"استهداف القادة".. هل تنجح تركيا في إضعاف البنية العسكرية لـ"قسد"؟

منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

تواصل تركيا ضرب البنية العسكرية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في تكتيك حربي رسم حلقة وصل للعملية العسكرية المؤجلة التي أعلن عنها في 23 مايو/ أيار 2022 بهدف استكمال "الحزام الأمني" عند حدود البلاد الجنوبية.

ومنذ فبراير/ شباط 2024، شهدت مناطق "قسد" شمال شرقي سوريا المحاذية للحدود التركية، عمليات اصطياد لقادة في "قسد" فضلا عن ضرب منشآت اقتصادية تتبع لها بينها محطات نفطية.

وقصفت القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني السوري" المعارض المتمركزة في المنطقة المعروفة بـ"درع الفرات" بالمدفعية الثقيلة، في 19 أبريل/ نيسان 2024 قرية “سد الشهباء” ضمن مناطق انتشار "قسد" في ريف حلب الشمالي.

إستراتيجية جديدة

وتزامن ذلك، مع استهدفت مسيّرة تركية، محطة "السعيدة" النفطية التابعة لبلدة القحطانية بريف القامشلي شمالي الحسكة، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية في المحطة التي تنتج المازوت والبنزين والكاز وتبيعه قسد للسكان هناك.

وهذه المحطة تنتج ما يقارب ألفي برميل نفط يوميا وهي ثاني أكبر محطة في محافظة الحسكة الحدودية مع تركيا لتجميع البترول، وكانت قد خرجت عن الخدمة أواخر عام 2023 أيضا بسبب القصف التركي، قبل أن تجرى صيانتها.

وتنفذ تركيا عمليات لـ"مكافحة الإرهاب" شمالي سوريا والعراق، حيث تنشط جماعات تتبع لحزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وتستهدف من تلك المناطق الداخل التركي.

والفرع السوري من "بي كا كا"، هو قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د".

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.

وفي الفترة الأخيرة، زاد الجانب التركي من وتيرة ضرباته العسكرية لمناطق “قسد”، في تكتيك مرحلي وفق الخبراء، يجعل قسد أمام ضغط كبير بعد تأجيل أنقرة عملية عسكرية كانت تنوي شنها ضدها شمال شرقي سوريا عام 2022.

ومنذ مطلع عام 2024 ركزت تركيا عبر هجمات بالمسيّرات التركية على مواقع "قسد" واستهداف عناصرها القيادية وتصفيتهم، كما استهدفت بشكل خاص منشآت نفطية وغازية وبنية تحتية.

ويرى خبراء ومحللون أن الطائرات المسيرة التركية تشل حركة "قسد"، وأن أنقرة ستستمر بحرب المسيرات حتى توفر ظروف القيام بتوغل بري.

وأدت هجمات "بي كا كا" على القوات التركية شمال العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2023 ويناير/ كانون الثاني 2024 والتي أسفرت عن مقتل 21 جنديا تركيا، إلى إحداث إستراتيجية تركية جديدة تركز على استهداف المنشآت الأمنية والعسكرية ومنشآت البنية التحتية والفوقية المرتبطة بـ"بي كا كا".

وهذه الاستهدافات تضع الحزب أمام تحديات وضغوط كبيرة قد تجبره على تغيير آليات التعامل مع التهديد الجديد، بحسب مركز “جسور للدراسات” في 28 فبراير/ شباط 2024.

وقال المركز إن الهجمات التركية الأخيرة منذ فبراير 2024 “عكست زيادة في مستوى الاختراق الأمني للاستخبارات التركية داخل مناطق انتشار قسد وبي كا كا في سوريا”.

شل القدرات

ونوه المركز إلى أن ذلك قد يؤدي "لسلسلة عمليات اغتيال لقيادات من الصف الأول أو الثاني في الحزب والتنظيمات التابعة له في سوريا، خاصة تلك المتورطة في عمليات عسكرية أو أمنية ضد مصالح عسكرية أو مدنية تركية".

وراح يقول: "تهدف هذه الهجمات التركية إلى تنفيذ المزيد من الهجمات على الموارد الاقتصادية لقسد واستنزاف قياداتها العسكرية والأمنية".

والحرب الجوية التي تخوضها أنقرة ضد قسد تعتمد على معلومات دقيقة، وتستهدف بالدرجة الأولى تدمير القوى البشرية التي تخطط وتقود قوى المليشيا ميدانيا.

لكن يبدو واضحا أن تركيا تريد تفكيك أو إضعاف الجانب الاقتصادي الذي يشكل موردا آنيا لـ"قسد"، وهذا ما يتضح من استهداف بعض المنشآت ومنها ضرب معامل البلوك (الأسمنتي) التي تستخدم كمداخل للأنفاق ولتأمين المواد اللازمة لبناء الأنفاق في القرى والبلدات التي تسيطر عليها قسد.

ففي مثل هذه الحالة وفق الخبراء العسكريين تشكل إعاقة كبيرة لرسم أي خطوط دفاعية من قبل قسد بمحيط البلد لمنع التوغل البري في حال شنت العملية العسكرية التركية بمساندة من الجيش الوطني السوري الذي يعول على مثل هذه العملية لتأمين عودة النازحين إلى بيوتهم ممن هجرتهم "قسد" على مدى سنوات.

وخلال الفترة الأخيرة انعدمت عمليات استهداف قسد للمخافر الحدودية التركية أو الرمي تجاه الداخل التركي، بفضل زخم التحركات التركية لشل قدرات قسد العسكرية.

فمنذ يناير 2024 بلغت عمليات الاستهداف التركية أكثر من 50 عملية استهداف بالطيران الحربي والمسير، والتي جاءت في إطار عملية عسكرية جوية ضد "قسد" شمال شرقي سوريا.

في حين تركزت عمليات الاستهداف في فبراير 2024 على القياديين العسكريين والأمنيين التابعين لحزب العمال الكردستاني والتنظيمات التابعة له مع استهداف محدود لمنشآت أمنية وعسكرية تابعة لـ"الإدارة الذاتية" المظلة السياسية لـ"قسد". 

ونفذت تركيا في فبراير 2024، 6 عمليات استهداف تم معظمها بالطيران المسير، وتركزت جميعها في مدينتي القامشلي والمالكية بريف الحسكة، مركزا للأمن الداخلي التابع للإدارة الذاتية "الأسايش" في حي المحطة.

 وكذلك مركز استشفاء تابع لقوات "ي ب ج" يسمى مركز "فدراسيون جرحى الحرب" بريف الحسكة.

وأدت عمليات الاستهداف التركية لمقتل 7 من قوى "الإدارة الذاتية"، وقيادي في قوات "ي ب ج" يعرف باسم مراد أتش، الذي كان أحد أعضاء فريق تحويل الأموال ضمن الشبكة المالية التابعة لبي كا كا، والقياديتين في “ي ب ج” سورخين روهلات إيرانية الجنسية ومتهمة بالمشاركة في هجوم أدى لمقتل 10 جنود أتراك في ولاية شرناق التركية في 2 سبتمبر/ أيلول 2023.

 وآزادي ديريك المتهمة أيضا بتولي عمليات تأمين الصواريخ والمسؤولية عن تنفيذ هجمات صاروخية ضد القوات التركية المتمركزة في شمال حلب انطلاقا من مناطق انتشار المليشيات الإيرانية , قوات "ي ب ج" في تل رفعت بريف حلب. 

ومدينة تل رفعت شمال حلب ما تزال تشكل "خاصرة رخوة" لتركيا شمال سوريا، حيث تسيطر عليها عناصر "ي ب ج" منذ فبراير/شباط 2016 بعد مساندة وغطاء جوي روسي.

ومنذ ذلك الحين عدت تل رفعت عقدة توازنات عسكرية بين روسيا وتركيا، لكونها قريبة من الحدود التركية واتخاذها من قبل "ي ب ج" منطلقا لهجمات صاروخية على الداخل التركي.

فضلا عن كونها تمتد على نقاط تماس مباشر مع مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم تركيا في مناطق عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمال حلب. 

وقد أدى قصف "ي ب ج" في 12 يونيو/حزيران 2021 على مشفى "الشفاء" وأحياء سكنية في مدينة عفرين بريف حلب الخاضعة للمعارضة السورية لمقتل 20 مدنيا بينهم كوادر طبية وعناصر إنقاذ من الدفاع المدني، إضافة إلى تسجيل 45 إصابة.

ضغط تركي

وينظر مركز "جسور للدراسات"  ومقره إسطنبول، على أن "تركيا، وسعت من دائرة استهدافاتها لعناصر قسد؛ مما يعكس زيادة في مستوى الاختراق الأمني للاستخبارات التركية هناك".

وذكر أنه يلاحظ تركز عمليات الاستهداف التركية ضمن منطقتي القامشلي والمالكية بريف الحسكة اللتين تعدان أكثر المناطق الآمنة لتحركات وأنشطة حزب العمال الكردستاني.

 وقد يؤدي ذلك بحسب المركز لسلسلة عمليات اغتيال لقيادات من الصف الأول أو الثاني في "بي كا كا" والتنظيمات التابعة له في سوريا، خاصة تلك المتورطة في عمليات عسكرية أو أمنية ضد مصالح عسكرية أو مدنية تركية. 

وأن المعركة التي تخوضها تركيا عبر الحدود ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني لها ركائز عسكرية ودبلوماسية.

والحدود السورية هي منطقة مسطحة، وهناك كثافة سكانية عالية على طول الخط الحدودي. لذلك تعول تركيا على الظروف المناسبة لشن عمليات برية واسعة النطاق وتزيل الهياكل الإدارية التي أنشأها فروع "بي كا كا" وبدلاً منها، يتم إنشاء هياكل إدارية وأمنية بديلة تعتمد على الحكومة السورية المؤقتة والجيش الوطني السوري التابع للحكومة المذكورة.

لكن في غياب الظروف الملائمة لعملية برية تركية ضد فروع "بي كا كا" في الوقت الراهن، يتم بشكل منتظم تنفيذ عمليات موجهة نحو التأثير تستهدف قيادة المنظمة ومصادر دخلها.

 ولهذا تواصل تركيا عملياتها ضد فروع "بي كا كا" في سوريا بشكل منتظم، حيث تهدف هذه العمليات في المقام الأول إلى إضعاف البنية التحتية العسكرية لتلك الفروع والحد من مصادر دخله الاقتصادية.

ويرى منسق دراسات المشرق العربي في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، أويتون أورهان، أنه "من خلال العمليات المنتظمة، تجبر تركيا أيضا النظام السوري على التعاون معها ضد حزب العمال الكردستاني، إذا لم يتم تحقيق هذا التعاون، فيبدو من المحتم أن تقوم أنقرة بعمليات عسكرية أحادية الجانب كما فعلت في الماضي القريب".

وتنطلق تركيا من عزمها لشن عملية عسكرية هي الثالثة ضد فروع "بي كا كا" والخامسة بسوريا، لوأد حلم تشكل كيان انفصالي على حدودها الجنوبية داخل الأراضي السورية.

وكذلك عزم أنقرة تحويل ذاك الشريط الحدودي إلى منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا، للسوريين الفارين من بطش نظام الأسد.

وقال أورهان في تقرير نشرته وكالة “الأناضول” التركية للأنباء مطلع أبريل 2024، إن "النظام السوري وروسيا والولايات المتحدة وإيران يشعرون بالقلق من احتمال قيام تركيا بمثل هذه الخطوة، وتواصل الدول الأربع البحث عن حلول بديلة يمكن أن تقنع تركيا".

ومضى يقول: "في هذه المرحلة، تحاول الولايات المتحدة تطهير قوات قسد من حزب العمال الكردستاني ووضع الهيكل الحالي في إطار يمكن لتركيا قبوله".

ومع ذلك، "فإن هذا ليس حلا قابلا للتطبيق بالنسبة لتركيا، وفي بيئة يتزايد فيها الدعم لقسد تتزايد الشكوك حول نوايا الولايات المتحدة"، وفق أورهان. 

الخيار الثاني أمام تركيا وفق المركز "هو التعاون مع روسيا في سوريا، وفي الوقت الحالي، يبدو هذا الخيار أكثر منطقية وواقعية بالنسبة لتركيا، ويتطلب هذا السيناريو أن تمضي عملية الحوار بين أنقرة ودمشق قدما". 

وذهب أورهان للقول إن "السيناريو الأكثر ترجيحا في المستقبل القريب لمعركة تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في العراق هو القيام بعملية عسكرية جديدة".