علاقات هشة.. كيف زادت “محمية الياسات” حدة التوتر بين السعودية والإمارات؟

داود علي | منذ ١٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

بشكل رسمي، ظهر للعلن النزاع الحدودي بين السعودية والإمارات حول إعلان الأخيرة منطقة الياسات “منطقة بحرية محمية”.

ونشر موقع الأمم المتحدة في 28 مارس/ آذار 2024، وثيقة رسمية تتضمن رسالة من وزارة الخارجية السعودية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تقول إن المملكة "لا تعتد ولا تعترف بأي أثر قانوني لإعلان الإمارات أن الياسات منطقة بحرية محمية وذلك بحسب المرسوم الأميري رقم 4 الصادر عام 2019".

وأكدت السعودية تمسكها بحقوقها كافة وفقا للاتفاقية الملزمة المبرمة بين البلدين عام 1947، ولذلك فإنها لا تعترف بأي إجراءات أو ممارسات يتم اتخاذها أو ما يترتب عليها من قبل الإمارات في المنطقة قبالة الساحل السعودي.

وجاءت الخطوة الإماراتية بضم الياسات، والشكوى السعودية التي لا تعترف بالقرار الإماراتي، كنقطة ساخنة لأزمة قوية تلوح في الأفق بين النظامين الخليجيين. 

محمية الياسات 

محمية "الياسات" هي منطقة تقع في أقصى جنوب منطقة الخليج العربي، وتتكون من 4 جزر رئيسة، هي الياسات العليا، الياسات السفلى، عصام، وكرشا، وتقدر مساحتها بـ428 كيلومترا مربعا، حيث تشمل المياه المحيطة بها والعديد من الجزر الصغيرة، وتشتهر بالشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والشواطئ الرملية والمنحدرات الصخرية.

وفي 2009، نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية المحلية الناطقة بالإنجليزية، تقريرا عن محمية "الياسات" وذكرت أن بها نحو 3 آلاف من أبقار البحر النادرة المهددة بالانقراض، وبذلك يعيش فيها 20 بالمئة منها، ما يجعلها قبلة للباحثين وعلماء الأحياء المائية. 

وتشتهر "الياسات" أيضا بتنوعها البيولوجي الكبير، إذ تضم مجموعة من الأرانب الصحراوية، في حين تشتمل الشعاب المرجانية حول الجزيرة على أكثر من 18 نوعا من المرجان الصلب نادر الوجود.

وتضم جزر الياسات الكبرى واحدة من مستعمرات التكاثر المهمة لطائر “الغاق السوقطري”، الذي يعد من الطيور المهمة، وتمثل هذه المستعمرة واحدة من 15 مستعمرة معروفة عالميا لتكاثر هذا النوع.

وتعد مجموعة الياسات والمياه المحيطة بها من المناطق البيئية المهمة كونها تحيطها شعاب مرجانية جعلتها ملجأ ومأوى للعديد من الأسماك المهمة بما في ذلك الهامور والشعرى والقرش.

وبحسب تقرير صحيفة "الشروق" المصرية في 18 أبريل/ نيسان 2024، فهناك مسوحات أثرية أجريت في منطقة الياسات توصلت إلى وجود استيطان بشري على تلك الجزر في أواخر عصر ما قبل الإسلام.

وقد تم العثور على بقايا مستوطنات ومواقع أخرى تشير إلى وجود أدوات تعكس طبيعة الحياة التي كان يعيشها السكان في تلك الحقبة وطرق الحصول على مصادر الغذاء الموجودة في المياه القريبة.

كما تم اكتشاف عدة مواقع أثرية بالياسات عدت ذات أهمية دولية وإقليمية.

خلاف "الياسات" 

لب الخلاف حول محمية "الياسات" يعود إلى العام 1947، وقتها وقعت السعودية والإمارات اتفاقية حدودية عرفت باتفاقية جدة.

والتي شهدت اعتراف السعودية بالإمارات كدولة مستقلة مقابل خضوعها لرغبة السعودية للتخلي عن شريط حدودي بطول 50 كيلومترا يفصل الإمارات عن قطر.

كان السبب الرئيس لذلك الشرط أن تضمن المملكة، عدم قيام تحالف بين الإمارات وقطر، حيث سيكون تحالفا قويا يبسط سيطرته على منطقة الخليج، ويهدد نفوذ السعودية كقوة مهيمنة على المنطقة. 

وكان يفترض أن معاهدة جدة أنهت هذا الصراع، لكن لم تتم تسويته على مستوى الإمارات التي لم تصدق عليها حتى الآن.

وعارضتها منذ عام 1975 بعد ملاحظتها للتناقضات بين الاتفاق الشفهي قبل التوقيع على المعاهدة والنص النهائي المكتوب على الورق للمعاهدة نفسها.

وفي عام 2005 أخذت الأمور بين البلدين في هذه المسألة تأخذ منحى مختلفا، عندما أعلن الرئيس الإماراتي (آنذاك) خليفة بن زايد، للمرة الأولى، أن منطقة الياسات محمية إماراتية بموجب المرسوم الأميري رقم 33.

لكن التصعيد الدراماتيكي بين النظامين وقع عام 2009، إذ دخلت الرياض وأبوظبي في سجال صعب، عندما أصدرت الإمارات خرائط جديدة يظهر فيها خور العديد والياسات تابعين للمياه الإقليمية الإماراتية.

وقتها اتخذت الرياض قرارا حاسما بمنع دخول الإماراتيين الأراضي السعودية ببطاقات الهوية كما هو معمول به.

وذلك احتجاجا على تغيير حكومة أبوظبي خريطتها الجغرافية الموجودة على بطاقات الهوية.

بعدها ردت وزارة الخارجية الإماراتية على القرار السعودي بمطالبتها مواطنيها الراغبين في السفر إلى السعودية، بعبور أراضي المملكة برا إلى دول مجلس التعاون الخليجي باستخدام جوازات سفرهم بدلا من بطاقات الهوية.

وفي يونيو/ حزيران 2009، أوقفت السعودية آلاف الشاحنات التجارية عند المعبر الحدودي بينها وبين الإمارات كنتيجة للتوترات.

وعزت ذلك إلى أنه جزء من تعزيز الرقابة على دخول السيارات من الإمارات إلى أراضيها.

الخطوة الأخطر كانت عام 2010 حيث كادت العلاقات تنقطع بين البلدين، عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق سعودي في منطقة الياسات المتنازع عليها.

واحتجز اثنان من قوات حرس الحدود السعودي، وحتى الآن مازالت الحدود البحرية بين البلدين غير متفق عليها، وتهدد استمرار التوافق الدبلوماسي بينهما. 

خلافات أخرى 

بحسب دراسة بحثية نشرها موقع "تشاتام هاوس"، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة البريطانية لندن، مطلع يوليو/ تموز 2020، “فإن السعودية والإمارات تشهدان خلافات حدودية قديمة رغم التحالف بين البلدين الذين سبق لهما أن قادا تحالفا عسكريا في اليمن”. 

علاوة على اتفاقهما بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر برفقة البحرين ومصر أيضا"، وهو خلاف خليجي انتهى بتوقيع "اتفاق العلا" مطلع عام 2021.

وترجع أصول هذا التنافس بين الدولتين إلى النزاعات الإقليمية والسياسات الأسرية التي سبقت استقلال الإمارات.

وذكرت الدراسة أن السعودية رفضت الاعتراف بقيام الإمارات حتى تمت تسوية النزاع وغيره من القضايا الحدودية العالقة في نهاية المطاف عام 1974.

ويعزز ذلك أنه قبل توحيد الإمارات (عام 1971)، حدثت خلافات قوية بين السعودية وحكام أبو ظبي، ففي عام 1949، قامت السعودية بالتعاون مع موظفي شركة "أرامكو" بالتوغل داخل حدود أبو ظبي للحصول على النفط.

وفي عام 1954 وصل النزاع بين السعوديين والإماراتيين إلى المحاكم الدولية لأول مرة، أي قبل 17 سنة من تأسيس الإمارات.

وذكر المركز البريطاني أن جهود التحكيم الدولية في مدينة جنيف بسويسرا فشلت فشلا ذريعا، بسبب الضغوطات السعودية على المحكمين.

وقد أشيع حينها أن السعودية أرسلت موفدين إلى الشيخ زايد آل نهيان مؤسس الإمارات، وحاكم إمارة العين آنذاك، وعرضت عليه إغراءات مالية مقابل منح المملكة 50 بالمئة من حصة النفط المستخرج من أراضيه، لا سيما واحة البريمي.

كذلك تتهم الإمارات المملكة بالاستيلاء على حقل الشيبة النفطي (ينتج نحو 500 ألف برميل يوميا) على الحدود بين البلدين، وطلبت من الرياض الاستفادة من عوائده، وهو الأمر الذي رفضته الرياض.

وفي عام 1999، قاطعت الإمارات مؤتمر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، احتجاجا على عدم إشراك السعودية لها بالاستفادة من عوائد حقل الشيبة.

توعد ابن سلمان

ولا يتم فصل الشكوى السعودية بشأن محمية "الياسات" بالخلافات الأخيرة بين الجارتين.

إذ مر أكثر من عام منذ آخر لقاء جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع رئيس الإمارات، محمد بن زايد، الذي لم يشارك في القمة العربية التي دعا لها ابن سلمان بالتزامن مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وكذلك لم يوجد ابن سلمان عندما التقى ابن زايد مع زعماء عرب في الإمارات في يناير/ كانون الثاني 2023.

وثمة الكثير من المؤشرات التي ظهرت أخيرا ترجح بـ"نهاية شهر العسل" بين ابن زايد وابن سلمان، الذي بدا أنه ينسحب تدريجيا من تحت عباءة داعمه الإماراتي السابق، وأصبح يتنافس معه للسيطرة على الخليج، خاصة مع تراجع وجود الولايات المتحدة في المنطقة.

ففي يوليو/ تموز 2023، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريرا كشف وجود خلافات قد تعصف بالعلاقات بين الرياض وأبوظبي، لدرجة دفعت ابن سلمان إلى مهاجمة الإمارات، ووصف مواقف مسؤوليها بـ"الطعنة في الظهر".

وأوضحت الصحيفة الأميركية أن “ابن سلمان لوح خلال لقائه بمجموعة من الصحفيين في ديسمبر 2022، بإمكانية فرض عقوبات على الإمارات إذا لم تستجب لمطالب السعودية، وأن هذه العقوبات ستفوق ما حدث مع قطر خلال الأزمة الخليجية التي اندلعت عام 2017”.