رفعت الساعي وزير الصحة الفعلي.. كيف أدار عسكريون أزمة كورونا في مصر؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

إخفاق وفشل كبير أبداه نظام عبدالفتاح السيسي في التعامل مع جائحة فيروس كورونا، وكانت النتيجة المؤلمة والكارثية في تفشي الوباء بكافة أرجاء البلاد.

تأخر شديد في اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة، ما تسبب في ازدياد حجم الفاجعة وتساقط أعداد كبيرة من ضحايا الفيروس الذي بدأ يحصد أرواح الأطباء والمرضى في مصر على حد سواء.

من يدير القطاع الطبي في مصر؟ هل هي وزيرة الصحة هالة زايد التي يشكك الكثير في كفاءتها، ويدور جدل كبير حول ضعف شخصيتها؟ أم أن هناك شخصيات عسكرية تخطط وتنفذ من وراء ستار؟.

ظاهريا المسؤول عن هذا الفشل هي الوزيرة هالة زايد، لكن في حقيقة الأمر، من يدير المنظومة الصحية في مصر، عسكريون، يقومون بمهام مفصلية داخل أركان الوزارة.

على رأس هؤلاء اللواء وائل رفعت الساعي، الرجل الحديدي الذي يشغل منصب مساعد وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية، لكن دوره الفعلي يتخطى منصبه، إذ يعد بمثابة وزير الصحة الفعلي، من حيث اتخاذ القرارات، أو توقيع البروتوكولات.. بينما يتم الحديث أن وزيرة الصحة هالة زايد مجرد متحدث إعلامي باسم القطاع الصحي في مصر.

شخصيات عسكرية أخرى تشغل رئاسة قطاعات مفصلية بوزارة الصحة، يمسكون بزمام الأمر، ويقومون بدور الآمر الناهي، بعيدا عن الوزيرة هالة زايد، ومن بين هؤلاء، اللواء بهاء الدين زيدان المتحكم في قطاع الأدوية، والذي لفت السيسي الأنظار إليه مؤخرا.

وزير الظل 

من أهم وأبرز المناصب داخل وزارة الصحة المصرية، هو منصب مساعد وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية، إذ يعتبر هذا المنصب هو الأهم في الوزارة، وقد يعد حاليا خلال عهد السيسي، أهم من منصب الوزير نفسه.

منذ استحداث هذا المنصب مع تولي الدكتور حاتم الجبلي وزارة الصحة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وهو مشغول بالعسكريين، باستثناء الفترة من يناير/ كانون الثاني، وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2015 حيث تم تعيين المدني محمد معيط (وزير المالية الحالي) في هذا المنصب، ومع ذلك كان يرافقه اللواء سيد الشاهد كرئيس للإدارة المركزية للأمانة العامة.

تولى هذا المنصب في البداية اللواء أحمد فرج في الفترة من 2006 وحتى ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ثم اللواء أشرف خيري، ثم الدكتور محمد معيط، ثم اللواء سيد الشاهد، وأخيرا اللواء وائل رفعت الساعي، الذي يشغل المنصب حاليا.

يعد اللواء رفعت الساعي أهم رجال القطاع الصحي في مصر، وهو وزير الظل الفعل المتحكم في شؤون الوزارة. ومن أبرز الملفات التي أدارها في الفترة الأخيرة، إشرافه على توجيه المسؤولين بوزارة الصحة، وفق قرار السيسي، بالاستعانة بالأطباء، والصيادلة، وأطباء الأسنان، والكيميائيين.. المحالين للمعاش آخر سنتين، للمساهمة في مواجهة أزمة كورونا.

"هام وفوري"

كتب الساعي خطابا تحت مسمى "هام وفوري" إلى قيادات القطاعات بوزارة الصحة، قال فيه: إنه "بالإشارة إلى كتاب رئاسة الجمهورية، بشأن التقرير المعد بمعرفة وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، بشأن التأثير المتوقع لأزمة كورونا على الاقتصاد المصري، والمتضمن توجيهات السيد رئيس الجمهورية، بشأن قيام وزارة التضامن الاجتماعي بالتنسيق مع وزارة الصحة والسكان، والجهات المعنية بتحديد الأعداد المطلوبة من (الأطباء البشريين - الأسنان - الصيادلة - التمريض العالي - الكيميائيين - فنيي التمريض - الفنيين الصحيين) من المحالين إلى المعاش حديثا منذ عام فأقل أو أقل من عامين".

واختتم الخطاب ممهورا بتوقيع اللواء وائل الساعي، بتاريخ 13 مايو/ آيار 2020، ولم تتدخل فيه وزيرة الصحة هالة زايد بشكل واضح.

وحتى فيما يتعلق بالملفات الخارجية، لوزارة الصحة يتصدر اللواء الساعي الأمر، ففي 11 مارس/ آذار 2020، أهدى الساعي درع وزارة الصحة والسكان المصرية إلى السفير الصيني لدى القاهرة، تحت مسمى التعبير عن الشكر والامتنان للتعاون بين الشعبين في مواجهة وباء كورونا. 

ومن أبرز قرارات اللواء الساعي، ما تم في 9 يونيو/ حزيران 2019، عندما قرر مساعد وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية، تشكيل لجنة برئاسة مدير عام الإدارة العامة للتفتيش المالى والإدارى، بغلق قناة "صحتي" التابعة للوزارة. 

وتأسست قناة "صحتي" عام 1998 بمنحة من منظمتي الصحة العالمية، والجايكا اليابانية وعدد من شركات الدواء آنذاك، وتحوي مكتبة القناة قبل إغلاقها، نحو 30 ألف ساعة برامجية، وتم تزويدها بمعدات وأجهزة تقدر بـ3 ملايين جنيه، وعمل بها عدد من الصحفيين والمذيعين والمعدين والمخرجين والفنيين.

أما اللقطة المعبرة عن مدى سطوة الساعي، وقوة نفوذه المتخطية وزيرة الصحة هالة زايد، فكانت يوم 12 مايو/ آيار 2020، عندما تم عقد بروتوكول تعاون بين وزارة الصحة، ونادي الجزيرة الرياضي، وبنك التعمير والإسكان لتخصيص مبنى بالنادي كحجر صحي لمصابي فيروس كورونا، بحضور هالة زايد، التي لم تكن فاعلة في اللقاء.

ظهرت الوزيرة في الصورة تقف في الخلف، بينما يجلس اللواء الساعي ليوقع  بنفسه البروتوكول مع المهندس عمرو عادل إسماعيل رئيس مجلس إدارة نادي الجزيرة، وحسن غانم رئيس مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان والعضو المنتدب.

مفتاح المخازن

مع تفشي الفيروس في مصر بدأت تظهر معاناة الطواقم الطبية، وبدأ الأطباء في إطلاق المناشدات والتحذيرات إلى الحكومة ووزارة الصحة، لسد الاحتياجات الأساسية من المستلزمات الطبية، والأدوية الناقصة لحمايتهم وحماية المرضى من كورونا، في ظل حالة من التخبط والعشوائية.

ساعتها بدأ يتردد اسم اللواء بهاء الدين زيدان، مدير مجمع الجلاء الطبي التابع للقوات المسلحة، ورئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد، والإمداد والتموين الطبي، وإدارة التكنولوجيا الطبية.

وفي 8 أبريل/ نيسان 2020، ظهر اسم زيدان للعلن عندما تفقد السيسي العناصر والمعدات والأطقم التابعة للقوات المسلحة، المخصصة لمعاونة القطاع المدني في مكافحة انتشار وباء كورونا، وتحدث عن وجود احتياطي "على جنب"، غير تابع للجيش ولا وزارة الصحة، مطالبا "بهاء" بألا يمس هذا الاحتياطي إلا بإذنه.

والهيئة المصرية للشراء الموحد، والإمداد الطبي والتموين، التي يتولى رئاستها اللواء بهاء الدين زيدان، تأسست في أغسطس/ آب 2019 بقرار من السيسي، 

من أبرز مهام تلك الهيئة: إجراء عمليات الشراء للمستحضرات والمستلزمات الطبية لجميع الجهات والهيئات الحكومية، وإعداد الموازنة التقديرية السنوية اللازمة للشراء.

من مهامها أيضا، إعداد خطط وبرامج وقواعد التدبير والشراء الموحد من الداخل والخارج، والتعاقد مع الشركات لشراء المستلزمات الطبية وإدارة تخزينها ونقلها وتوزيعها.

أيضا تقوم الهيئة بالتنسيق مع الشركات الطبية لتعزيز المخزون الإستراتيجي الطبي للدولة لمواجهة أي ظروف استثنائية، ووضع الإجراءات والتدابير الضرورية لمواجهة حالات الطوارئ بالتنسيق مع باقي الجهات المعنية.

وبعد أن لفت السيسي الأنظار إلى اللواء بهاء، تم تداول اسمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكتب عنه الإعلامي أحمد منصور على تويتر، في 8 أبريل/ نيسان 2020، قائلا: "أخيرا عرفنا من هو بهاء؟ الذى أمره السيسي.. إنه اللواء بهاء الدين زيدان مدير مجمع الجلاء الطبي للقوات المسلحة ورئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية.. باختصار بهاء لديه كل مفاتيح المخازن الطبية والأدوية فى مصر".

 

انزواء السيسي 

ورغم أنهم في الواقع يمسكون بكافة خيوط القطاع الصحي في مصر، لكن مع الفشل الواضح في إدارة أزمة جائحة كورونا فضل العسكريون ألا يكونوا في الواجهة، وانزوى السيسي والجيش عن الأنظار.

في 24 مايو/ آيار 2020، كتب الدكتور يزيد صايغ، الباحث الرئيسي بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، تقريرا بعنوان "ترك المقاعد الأمامية"، ونشره مركز كارنيغي، ذكر فيه بوضوح أن "الأمر الملفت للانتباه في الرد الرسمي على جائحة كورونا، هو التقبل غير المعهود من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي والقوات المسلحة، على حد سواء، للبقاء في المقاعد الخلفية وترك قيادة الرد في أيدي رئيس الوزراء والوزراء الحكوميين المعنيين وخبراء الصحة العامة المهنيين".

وأضاف: "استعداد القوات المسلحة غير المألوف على ترك إدارة الدفة في أيدي المدنيين أمر استثنائي. إلا أن ثمة 3 نواح تثير القلق في استجابة القوات المسلحة لهذه الجائحة.. فمن جهة أولى، اتسم استيعابها لطبيعة وحجم الخطر بالبطء الشديد، ولعلها غير مهيأة للاستجابة".

وتابع: "ثانيا، تشكل القوات المسلحة الوطنية في جميع البلدان ركيزة مؤسسية مهمة من الركائز الحكومية المحتملة لمعالجة الطوارئ، وبالتالي فإن أي ضعف للجهوزية سيمنعها من لعب ذلك الدور".

وأورد: "أما ثالثا، ستتعرض القوات المسلحة إلى معدلات مرتفعة للإصابات في صفوفها، إذا ما أخفقت في تدارك المخاطر واتخاذ الاحتياطات اللازمة، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الكلفة البشرية الإجمالية للجائحة وإلى تكبيد البلاد خسائر إضافية من جراء تعطيل جهاز مستجيب للطوارئ.. فإذا كانت الثقة التي يوحي بها كل من الحكومة والقوات المسلحة تخفي بالواقع مدى انتشار وباء كوفيد-19، فقد تواجه مصر أزمة متفاقمة يصعب وقفها".