حرب الـ12 دقيقة.. لماذا لم تظهر إيران شراستها ضد إسرائيل كما فعلت بسوريا؟

داود علي | منذ ١١ يومًا

12

طباعة

مشاركة

مقارعات إيران وإسرائيل المستمرة تفرض نفسها على الساحة الدولية، 3 ضربات عسكرية متبادلة في أيام معدودات، بدأت في استهداف مجمع سفارة طهران بدمشق، ثم رد إيران المحدود في إسرائيل، ثم رد الاحتلال الأكثر محدودية في أصفهان. 

ففي 18 أبريل/ نيسان 2024، قال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل وجهت ضربة عسكرية محدودة ضد منطقة أصفهان الإيرانية، فيما بدا ردا انتقاميا، لكن لم ينتج عنها خسائر تذكر.

لكن دلالة الهجوم كانت كبيرة، كونه حمل رسالة بأن إسرائيل تستطيع الانتقام وأن الاستهداف تم بالقرب من قاعدة نووية إيرانية في تلك المنطقة.

وبالعودة إلى ليلة 14 أبريل 2024، اتجهت أنظار العالم إلى إسرائيل منتظرة الرد الإيراني، على قصف تل أبيب لمجمع سفارة إيران في سوريا، واغتيال رجال من النخبة في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، بينهم الجنرال محمد رضا زاهدي وآخرين.

وبالفعل جاء الهجوم الذي أبلغت به إيران أميركا، وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال أن الهجوم شمل 170 طائرة مسيرة و30 صاروخ كروز، لم يدخل أي منها الأراضي الإسرائيلية، و110 صواريخ باليستية وصل عدد صغير منها إلى إسرائيل.

وأضاف أن 99 بالمئة من الصواريخ القادمة، جرى اعتراضها إما خارج المجال الجوي الإسرائيلي أو فوق إسرائيل، أما حصيلة القتلى فكانت "صفر". 

وهكذا مر الانتقام الإيراني دون خسائر مادية تذكر، كما حدث في الرد الإسرائيلي الأخير في أصفهان، وإن بقيت الخسارة المعنوية الوحيدة، في أنه لأول مرة منذ عقود يتم قصف الداخل الإسرائيلي من قبل دولة أخرى. 

وبقي السؤال المطروح في ظل حالة الجدل القائمة عن جدوى وطبيعة الردود الإسرائيلية الإيرانية، هل كانت مناسبة؟ وهل بالفعل إيران جادة في توعدها لإسرائيل؟ وهل إسرائيل تريد توسعة الحرب تجاه طهران؟ وهل حققت الضربات الإيرانية في العمق الإسرائيلي وجه استفادة لغزة والمقاومة أو حتى إيران؟ 

هنا يتذكر كثيرون طبيعة الحروب، ويستحضرون الدور الإيراني المستمر في سوريا منذ أكثر من عقد زمني، وكيف كانت تقاتل هناك بشراسة، وهو ما لم يحدث أبدا ضد إسرائيل في أي مرحلة من المراحل. 

أما حروب إسرائيل وقسوتها فنراها يوميا في غزة من حيث حجم الضحايا والخسائر المادية التي أحالت القطاع إلى أثر بعد عين. 

سوريا كاشفة 

وبمقارنة الضربات الإيرانية في إسرائيل وسوريا، يحضر إلى الأذهان شهر سبتمبر/ أيلول 2011، عندما أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي ما أطلق عليه "الجهاد" لصالح دعم الجيش السوري ونظام بشار الأسد. 

بعدها في مايو/ أيار 2012، أعلن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني (آنذاك) في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية، "أن بلاده قدمت قوات مقاتلة لدعم العمليات العسكرية السورية". 

وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، تقريرا أكدت فيه وجود أزيد من 7 آلاف مقاتل من الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا من أجل دعم نظام الأسد. 

ذلك الوضع تجلى في 22 ديسمبر 2016، داخل محافظة حلب السورية، وقتها كانت حلب أشبه ببقايا مدينة، وكأنها غزة اليوم، وكان السكان يقفون في طابور طويل ينتظرون كسرات من الخبز، والأطفال تحولوا إلى هياكل عظمية جراء الجوع الطويل.

وقتها كانت الدبابات والمجنزرات تتحرك، يحدوها خطى الجنود من قوات الحرس الثوري الإيراني وأتباعهم من جيش بشار الأسد وعناصر حزب الله. 

في ذلك التاريخ والمكان كتبت إيران فصول نهاية معركة حلب الدموية بعد 4 سنوات، و5 أشهر، و3 أيام.

وقد استخدمت كل الأدوات لتركيع المدينة من براميل متفجرة وقنابل فسفورية وقذائف حارقة، وقتلت بمساعدة روسيا ونظام الأسد السوري، نحو 40 ألفا من أبناء حلب، ناهيك عن دورها في بقية المدن السورية.

حتى أنه في 17 فبراير/ شباط 2022، قدم محامون حقوقيون طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيق في دور إيران ومليشياتها في سوريا، متهمين إياها بارتكاب جرائم حرب.

وكانت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية، نشرت تقريرا في 10 يناير 2020، نقلت فيه صورا التقطت لقاسم سليماني وهو يتفقد مدينة حلب.

وأضافت ساعد "فيلق القدس" بقيادة سليماني القوات الروسية التي كانت تقصف المدنيين في الأحياء الشرقية من حلب "بلا تمييز".

وأكملت أن المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، تحدث للصحيفة عن مجازر ارتكبتها روسيا وإيران والحكومة السورية في المدينة وشبهها بـ"المسلخ"، مشيرا إلى الأطفال الذين قضوا تحت الأنقاض والحوامل اللواتي استهدفهن القصف عن عمد.

المثير أن سليماني نفسه قتل بضربة جوية أميركية استهدفت موكبا كان فيه قرب مطار بغداد الدولي، وكان قائد "فيلق القدس"، الجهاز المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وكانت سوريا من ضمنها، فيما لم تنتقم إيران لمقتل سليماني، كما لم تستطع الانتقام لمقتل عسكرييها على يد إسرائيل. 

الوقوع في الفخ 

وفي هذا السياق، كتب أستاذ العلوم السياسية الدكتور خليل العناني في تدوينة عبر حسابه في "فيسبوك"، أن "نتنياهو نصب فخا لإيران باستهداف قنصليتها أول أبريل، وطهران ابتلعت الطعم وهاجمت إسرائيل دون خسائر حقيقية".

وأضاف: "بذلك نجح نتنياهو في تشتيت انتباه العالم مؤقتا عن جرائمه في غزة، وتخفيف الضغط الدولي عليه خاصة بعد استهداف عمال المطبخ المركزي العالمي، واستعادة صورة بلاده كضحية ولو مؤقتا أمام الرأي العام العالمي، واستعادة الدعم الغربي وتثبيت الدعم (العربي) لإسرائيل، إضافة إلى ترميم جبهته الداخلية وتثبيت حكومته الفاشية المتطرفة". 

واختتم: "نتنياهو تلاعب بالجميع وهو الفائز الأساسي مما يجري". 

وهو ما أكدته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 15 أبريل ، عندما ذكرت أن المسؤولين في البيت الأبيض، الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر الهجوم الإيراني ليلة الجمعة، كانوا مبتهجين بعد ظهر يوم الأحد وهم يصفون النتيجة".

وأتبعت: "لقد وصفها مسؤول رفيع المستوى بأنها (هزيمة مذهلة) لهجوم إيراني (غير مسبوق)".

وقال المسؤول: "إن إسرائيل وشركاءها دمروا 99 بالمئة من الأسلحة التي تم إطلاقها في الهجوم، دون أي ضرر فعلي للبنية التحتية لإسرائيل على الإطلاق".

فيما صرح بريت ماكغورك، مسؤول شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، في مقابلة بأن "هجوم إيران كان السيناريو الأسوأ، لكنه كان أفضل السيناريوهات من حيث النتيجة بالنسبة لإسرائيل". 

وماكغورك كان أحد كبار المسؤولين الذين عملوا بشكل وثيق مع الرئيس بايدن خلال ما وصفه المسؤولون بأنه 12 دقيقة مرهقة للأعصاب عندما كانت الصواريخ الباليستية في طريقها إلى أهداف في إسرائيل ولم يكن أحد يعرف ما إذا كانت الدفاعات ستصمد أم لا.

وفي 15 أبريل كتب الصحفي الأميركي "ديفيد إغناتيوس" مقالا لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بعنوان "عبر هجوم دام 12 دقيقة فقط.. إيران تمنح إسرائيل انتصارا عسكريا باهرا".

وقال: "بعد 6 أشهر محبطة في غزة، حققت إسرائيل أخيرا نصرا حاسما ضد خصومها من خلال صد الهجوم الصاروخي الإيراني الشامل ليلة السبت بعرض مذهل للبراعة العسكرية عالية التقنية".

ثم أكمل: "الحقيقة البديهية في الرياضة تقول الدفاع الجيد هو أفضل وسيلة للهجوم، وقد أظهرت إسرائيل أن هذا المبدأ قد ينطبق على الحرب الحديثة أيضا، فمن خلال تحييد الوابل الإيراني الذي شمل أكثر من 100 صاروخ باليستي، و150 طائرة بدون طيار و30 صاروخ كروز أظهرت إسرائيل أنه في القتال، يمكن للدرع أن يكون قويا مثل السيف".

“الحرب الأضحوكة” 

من جانبه، يرى الدكتور علي نوري، مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية أن "الضربة الإيرانية الموجهة لإسرائيل كانت محدودة ومحسوبة تماما، فطهران أخلت بكل قواعد الحرب والاشتباك الطبيعية في هذه الضربة". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "لقد تخلت القوات المسلحة الإيرانية عن عنصر المفاجأة وفوق ذلك وجهت إنذارا لخصومها، ثم اختارت توقيتا هادئا في منتصف الليل، وأخيرا ضربت ضربة مركزة وسريعة سرعان ما أخمدت بسهولة". 

وأتبع: "انتهت الضربة بلا دماء ولا خسائر تذكر، ولو عقدنا مقارنة مع دور إيران في سوريا تحديدا، سنجد أنها أسندت الأسد وارتكبت جرائم مروعة في حلب وريف دمشق وإدلب والرقة وغيرها، وخلفت آلاف القتلى، بينما حربها في إسرائيل نستطيع أن نطلق عليها كما يقول الإنجليز في أدبياتهم (الحرب الأضحوكة)".

ومع ذلك فقد أشار نوري إلى أن استهداف إسرائيل لقادة عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى بهذه الدقة والمكان والتوقيت الملائمين، يبعث رسالة على مدى القدرات الاستخباراتية والعملياتية التي أرادت إيصالها إلى خصومها، وهو بالمناسبة ما لم تستطع أن تفعله في غزة طيلة 6 أشهر، فحتى قادة حماس الذين اغتالتهم، قتلوا ضمن قصف كبير وعشوائي، وليست بعمليات نوعية. 

واختتم نوري حديثه بالتعبير أنه لا يعتقد أن ما حصل يعد تمهيدا لحرب واسعة النطاق، بل يندرج في إطار المناوشات القائمة، وأن إيران لن تغامر أبدا بخوض مواجهة من أي نوع ضد إسرائيل.