التوتر الدولي ينذر بحرب باردة جديدة.. ما دور تركيا في إخمادها؟
.jpg)
رأت صحيفتان تركيتان أن الحرب الباردة تطرق أبوابها من جديد، وأول خطواتها هي انسحاب واشنطن من اتفاقية السماوات المفتوحة التي تضم 35 بلدا، وتسمح بعمليات استطلاع جوية بطائرات غير مسلحة في أجواء الدول المشاركة فيها.
وقالت إدارة دونالد ترامب في 21 مايو/أيار 2020، إن روسيا انتهكت بنود الاتفاقية مرارا. وأوضح مسؤولون كبار أن الانسحاب سيتم رسميا في غضون ستة أشهر، لكن ترامب أبقى على احتمال أن تمتثل موسكو للاتفاقية.
ورأى الكاتب حقي أوجال في مقالة بصحيفة ملييت التركية أن "الحديث عن الحرب الباردة يتعزز لأن ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين متشابهان إلى حد بعيد. حتى الآن، سيكون أول ضحايا هذه الحرب الجديدة هم مناطق أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا وشبه جزيرة القرم في أوكرانيا".
الجيل الأصغر لا يعرف الحرب الباردة، يتابع الكاتب: "فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتقسيم العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ظهرت الكتلة الغربية بقيادة الناتو (حلف شمال الأطلسي) والكتلة الشرقية بقيادة حلف وارسو".
وولد حلف وارسو في نهاية الأربعينيات وانتهى في عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتي وكانت الحرب باردة في انتظار أن يتحرك الجيشان ضد بعضهما البعض لكن ذلك لم يحدث، لأن الطرفين يعلمان أنهما يستطيعان إبادة العالم أجمع بالسلاح النووي الذي كان بحوزتهما.
وكان من الضروري إيجاد حل غير الحرب حتى لو كانت باردة ومن الضروري إحصاء القوة العسكرية عند كلا الطرفين سواء الأسلحة النووية أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وقد كان ذلك عبر اتفاقيات تفتيش متبادلة ومنها أيضا "السماوات المفتوحة".
السماوات المفتوحة
هذه المعاهدة أقرت في عام 1992، من قبل 27 دولة (زاد العدد لاحقا)، في العاصمة الفنلندية "هلسنكي"، وبدأ العمل بها في أول يناير/كانون الثاني 2002.
تسمح الاتفاقية بوجود طائرات مراقبة غير مسلحة للاستكشاف في أجواء الدول المشتركة، وتهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل والثقة عن طريق إعطاء جميع المشتركين بها، بغض النظر عن حجم الدولة المشاركة، دورا مباشرا في جمع المعلومات عن القوات العسكرية والأنشطة التي تهمها. ونفذت الدول المشاركة 3500 رحلة تفتيش منذ العام 2002.
بحسب الاتفاق، تكون جميع أراضي الدول مفتوحة للتفتيش. ومع ذلك، لا تسمح روسيا برحلات فوق أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وشبه جزيرة القرم.
وعلى الرغم من أن روسيا مارست حقها بالكامل نتيجة الاتفاق مع روسيا البيضاء، إلا أن الولايات المتحدة لم تكمل حصص التفتيش منذ مغامرات موسكو في جورجيا في 2008 وشبه جزيرة القرم في 2014.
وبما أن روسيا لا تسمح برحلة تفتيش فوق أراضي جورجيا وأوكرانيا التي تحتلها؛ ترى الولايات المتحدة أن اتفاقية السماوات المفتوحة أصبحت غير عملية لهذا السبب.
بالعودة للتاريخ، جرى التوقيع على اتفاقية الحد من الأسلحة المضادة للقذائف البالستية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في عام 1991؛ ومع ذلك، بعد 11 عاما، انسحبت واشنطن من هذه الاتفاقية. كما خرجت أميركا من اتفاقية الحد من الأسلحة (ستارت-3) مع روسيا في 2019.
يقول الكاتب: "إذا حكمنا من خلال ما يجري، فلن يكون ترامب على استعداد لتمديد هذه الصفقات".
وتابع: أن "ما منع الحرب الساخنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي هو أن البنادق على الجانبين لديها القدرة على التدمير المتبادل من الطرفين. هل سيكون هذا التوازن المجنون كافيا لمنع الحرب هذه المرة؟ آمل ألا تتحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة على الإطلاق".
دور تركيا
بدوره، يوضح "تونجا بنجين" الكاتب في نفس الصحيفة أن "أهمية تركيا حاليا تكمن بالضبط فيما كانت عليه وقت الحرب الباردة حيث السيطرة على دول القوقاز والمضائق المفضية اليها".
وقال في مقال: إن "الولايات المتحدة في القرن العشرين كانت تدرك أهمية تركيا القصوى في الصراع على السلطة العالمية وقد أبدعت أنقرة مؤخرا في ذلك حين سطع نجم طائراتها محلية الصنع سواء المسيرة أو غيرها".
ويؤكد أنه لا توجد دولة أخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط يمكن أن تساعد الولايات المتحدة، كما تفعل تركيا.
وفي جانب متصل، ذكر الكاتب أن فيروس كورونا زاد من فجوات الولايات المتحدة مع دول عدة ومنها الصين وسط تبادل الاتهامات بين البلدين. ويمكن القول: إن هذه التوترات يمكن أن تتحول إلى عداء حقيقي بعد حرب تجارية وإجراءات متبادلة من الطرفين استمرت 3 سنوات.
وتأتي هذه التطورات في وقت تزيد فيه الإجراءات التي تعود بالحياة إلى طبيعتها بعد أشهر من الإجراءات الاحترازية ضد كورونا.
ويقول: "واشنطن تحارب الصين من كل جهة، فهي إذ تبحث ذلك مع الناتو ودوله تعمل أيضا على تطويق بكين في المحيط الهادئ مع حلفائها مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وإندونيسيا وماليزيا وقوتها البحرية".
وتعمل الصين بدورها على كسر هذا الحصار، فيما أن الأرجل الأخرى لهذا الصراع هي المحيط الهندي وشرق البحر الأبيض المتوسط.
هذا كله يزيد من أهمية تركيا عند الولايات المتحدة، حيث يتوقع الكاتب أن تعيد أنقرة ترتيب أوراقها مع واشنطن بناء على علاقات جديدة وجيدة وكذلك الأمر ينسحب على روسيا.
من ذلك أن الأراضي التي سيطرت عليها تركيا في سوريا ستتواصل وهذا الأمر فيه مصلحة للولايات المتحدة أيضا لما فيه من ضغط على غريمتها روسيا.
ويؤكد الكاتب أن "الولايات المتحدة تحتاج لتركيا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط أيضا للسيطرة على الصين".
تقاطعات الدعم
وعليه فالفائدة التي يمكن أن تقدمها تركيا إلى الولايات المتحدة في سعيها لقيادة العالم من جديد أهم بكثير من مساعي واشنطن لإقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية، "كما لا ننسى أهمية احتياج روسيا إلى أنقرة في أماكن عديدة مثل إيران وغيرها"، وفق الكاتب.
ومن العوامل كذلك العجز الأميركي والأوروبي الواضح عن إحداث أي فارق في البحر المتوسط أو المنطقة برمتها، "ولهذا السبب الجميع بحاجة لتركيا وعلى رأسها واشنطن وهي تعي ذلك جيدا".
وتحاول الولايات المتحدة تهديد تركيا بشكل أو بآخر، فهل يمكن الضغط على أنقرة بهذا الشكل لو لم يكن هناك منظمات إرهابية على الحدود؟
يجيب الكاتب: "الأمور تصير على هذه الشاكلة، حين تستغل نقاط الضعف في دولة ما، فإنك تصل لما تريده منها، تركيا تدرك ذلك جيدا وهي تحاول أن تقاوم استخدام الولايات المتحدة للأكراد وهذا هو سر دعم قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا".
وتطرق لأزمة صواريخ "إس 400" بالقول: إنه "سيتم تأجيل حسم هذا الملف لوقت آخر، فالصواريخ وصلت بالفعل (من روسيا) إلى تركيا وباتت في حوزتها وتم بالفعل التدرب عليها، وهي جاهزة للعمل بأية لحظة".
لكن إلى جانب النقاط العسكرية ثمة تعقيدات أخرى سياسية، إذ يقول الكاتب: "لقد وصلت رسالة بالغة الوضوح إلى واشنطن أن أنقرة بحاجة لهذا السلاح، وأنه في حال منعه فإنها ستجلبه من أي مكان آخر سواء روسيا أو غيرها".
هذه الخطوة أخافت الولايات المتحدة في تقدير الكاتب، لأنها تخالف الأنظمة الموحدة المعمول بها في الناتو، حيث إنه "إذا فعلتها تركيا فستفعلها دول أخرى وهذا يعني أن أنقرة فتحت الباب المغلق".
وهنا يمكن التطرق إلى مسألة طائرات الشبح الأميركية إف 35، حيث من المؤكد أن تركيا ستحصل عليها، وهي بحاجة حقيقية لهذه الطائرات، وفق الكاتب.
وأضاف: "من الممكن أن تتحسن العلاقة التركية الإسرائيلية كمقدمة لذلك، قد لا تعود كما كانت عليه في السابق لكن قد يطرأ عليها بعض التغيير للأفضل، لأن أميركا بحاجة لكلا الدولتين في المنطقة وبدونهما لا تستطيع أن تحقق ما تصبو إليه من خطط وأهداف".
وخلاصة القول: فإن واشنطن بحاجة إلى تركيا، التي تتمتع بأهمية جغرافية وجيوسياسية كبيرة وقد زادت في الفترة الأخيرة، بحسب تقديره.