقرة استياءها الشديد من التقارب العراقي مع أكراد سوريا.

هدف العمليات

الهدف من العمليات التي أعلنتها تركيا هي تحييد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه على لوائح الإرهاب من الحدود التي تربطها بالعراق، ولا سيما في جبال قنديل (معقل بي كاكا) وسنجار ومخمور شمال الموصل.

وقالت وزارة الدفاع التركية، في 18 يونيو/ حزيران 2020: إن قواتها ضربت أكثر من 500 هدف لمقاتلي حزب العمال الكردستاني بطائرات "إف 16"، وطائرات مسيرة ومدافع هاوتزر في إطار عملية في منطقة هفتانين.

وذكرت أن قوات الكوماندوز التركية التي تم إنزالها إلى المنطقة بالمروحيات، بتفكيك الألغام والمتفجرات التي وضعها "بي كاكا" في المنطقة، فضلا عن تدمير الذخائر والمعدات التي تضبطها.

وتواصل هذه القوات تدمير حزب العمال الكردستاني في مناطق وعرة، وأخرى يصل ارتفاعها إلى 1900 متر تقريبا، وسط غطاء جوي توفره الطائرات المسيرة التركية.

وتتابع قيادات الجيش التركي العملية العسكرية لحظة بلحظة من مركز العمليات في قيادة القوات البرية، بمشاركة وزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس الأركان يشار غولر.

وفي خطاب وجهه لقوات الكوماندوز، قال أكار: إن عملية "مخلب النمر" تسير بشكل جيد، معربا عن أمله في أن يتم استكمالها بنجاح مع ضمان أمن العناصر المشاركة فيها، بحسب بيان وزارة الدفاع التركية.

ومع انطلاق عملية "مخلب النسر" قالت وزارة الدفاع التركية: إن الغارات التي نفذتها مقاتلاتها في 14 يونيو/ حزيران 2020، دمرت 81 هدفا لحزب العمال في كل من سنجار وقرجيك وقنديل والزاب وأفشين باسيان وهاكورك.

قواعد جديدة

ومن ضمن الأهداف التي تسعى تركيا إلى بلوغها في العمليات العسكرية، هو إقامة مزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق، حسبما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول تركي بارز في 18 يونيو/ حزيران 2020.

وقال المسؤول التركي البارز الذي طلب عدم نشر اسمه: إن أنقرة بدأت العمليات بعد محادثات مع بغداد من أجل إبعاد المقاتلين عن حدودها. الأمر الذي يشير ربما إلى زيارة فيدان للعراق.

وأضاف: "الخطة هي إقامة قواعد مؤقتة في المنطقة، لمنع استخدام المناطق المطهرة للغرض نفسه مرة أخرى. هناك بالفعل أكثر من 10 قواعد مؤقتة هناك. وستقام قواعد جديدة".

وتهاجم تركيا مقاتلي حزب العمال الكردستاني باستمرار، سواء في جنوب شرقي تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية أو شمالي العراق حيث يتمركزون، وحذرت في السنوات الأخيرة من هجوم بري محتمل على قواعد الحزب في منطقة جبل قنديل في العراق.

ولا تزال تركيا تحتفظ بقوات لها في مدينة بعشيقة العراقية بمحافظة نينوى (مركزها الموصل) رغم مطالبات عراقية عدة لإخراجها، إلا أن أنقرة تؤكد أنها جاءت لضمان الأمن القومي التركي من الهجمات التي يشنها "العمال الكردستاني".

قصف إيراني

وبالتزامن مع العمليات العسكرية التركية، شنت المدفعية الإيرانية في 17 يونيو/ حزيران 2020، قصفا عنيفا على عدد من المناطق الحدودية داخل إقليم كردستان العراق.

وقالت قناة "كردستان 24": إن "طائرات استطلاع إيرانية حلقت فوق المنطقة، وبعد وقت قصير من مغادرتها المجال الجوي، أطلقت إيران وابلا من قذائف المدفعية على المناطق الحدودية".

وحسب شبكة "روداو" الكردية للأنباء، فإن "القصف الإيراني استهدف قرية آلانه التابعة لمنطقة حاج عمران في أربيل، إذ تزامن مع تحليق للطائرات التركية في سماء القرية".

وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، خلال بيان رسمي في 17 يونيو/ حزيران 2020 أن "الحرس الثوري" قصف مناطق حدودية جبلية تتبع لمحافظة أربيل في إقليم كردستان العراق.

وقال البيان الإيراني: إن "مجموعات تابعة لحزبي الديمقراطي الكردستاني "حدكا"، وكوملة الكردستاني الإيرانيين، تتحصن في المناطق الجبلية التي تم استهدافها".

وتفسيرا للقصف التركي الإيراني المتزامن على مناطق إقليم كردستان العراق، قال الخبير العراقي في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي: إنها تأتي ضمن تفاهمات سرية مسبقة مع بغداد.

وقال الهاشمي خلال تغريدة على "تويتر" في 17 يونيو/ حزيران 2020: إن "العمليات العسكرية التي تشنها القوات التركية والإيرانية في العمق العراقي من إقليم كردستان، على مناطق المعارضة الكردية من جنسيات غير عراقية حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) التركي، وحزبي كوملة وحدكا الإيرانيين. من وجهة نظري أنها أنجزت بعد تفاهمات مسبقة سرية مع الجانب العراقي".

الموقف العراقي

من جهته، اعترض العراق على القصف المكثف الذي تشنه تركيا وإيران على منظمة العمال الكردستاني شمال العراق. وطلبت بغداد في 18 يونيو/ حزيران 2020 من أنقرة سحب قواتها، و"الكف عن الأفعال الاستفزازية".

وجاء في بيان لوزارة الخارجية العراقية، أنه تم استدعاء السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، مجددا إلى مقر الخارجية وسلم "مذكرة احتجاج شديدة اللهجة". كما استدعت الخارجية سفير طهران لدى بغداد إيرج مسجدي، احتجاجا على قصف إيراني استهدف منطقة حدودية شمالي البلاد.

ووفق بيان للخارجية العراقية، تم استدعاء مسجدي صباح الخميس 18 يونيو/ حزيران 2020، لتسليمه مذكرة احتجاج على قصف مدفعي استهدف قرى حدودية بمحافظة أربيل، شمالي البلاد.

وأدانت الخارجية العراقية هذه الأعمال وطالبت بالتوقف عن القيام بها، بهدف تحري سبل التعاون الثنائي المشترك في ضبط الأمن، وتثبيت الاستقرار على الحدود المشتركة.

وقبل ذلك، وصفت قيادة العمليات المشتركة العراقية القصف التركي الذي استهدف مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في محافظة نينوى بأنه "لا ينسجم مع التزامات حسن الجوار وفق الاتفاقيات الدولية، ويمثل انتهاكا صارخا للسيادة العراقية".

ودعت القيادة العراقية - في بيان- تركيا إلى عدم تكرار هذه الهجمات، وإيقاف ما وصفته بـ"الانتهاكات احتراما والتزاما بالمصالح المشتركة بين البلدين". وأشار البيان إلى أن العراق مستعد للتعاون وضبط الأوضاع الأمنية على الحدود المشتركة مع تركيا.

بيان رفض

وفي موقف وحيد من بين جميع الدول العربية - والذي وصفه مراقبون بأنه جاء نكاية بـ"تركيا"- أصدرت الإمارات والسعودية والبحرين بيانات في 18 يونيو/حزيران 2020، رفضت فيها العمليات العسكرية التركية شمال العراق.

وقالت وزارة الخارجية السعودية: "العدوان التركي الإيراني يعد تدخلا مرفوضا في شأن دولة عربية، وانتهاكا سافرا لأراضيها، وتهديدا للأمن العربي والأمن الإقليمي، ومخالفة صريحة للمبادئ والمواثيق الدولية".

وأضافت: أن "الوزارة أكدت على وقوف السعودية إلى جانب جمهورية العراق الشقيقة فيما تتخذه من إجراءات لحفظ سيادتها وأمنها واستقرارها".

أما الإمارات فاستنكرت "التدخلات العسكرية التركية والإيرانية في العراق، خلال قصفهم مناطق في إقليم كردستان العراق"، معتبرة ذلك "انتهاكا لسيادة العراق".

فيما أدانت مملكة البحرين، ما اسمته "الاعتداءات العسكرية التركية والإيرانية"، مطالبة المجتمع الدولي بمساعدة العراق.

وقبل ذلك، أصدر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بيانا في 16 يونيو/ حزيران 2020، انتقد فيه العملية العسكرية التركية، بزعم مطاردة أفراد من حزب العمال الكردستاني.

وقال أبو الغيط، في بيان: إن "التدخل العسكري التركي يمثل اعتداء على السيادة العراقية، ويجري بدون تنسيق مع الحكومة في بغداد، بما يعكس استهانة أنقرة بالقانون الدولي وبعلاقاتها بجيرانها العرب على حد سواء".

وأكد أن "التدخلات العسكرية التركية في الأراضي العربية، سواء في سوريا أو ليبيا أو العراق، أصبحت مصدر قلق ورفض واستهجان من الدول العربية جميعا، وأنها تعكس أطماعا توسعية لدى تركيا تنتمي إلى ماض بعيد، ولم يعد لها مكان في عالمنا المعاصر".