حكومة الكاظمي في العراق تبدأ عهدها بزيارة السعودية.. ما الدلالات؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

استهلت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، تواصلها مع دول الجوار بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، أجراها نائب رئيس الوزراء وزير المالية، عبد الأمير علاوي، الأمر الذي يشير إلى دلالات كثيرة، رغم أن الاقتصاد كان هدفها المعلن.

علاوي بحث خلال لقائه بالمسؤولين السعوديين 3 ملفات أساسية وهي: تداعيات تراجع أسعار النفط عالميا، وفتح أبواب الاستثمار أمام الشركات السعودية، وتوفير الطاقة الكهربائية للعراق بربطه مع شبكة سعودية كويتية.

"حبل إنقاذ"

الزيارة الأولى لمسؤولين في الحكومة الجديدة، حملت دلالات عدة، ولا سيما على الصعيد السياسي، ففي حديث لـ"الاستقلال" قال المحلل السياسي وائل عبداللطيف: "الزيارة ممكن أن تعيد رسم العلاقات الخارجية للعراق لإعادة التوازن مع باقي الدول".

وأضاف عبداللطيف: "إعادة التوازن وإعادة هيبة العراق يتطلب أيضا إلى اختيار شخصية لوزارة الخارجية تكون من المكون العربي وصاحب حضور قوي وذكي، حتى يستطيع أن يضع النقاط على الحروف ويؤسس إلى علاقات جديدة مع دول الجوار والمنطقة".

وتابع النائب السابق بالبرلمان: "مجلس الوزراء للأسف ليس فيه مشاورات ينتج عنها رسم السياسية الخارجية للبلد، ونحن بحاجة إلى وزير خارجية قوي يرد اعتبار البلد من أي دولة تعتدي على سيادة العراق".

وصرح وزير المالية في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، أن أحد أهداف حكومة بلاده إعادة التوازن مع دول المنطقة، من الناحية الاقتصادية والتجارية، وأن دور الاقتصاد السعودي في العراق خجول، خصوصا أن حجم اقتصاد المملكة يعادل نصف حجم اقتصاد العالم العربي.

وأضاف نائب رئيس الحكومة العراقية في المقابلة الصحيفة: "نريد أن نغير التوازن، ونسعى إلى زيادة حصة السعودية داخل العراق في مجالات مختلفة، منها الكهرباء والنفط والبتروكيماوية والزراعة".

من جهته، اعتبر المحلل السياسي نجم القصاب، زيارة السعودية بمثابة "حبل إنقاذ" لحكومة الكاظمي، لأن القوى السياسية التي أيدت تشكيل الحكومة لم تقدم لها الدعم، وأن ذلك سينعكس على الشعب العراقي بسبب الأزمة المالية الحالية، وبالتالي يُحمل رئيس الحكومة المسؤولية.

ولفت إلى أن رئيس الحكومة سيعيد رسم علاقات بلاده مع باقي الدول، وهو تحدث بذلك في كلمته الأولى بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، لإعادة التوازن في العلاقة مع دول الجوار، وفعلا بدأ بداية قوية.

لماذا السعودية؟

وبخصوص لجوء العراق إلى السعودية دون غيرها من الدول، رأى عبد اللطيف أن "العراق يعيش في الوقت الحالي وضعا اقتصاديا بائسا يصل إلى حد الانهيار والإفلاس، ويحتاج إلى دولة عربية أو أجنبية ساندة لوضعه الاقتصادي والأمني، وأنا أعتقد أن خيار السعودية يشمل هذه النواحي جميعا".

وحسب قوله: "السعودية في الوقت الحاضر هي صاحبة القرار العربي في المنطقة العربية شئنا أم أبينا، إذا لاحظنا تأثيرها العربي والإقليمي والدولي، بعدما كانت مصر في السابق تقوم بهذا الدور".

الأمر الآخر، وفق عبد اللطيف: "السعودية تمتلك طاقة اقتصادية بفضل تصدير 10 ملايين برميل نفط يوميا، والمكانة الدينية التي تتمتع بها، كل ذلك يعطي لها ميزة تجعلها تتقدم على باقي الدول العربية".

وأشار إلى أن "الكثير من عناصر تنظيم الدولة كانوا من السعوديين وفجروا أنفسهم في العراق بعمليات انتحارية، وحتى يبني العراق أمنا سليما ويحافظ على وضعه الاقتصادي واستقراره، لا بد أن يكسب جميع الدول الإقليمية وأن يبدأ بالسعودية".

وأشار عبد اللطيف إلى أن "السعودية أبدت رغبتها بتزويد العراق بالطاقة الكهربائية بتكلفة مالية تصل إلى ثلث ما يدفعه العراق لإيران. وكذلك ترغب بتجهيز الغاز إلى المحطات الكهربائية بتكلفة تختلف أيضا عما تورده إيران للعراق".

وفي السياق ذاته، رأى الكاتب العراقي إياد الدليمي خلال مقال نشرته صحيفة "العربي الجديد" في 26 مايو/ أيار 2020 أن "الدعم السعودي للعراق تتحكّم به الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، إذ تعتقد أنه يمكن أن يسحب البساط من تحت أقدام إيران".

وأضاف: "ربما كان هذا الكلام صحيحا قبل 10 سنوات أو أكثر، قبل أن تتحول إيران إلى متحكم ومتنفذ في كل مفاصل العراق، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وحتى عسكريا".

وأعرب الدليمي عن اعتقاده بأن "الدعم من السعودية سينقلب عليها كما في كل مرة، فهي لم تضع أي شرط على الولايات المتحدة التي طلبت منها تقديم الدعم، كأن تطالب بضمانات بألا يكون العراق مصدرا لأي هجمات تنفذها المليشيات الشيعية".

ورأى الكاتب أن "السعودية كان عليها أن تنتظر قليلا، وترى ما يمكن أن ينفذه الكاظمي من وعود بالإصلاح، وفي مقدمتها محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، قبل أن تبادر لتقديم دعم سيسهل عمل حكومة الكاظمي، لكنه قد ينقلب على السعودية، خصوصا في حال فشلت جهود الكاظمي لتحقيق وعوده".

"إيران ترفض"

لم تسلم زيارة مبعوث الكاظمي إلى السعودية، من هجوم شنته القوى الشيعية الموالية لإيران، متهمة المملكة بتصدير "آلاف الإرهابيين لتفجير أنفسهم بالعراق" على العكس من إيران التي ساندت البلد في محاربة تنظيم الدولة.

ونشر نعيم العبودي رئيس كتلة "صادقون" في البرلمان وهي الجناح السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق" الموالية لإيران، على تويتر تسجيلا صوتيا، منسوبا للرئيس الليبي السابق معمر القذافي، ووزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي، يحدثه الأخير عن وجود 4 آلاف مقاتل سعودي بالعراق.

وهاجم زعيم "العصائب" قيس الخزعلي في كلمته بمناسبة عيد الفطر في 25 مايو/ أيار 2020، المملكة العربية السعودية، وحذر بغداد من خطورة الاقتراض الخارجي.

وحمل الخزعلي، السعودية مسؤولية الأزمة الاقتصادية، عادا أن "التصرفات الصبيانية من قبل النظام السعودي في حربه مع روسيا أدت لانخفاض أسعار النفط".

ودعا الحكومة إلى دراسة الوضع الاقتصادي جيدا لاحتواء الأزمة الحالية"، مشددا على أن "الاقتراض الخارجي يجب أن يكون الحل الاضطراري حتى لا يقيد اقتصاد العراق". 

وتعليقا على ذلك، قال المحلل العراقي وائل عبد اللطيف لـ"الاستقلال": "إيران لا ترضى باللجوء إلى السعودية، فهي لا تريد للعراق بأن يكون دولة قوية في المنطقة".

وأكد عبد اللطيف أن "دولا ترى أن العراق غنيمتها وهذه الغنيمة ستتحول إلى السعودية، لكن الأخيرة عندما تريد أن تأتي بالاستثمار اختارت البادية الجنوبية في محافظة المثنى العراقية (ذات الغالبية الشيعية)".

وكشف أن "بعض الفصائل المسلحة لا تريد أن تستثمر السعودية في العراق، وهذا ما حصل في عهد حكومتي حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، لأن الرجلين كانت حكومتهما تمثل حكومة الرجل المريض".

أما الكاتب إياد الدليمي، فرأى أن "المليشيات ما زالت أقوى من الدولة العراقية، وهذه الميلشيات، وبعد يوم من زيارة وزير المالية للسعودية، هددت بنقل عملياتها المسلحة إلى الرياض، من دون أن تنبس حكومة الكاظمي ببنت شفة".

وبين الدليمي أن علاقة العراق بالسعودية محكومة بما تريده إيران بالدرجة الأساس، فحينما شعرت الأخيرة أن الضغط الاقتصادي كبير على حكومة بغداد، وأن هذا الضغط قد يفجر الشارع الغاضب أصلا، سمحت لحكومة بغداد بنسج علاقة مع السعودية.

وأعرب عن اعتقاده بأن "العلاقة السعودية العراقية محكومة بمن يتحكم بالمشهد السياسي في كل من إيران والولايات المتحدة، فشهر من التهدئة بين البلدين قد يتبعه عام من الخصام والتهديدات المتبادلة، وينعكس ذلك كله بشكل سريع على علاقة العراق والسعودية، العلاقة التي ينبغي لها أن تخرج من عباءتي إيران وأميركا، وأن تستعيد عافيتها".

وعلى إثر زيارة المسؤول العراقي، قررت الرياض عودة سفير المملكة لدى العراق لمزاولة عمله بأقرب وقت، في خطوة تستهدف تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها، حسبما نقلت صحيفة "عكاظ" السعودية عن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان.

ويعد 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، هو آخر ظهور للسفير السعودي لدى بغداد عبد العزيز الشمري، عندما غادر العراق بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي أفضت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي.

واستؤنفت العلاقات السعودية العراقية، بعدما قررت الرياض إعادة فتح سفارتها رسميا ببغداد في ديسمبر/ كانون الأول 2015، بعد نحو 25 عاما على إغلاقها، بسبب اجتياح نظام صدام حسين الكويت عام 1990.