هل يعاقب القضاء الأوروبي الإمارات بسبب فضائح التجسس على مواطني "التكتل"؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

تجاوزت دولة الإمارات، العدو الأول للثورات العربية، محاربة الإخوان المسلمين في النطاق العربي لتتجه إلى نسج مخططات ضد الأوروبيين المعارضين لسياساتها رغم عدم تشكيلهم أي خطورة عليها.

وتحت عنوان "أسرار أبو ظبي: المحاكم الفرنسية والسويسرية تستهدف الإمارات"، نشر موقع "ميديا بارت" الاستقصائي الفرنسي تحقيقا موسعا في 15 أبريل/نيسان 2024 يفضح تجسس أبوظبي على الأوروبيين بحجة ملاحقة الإخوان المسلمين.

بداية القصة

قصة تتبع الإمارات لأجانب بحجة أنهم ينتمون لجماعة "الاخوان" ومحاولة تشويههم ضمن خطة معدة لذلك، ترجع إلى عام 2017، حين تم كشف وثائق في بلجيكا ثم سويسرا وفرنسا تؤكد دور أبوظبي المشبوه في تشويه معارضي سياستها.

وتعود القضية لقيام الإمارات بين عامي 2017 و2020، بالتعاون مع شركة سويسرية تسمي "ألب للخدمات" Alp Services، تعمل بمجال الاستخبارات الخاصة، للتجسس على آلاف الأوروبيين، وبعضهم من أصل عربي، بتكليف من المخابرات الإماراتية.

الجديد هذه المرة هو بدء محاكم فرنسية وسويسرية التحقيق مع الإمارات ووكيلها رئيس شركة الاستخبارات السويسرية، بتهمة التجسس على رجال أعمال وشخصيات سياسية وإعلامية أوروبية بطلب من مخابرات أبو ظبي.

ويؤكد محللون أن هذه القضية حساسة، وتحرج بشدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب علاقته الوثيقة والمتميزة بنظيره الإماراتي محمد بن زايد.

إذ ترتبط باريس بمبيعات أسلحة ضخمة للإمارات، ويلعب ماكرون وابن زايد سويا دورا مشتركا في محاربة التيار الإسلامي في إفريقيا والعالم.

بدأ كل شيء في 7 أغسطس/آب 2017 في فندق فخم في أبوظبي، حين حل "ماريو بريرو" رئيس شركة الاستخبارات السويسرية "ألب للخدمات" في ضيافة عميل مخابرات إماراتي اسمه "مطر"، بحسب موقع "درج" اللبناني الذي شارك في تحقيقات "أسرار أبو ظبي" 7 يوليو/تموز 2023.

حينها تم الاتفاق على الخطة المعدة وهي عملية واسعة النطاق تهدف إلى "رسم خريطة" ثم "تشويه سمعة" أعداء الإمارات، عن طريق نشر "معلومات مُسيئة بطريقة سرية وواسعة النطاق".

لاحقا عرّف "مطر" السويسريين في شركة الاستخبارات على رئيسه، "علي سعيد النيادي"، المسؤول عن قيادة فريق محلي مهمته "إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية".

وهذه "الإدارة" هي في حقيقتها، مرتبطة مباشرة بـ "المجلس الأعلى للأمن الوطني"، الجناح المسلح للعمليات الخاصة الإماراتية.

وجرى توقيع أول عقد في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بمبلغ 5.7 ملايين يورو، وفق الوثائق التي تم تسريبها بين 2017 و2020.

ودفع المبلغ مركز أبحاث إماراتي يُدعى "الأرياف"، يُستخدم كغطاء لأجهزة المخابرات الإماراتية.

وقد سُميت العمليات "أرنيكا" و"كروكوس"، نسبة إلى زهور جبال سويسرا الشهيرة، أما الأهداف فهي قطر وجماعة الإخوان المسلمين.

وهدفت العمليات إلى تشويههم وتدمير سمعتهم ببث معلومات ملفقة كاذبة على نطاق واسع بواسطة شبكة صحفيين مرتزقة، وفق تحقيقات "أسرار أبوظبي".

وفي 8 يوليو/تموز 2023، ذكرت شبكة "RTBF" البلجيكية أن تحقيقا تجريه بروكسل وعواصم أوروبية أخرى، أظهر أن أبوظبي تتتبع، عبر شركات استخبارية، شخصيات أوروبية وتُشهر بها، بمزاعم أنهم من “الإخوان المسلمين.

وعقب بدء تسرب معلومات هذه الشبكة الإماراتية، استدعت بلجيكا سفير الإمارات لديها على خلفية "تورط أبو ظبي في حملة تشهير ضد قرابة 1000 فرد في أوروبا"، حسبما كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 9 يوليو 2023.

وقد أوردت شبكة "RTBF"البلجيكية، أكثر من 1000 اسم استهدفته الحملة الإماراتية، من بينهم 160 شخصية بلجيكية، لذا طلبت وزارة الخارجية من سفير الإمارات في بروكسل "توضيحاً وتفسيراً كاملين". 

تبين أن الإمارات تنفذ حملة تشهير ودعاية كاذبة تصف بموجبها مسلمين في دول أوروبية بينها بلجيكا وفرنسا وسويسرا وغيرها، وتصف كذلك مسؤولين أوروبيين بأنهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك، وفق ما جاء في تقرير استقصائي أوروبي نُشر تحت عنوان "أسرار أبو ظبي".

استند التقرير إلى 78 ألف وثيقة سرية حصلت عليها صحيفة "ميديا بارت" الفرنسية الإلكترونية 14 يوليو 2023 وبثته الشبكة الاستقصائية الأوروبية (EIC) أيضا.

ما الجديد؟

الجديد الذي عاد الموقع الاستقصائي الفرنسي "ميديا بارت"، والشبكة الاستقصائية الأوروبية، لكشفه هو أن ثلاثة تحقيقات قضائية منفصلة تجري في فرنسا وسويسرا ضد ماريو بريرو، رئيس شركة الاستخبارية السويسرية "ألب للخدمات" التي استعانت بها الإمارات للتجسس والتشوية.

ووجه القضاء الأوروبي لهذه الشركة السويسرية، ومن خلفها أبوظبي تهمة تسليم أسماء حوالي ألف أوروبي و400 منظمة أوروبية للإمارات لمطاردتهم وتشويههم، بدعوى انتمائهم لجماعة "الإخوان المسلمين" أو لديهم صلات بها.

تبين أن الإمارات جمعت هذه الأسماء من 18 دولة أوروبية وتم تصنيف العديد من أصحابها "خطأ" على أنهم متعاطفون مع جماعة الإخوان المسلمين، لهذا توالت القضايا ضد الإمارات من هؤلاء الأشخاص لتتكشف الفضيحة الإماراتية أكثر.

فقد تضمنت قائمة الأسماء المرسلة إلى الإمارات شخصيات فرنسية مثل المرشح الرئاسي السابق بونوا أمون، ونائبة رئيس بلدية مرسيليا سامية غالي، إضافة إلى حزب "فرنسا الأبية" (يسار راديكالي) والمركز الوطني للبحوث العلمية، رغم عدم علاقتهم بالإخوان المسلمين.

كما استهدفت الحملة الإليزيه (قصر الرئاسة الفرنسية) والاتحاد الأوروبي، وجرت عمليات التأثير وحملات "تشويه سمعة" من خلال مقالات مزيفة والتلاعب ببعض وسائل الإعلام، كون الوكالة السويسرية تمتلك شبكة من الصحفيين المرتزقة!.

ومقابل مبلغ مالي لا يقل عن 5.7 ملايين يورو، استخدمت أبو ظبي، عبر الوكالة السويسرية، كل قدراتها للإضرار بخصومها، وهم قطر وجماعة الإخوان المسلمين.

وسبق لموقع "ميديابارت" الاستقصائي أن فضح جرائم الإمارات ضد معارضيها وشراء أجهزة تجسس ومراقبة لصالح نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، ولذلك ادعت أبوظبي أن مراسلي الموقع لهم صلة بجماعة الإخوان المسلمين.

وهو ما دفع "كارين فوتو" رئيسة "ميديا بارت" وصحفي بالموقع لمقاضاة الإمارات بدعاوى قانونية منفصلة، حسبما أكدت وكالة الأنباء الفرنسية 15 أبريل/نيسان 2024.

وسلمت "ميديا بارت" المحققين وثيقة داخلية لشركة التجسس "ألب للخدمات" تتضمن الأسماء التي أعطيت للإمارات كي تتجسس عليهم وتشوههم.

ومن بينها وثيقة تثبت أن "ألب للخدمات" الاستخبارية، قدمت أسماء ورسوما بيانية لوكيلها الإماراتي، "الشيخ مطر"، وفق "ميديا بارت".

بحسب ما ورد في تحقيق "أسرار أبوظبي"، الذي نُشر 15 أبريل 2024، بالشراكة بين "ميديا بارت" الفرنسية و"شبكة التحقيقات الأوروبية" ستتم محاكمة الإمارات، عبر الشركة الاستخبارية التي استأجرتها على عدة جرائم.

وتتناول تحقيقات الادعاء الفرنسي والسويسري القضائية، الموجهة للإمارات عبر الشركة السويسرية تهم "التجسس غير المشروع لصالح دولة أجنبية" و"تشويه السمعة" و"غسيل الأموال".

وتستند هذه التحقيقات إلى ما جرى كشفه منذ مارس ويوليو 2023 وحتى الآن، عبر قرابة 13 وسيلة إعلامية واستقصائية أوروبية بينها "ميديا بارت"، تحت اسم "أسرار أبوظبي" في موقع الشبكة الاستقصائية الأوروبية (EIC).

وكان ممن تم استهدافهم بلجيكيون وسويسريون وفرنسيون وهولنديون وإسبان، وغالبيتهم من النشطاء أو الباحثين الإسلاميين ومنهم 162 إسبانيا صنفتهم الإمارات دون دليل على أنهم متطرفون إسلاميون.

وقد نشر العديد من الصحف العالمية مثل دير شبيغل الألمانية، و"ولو سوار" البلجيكية، و"دي ستاندارد" الهولندية، وراديو وتلفزيون سويسرا، وبولتيكن السويدية، وغيرها تفاصيل عن الفضيحة.

وجرى تقديم آلاف الوثائق "المسربة" من شركة الاستخبارات السويسرية "ألب للخدمات"، لجهات التحقيق الأوروبية.

وتشمل دور الإمارات في تشويه شخصيات، ودول منها قطر، وجماعة الإخوان المسلمين، عبر عمليات تأثير وحملات تشويه سمعة من خلال "مقالات مزيفة" كان يتم نشرها عبر "صحفيين مرتزقة" في وسائل الإعلام الأوروبية.

ويحقق القضاء الأوروبي أيضا في اتهام رئيس الشركة السويسرية "ماريو بريرو"، الذي استعانت به الإمارات، في فرنسا بتنفيذ أعمال مشبوهة أخرى.

ضحايا التشويه

وسبق أن حققت النيابة العامة في باريس مع شركة الاستخبارات السويسرية العاملة لصالح الإمارات عام 2023 بعد تقديم “رقية ديالو”، وهي صحفية وناشطة فرنسية، شكوى ضدها على أثر جمعها وكشف البيانات الشخصية الخاصة بها بصورة غير قانونية للإمارات.

وورد اسم "ديالو"، بصفتها إحدى ضحايا عملية التجسس الإماراتية الواسعة، ضمن ألف أوروبي، بينهم 200 في فرنسا.

وهؤلاء اتهمتهم أبو ظبي بأنهم "إخوان" وشكلوا "شبكة إجرامية"، لمجرد أنهم فضحوا جرائمها.

ومن ضحايا الإمارات أيضا "سهام سويد"، وهي فرنسية متحدثة باسم قطر في فرنسا وبلجيكا، وقد كشفت "ميديا بارت" الفرنسية و"نيويوركر" الأميركية 27 مارس 2023 أنهم راقبوها والتقطوا صوراً لمنزلها.

ثم استهدفوها بعملية تشويه تسمى "نجوم السماء" Constellation، وهي مستوحاة من نجوم العلم الأوروبي,

وكان الهدف من المهمة، تنفيذ "ضغط معاكس" سري في بروكسل، للكشف عن شبكات قطر لعرقلة أنشطتها ومهاجمتها.

وقد قدمت "سويد" ثلاث شكاوى إلى النيابة العامة في باريس وجرى فتح تحقيق مبدئي في 30 أكتوبر/تشرين أول 2023، في جرائم "انتهاك حرمة المنزل" و"السرقة" والتدخل في الخصوصية أو حجب المراسلات"، وفق "ميديا بارت".

وقدمت الخارجية السويسرية شكوى ضد "ألبا للخدمات" لدى النيابة العامة بتهمة "انتهاك التزام بالإعلان عن النشاط"، لأن القانون السويسري يفرض على وكالات المخابرات الخاصة إعلام السلطات أنها تعمل لصالح دولة أجنبية وهو ما لم تفعله.

وفي نهاية مارس 2024 قدم الباحث الأميركي في العلوم السياسية فريد حافظ، شكوى في واشنطن تستهدف الشركة الاستخبارية السويسرية والأكاديمي بجامعة جورج واشنطن "لورينزو فيدينو" المتخصص في "التطرف الإسلامي" الذي تستعين به الإمارات لتشويه الإسلاميين.

وأبدى "حافظ" سعادته بفضح تحقيقات "أسرار أبو ظبي" بعد ما تعرض له هو وآخرون من تشويه السمعة لأن أبحاثهم لا تسير على هوى الإمارات.

وبسبب التحريض الإماراتي ضده وتشويه السمعة، تعرض "حافظ" ضمن مجموعة كبيرة من مسلمي النمسا لعملية تفتيش وتحقيق واعتقال ضمن “عملية الأقصر” التي نفذتها الحكومة النمساوية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وبعدما ثبت أنها اتهامات كيدية، وعدت العملية غير قانونية في عام 2021، غادر حافظ النمسا للعيش في الولايات المتحدة.

وعملية "الأقصر" نُفذت بتحريض من تقرير أعده الأكاديمي لورينزو فيدينو، والذي كشف تحقيق "أسرار أبو ظبي" أنه تلقى مبالغ مالية في إطار مهمته لصالح الإمارات!

وجاء في شكوى "حافظ" ضد شركة "ألب للخدمات" و"فيدينو" بأنهما مسؤولان عن الحملة التشهيرية التي تعرض لها، والتي أدت لتصويره كإسلامي متطرف ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين واعتقلته النمسا بناء على هذه الوشاية الإماراتية.

ومن الذين عانوا من أثر الحملة حازم ابن المصرفي والعضو البارز في جماعة الإخوان، يوسف ندا.

وندا الابن هو مؤسس شركة لورد إنيرجي السويسرية ولكن لا علاقة له مالية أو سياسية مع الجماعة، لكنه وجد حساباته مغلقة بفعل التشهير ضده.

وقدم "ندا" شكوى في الولايات المتحدة يناير/كانون الثاني 2024، ضد الإمارات بعدما تسببت في هدم شركته لتداول النفط، وإفلاسه، بعد التشهير به بحجة أن والده كان من كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين.

وأهمية معركة "ندا" القانونية أنه اختار مقاضاة حكومة الإمارات نفسها على الرغم من أن القانون في أميركا يمنح الحكومات الأجنبية الحصانة القانونية.

وفي مارس 2023 ذكرت مجلة "نيو يوركر" أن الإمارات مولت حملة أطلقتها شركة "ألب" لتشويه سمعة منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم (IRW) التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، وحاولت ربط مسؤولين في المنظمة بجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمات متطرفة.

وكانت منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية واحدة من عدة منظمات استهدفت بمزاعم علاقاتها بالإخوان المسلمين والعنف المتطرف.

وفي ديسمبر/كانون أول 2023 بدأت السلطات السويسرية أيضا التحقيق مع هذه الشركة الاستخبارية بعد شكاوى أخر من دوائر حكومية، والأكاديمي طارق رمضان ووزيرة البيئة البلجيكية زكية خطابي، اتهموا الإمارات بتشويه سمعتهم.