معركة النفوذ بليبيا.. ما سر لقاء رئيس المخابرات الروسية بالسيسي في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٤ يومًا

12

طباعة

مشاركة

في 16 أبريل/ نيسان 2024، أجرى رئيس المخابرات الروسية سيرجي ناريشكين زيارة مفاجئة إلى العاصمة المصرية القاهرة التقى خلالها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

وذكرت وكالة ريا نوفوستي الروسية، أن ناريشكين بحث مع السيسي الوضع في الشرق الأوسط على خلفية العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا ضد قطاع غزة.

من جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية إن السيسي بحث مع ناريشكين "تطورات الأوضاع الإقليمية، وعلى رأسها سبل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط في ظل الأزمة في قطاع غزة، وما تشهده المنطقة من تصعيد للتوتر الإقليمي".

لكن محللين رجحوا أن يكون هدف الزيارة هو تنسيق دور مصر فيما يخص الفيلق الإفريقي الروسي الذي يجرى تشكيله في عدة دول إفريقية لمواجهة النفوذ الأميركي الغربي الذي يشهد تراجعا في القارة.

كما رأوا أن روسيا ربما تسعى مجددا لاقتراح فكرة إنشاء قاعدة عسكرية في مصر ضمن هذا الفيلق، وهي خطة طرحت منذ عدة سنوات لكنها تجمدت بسبب ضغوط أميركية.

الفيلق الروسي الإفريقي

في ديسمبر/كانون الأول 2023، شرعت روسيا في تشكيل ما يسمى “الفيلق الإفريقي” ليحل محل مرتزقة فاغنر العاملة في القارة، ومن المقرر أن يكتمل إنشاء الهيكل بحلول صيف عام 2024 في خمس دول في القارة.

صحيفة "فيدوموستي" الروسية ذكرت في 22 ديسمبر 2023 نقلا عن مصادر روسية أن الفيلق الإفريقي يعد خططا للانتشار في بوركينا فاسو وليبيا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر.

أكدت أن الهيكل الجديد سيكون تابعا مباشرة للإدارة العسكرية الروسية، وسيشرف عليه نائب وزير الدفاع العقيد جنرال يونس بك يفكوروف.

وتردد أن الفيلق الروسي سيتخذ من جمهورية إفريقيا الوسطى مقرا إقليميا له، ضمن مخطط روسي لضم مقاتلين سابقين في فاغنر ومجندين جدد.

وكانت صحيفة "لو بوان" الفرنسية تحدثت يوم 16 ديسمبر 2023 عن وصول شحنات ومعدات وأسلحة روسية إلى ميناء طبرق شرق ليبيا، في مؤشر على بدء نشر روسيا الفيلق الإفريقي في ليبيا ليحل محل فاغنر.

وقالت الصحيفة إن المعدات وصلت تمهيدا لنشر عناصر الفيلق الإفريقي، وهي المعدات ذاتها التي جرى إرسالها إلى النيجر وبوركينا فاسو، مشيرة إلى رسو السفينتين إيفان غرين وألكسندر أوتراكوفسكي في ميناء طبرق قادمتين من قاعدة طرطوس البحرية التي تسيطر عليها روسيا في سوريا.

ثم أكدت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في يناير/كانون الثاني 2024 أن روسيا تسعى لتشكيل مجموعة قتالية جديدة تحت اسم "الفيلق الإفريقي" قوامها 20 ألف مقاتل وتتلقى تعليماتها بشكل مباشر من وزارة الدفاع الروسية في موسكو للقيام بعمليات في خمس دول إفريقية من بينها ليبيا.

وأضافت الوكالة أنه بحلول منتصف 2024 سيعمل الفيلق الإفريقي في بوركينا فاسو وليبيا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر، وسيخلف عمل فاغنر.

وسعت روسيا منذ عام 2022 للدخول سياسيا بشكل قوي إلى عدد من الدول الإفريقية التي كانت تحت الهيمنة الفرنسية تاريخيا واقتصاديا وحتى عسكريا، وساعدها على ذلك رفع الأفارقة أعلام روسيا نكاية في القوات الفرنسية.

ولعبت روسيا على وتر مناصرة الاستقلال الإفريقي من الاستعمار الأوروبي، عن طريق دعم الأنظمة السياسية الصاعدة المناهضة للوجود الفرنسي في بعض البلدان مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي وإفريقيا الوسطى.

ومنذ الانقلاب في بوركينا فاسو في سبتمبر 2022، ابتعد الجناح الحاكم عن حليفة البلاد السابقة فرنسا التي أبقت على علاقات وثيقة بعد إنهاء استعمارها للبلاد في عام 1960 وعززت بوركينا فاسو علاقاتها مع روسيا. 

وفي الآونة الأخيرة، أعرب كل من بوركينا فاسو والنيجر ومالي أيضا عن انسحابها من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إكواس”، وهو التكتل الذي يتلقى دعما من الغرب.

أيضا قررت جمهورية إفريقيا الوسطى، عام 2018 تكثيف العلاقات مع روسيا، وتوقيع اتفاقية دفاع معها، ما أسهم في نشر مجموعة فاغنر حينها في البلاد. 

الخطوة التالية قد تكون افتتاح قاعدة عسكرية رسمية روسية جنوب البلاد، مجهزة لتلبية احتياجات 10 آلاف جندي.

وساعد كل ذلك روسيا على أن تدشن "فيلق إفريقيا" بهدف معلن هو المساعدة في مواجهة النفوذ الاستعماري الجديد للغرب على الدول الإفريقية ذات السيادة.

لكن من أهدافه الأخرى ترسيخ النفوذ بمواجهة الغرب وحماية مواقع البترول والذهب التي استطاعت فاغنر الوصول إليها سابقا.

إضافة إلى تزويد المجموعات المناهضة للوجود وللسياسات الغربية داخل الدول الإفريقية بالأسلحة والتدريب لدعم عمليات الانفصال عن فرنسا وأميركا.

تصادم مصالح

كان موقع "العرب" الذي تموله الإمارات، تحدث يوم 17 أبريل 2024 عن "تنسيق روسي مصري يسبق نشر فيلق إفريقيا شرق ليبيا"، حيث سيتم نشر الفيلق الروسي في ليبيا في مناطق سيطرة خليفة حفتر الذي تدعمه مصر والإمارات.

وأشار الموقع لتصدر ليبيا المحادثات التي جرت بين السيسي وناريشكين، في ظل الحديث المتزايد عن تحركات روسية شرق ليبيا، استعدادا لوصول عناصر الفيلق الإفريقي.

اهتمام الصحيفة التي تصدر في لندن بزيارة مدير مخابرات روسيا لمصر واهتمامها بالتنسيق المصري الروسي قبل نشر الفيلق الروسي الإفريقي، يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الإمارات قلقة من تصادم المصالح مع الفيلق الروسي خاصة أنها تؤسس فيلقا إفريقيا فرنسيا في شرق ليبيا أيضا.

وكشفت صحيفة “إنتلجنس أونلاين” الفرنسية النقاب في 12 أبريل 2024 عن نية أبو ظبي تأسيس "فيلق أجنبي" في ليبيا.

أشارت لإعلان جرى توزيعه على جنود سابقين في القوات الخاصة التابعة للجيش الفرنسي، يعود لشركة “منار للاستشارات العسكرية” ومقرها أبو ظبي. 

ويدير ضابط سابق في القوات الخاصة الفرنسية الشركة التي ترتبط ماليا بعائلة ثرية ذات نفوذ سياسي في أبو ظبي.

واستخلص الموقع الاستخباري الفرنسي من الإعلان أن الإمارات ترغب في إنشاء فيلق نخبة أجنبي خاص بها ربما يبلغ قوامه ما بين 3000 إلى 4000 عسكري بحلول منتصف 2025.

فيما نقل موقع التلفزيون الألماني في 12 أبريل 2024 عن أندرياس كريغ، المحاضر في كلية الدراسات الأمنية بكلية كينغز كوليدج لندن، قوله إن الصحيفة الفرنسية لها صلات بالقطاع العسكري الفرنسي، مرجحا أنه جرى تسريب الإعلان للقول إن فرنسا ليست سعيدة بهذا التطور. 

وأشار إلى أن فرنسا تشعر بالقلق من إغراء عناصر أمنية وعسكرية عن طريق وظائف تُدر رواتب عالية في الإمارات.

رفض ليبي

وفي 23 أبريل/ نيسان، أوصى "المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية"، وهو من أهم المراكز البحثية في ليبيا ويتابعه صناع القرار، بضرورة "رفض إقامة أي قواعد عسكرية أجنبية سواء أميركية أو روسية فوق الأراضي الليبية".

وذلك خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي قد تسبب مثل هذه الخطوات في انهيار نموذج الدولة وسيادتها.

وطالب بمنع استخدام الأراضي الليبية كساحة تنافس وحرب وتدويل هذه التحركات من قبل روسيا وأميركا، مطالبا حكومة طرابلس وجيش حفتر في إعادة النظر في كل الخطوات المتخذة تجاه أي مشروع عسكري أو قواعد أجنبية في البلاد.

حيث تجرى مناقشات في ليبيا حول إدخال حفتر قوات مرتزقة في الشرق وقيام رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة باستضافة قوات أميركية للتدريب ما أزعج الليبيين وربما مصر أيضا التي تخشي تمسك الدبيبة بالحكم وهي لا تريده.

حيث تشير تقارير صحفية غربية إلى وصول شركة أمنتوم الأمنية الأميركية إلى طرابلس لتدريب مجموعات مسلحة.

في حين تشير تسريبات إلى تمكين الدبيبة الولايات المتحدةَ من قطعة أرض تابعة للكلية الجوية العسكرية – مصراتة ستخصص لبناء قاعدة عسكرية تابعة للقيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم).

حيث ذكر موقع "إفريقيا أنتلجنس أون لاين" الفرنسي في 9 أبريل 2024، أن المقاولين العسكريين الأميركيين "سيقومون بتدريب عناصر من 3 ألوية مسلحة محددة هي اللواء 444 بقيادة محمود حمزة، واللواء 111 بقيادة عبد السلام الزوبي، واللواء 166 بقيادة محمد الحصان".

وفي حين يلتزم الدبيبة الصمت إزاء توسع نفوذ روسيا شرق ليبيا، أثارت التحركات الأميركية حفيظة لجنة الدفاع في مجلس النواب المحسوب على سلطات خليفة حفتر.

كما أكد الموقع أن دعم الولايات المتحدة للقوات الموالية للدبيبة يمكن أن يمنحه فرصة ثانية، حيث أصبح وضعه السياسي غير مستقر.

مشيرا إلى أن العديد من السياسيين الليبيين يريدون منه التنحي، كما تضغط فرنسا والمغرب ومصر، التي تتمتع ببعض النفوذ في ليبيا، من أجل تشكيل حكومة جديدة لكن الدبيبة متمسك بالمنصب الذي كان ينبغي أن يخلو منه بعد الانتخابات الرئاسية التي لم تنعقد في ديسمبر 2021.

وأكد الموقع الاستخباري الفرنسي أن الاهتمام الأميركي المتجدد بليبيا هو جزء من إستراتيجية شاملة لاحتواء الوجود الروسي في إفريقيا.