الخلافات بين الجزائر والمغرب.. عداء حقيقي أم صنيعة سياسية؟

وهران - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الخلاف القائم بين المغرب والجزائر، لا يفتأ يهدأ حتى يشتعل من جديد، هذه المرة انفجرت أزمة دبلوماسية بين الجارتين، سببها مقطع مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي لقنصل المغرب في وهران، أحرضان بوطاهر، يظهر فيه وهو يصف الجزائر بـ"البلد العدو" خلال حديثه مع مغاربة عالقين بسبب أزمة كورونا.

القنصل خرج في تصريح صحفي ينفي صحة ما جاء في الفيديو، قائلا: "اللقاء حقيقي لكن التصريح مفبرك". تصريح القنصل سبقه بيان من الخارجية الجزائرية وصف فيه كلمة القنصل بـ"الإخلال الخطير بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية" كما استدعت السفير المغربي على أراضيها وطالبت باتخاذ إجراء. 

الأحزاب السياسية في الجزائر دخلت على الخط، وأصدرت بدورها بيانات تشجب حديث القنصل، ووصلت الأزمة إلى البرلمان.

الوضع حساس

القنصل ظهر في المقطع المصور وهو يخاطب مواطنين مغاربة يطالبون بإيجاد حل لهم وإعادتهم إلى أرض الوطن بعد أن علقوا في الجزائر بسبب توقف الرحلات الجوية.

في المقطع المنتشر، يرجو القنصل من الحضور التزام الهدوء وعدم التجمهر أمام مقر القنصلية قائلا لهم: "فالوضع حساس ونحن في بلد عدو".

بعد يوم واحد فقط من انتشار المقطع على وسائل التواصل، استدعت الخارجية الجزائرية السفير المغربي. وقالت في بيان: "توصيف القنصل العام المغربي، إذا تأكد هو إخلال خطير بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية لا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله ومساسا بعلاقات البلدين". 

ودعت الوزارة السلطات المغربية لاتخاذ التدابير المناسبة لتفادي أي تداعيات لهذا الحادث.

في تصريح له لصحيفة مغربية، قال بوطاهر: "المشاهد الظاهرة في الفيديو، التي تبين اجتماعي بعدد من المغاربة أمام مقر القنصلية، كلها وقائع صحيحة، إلا أن الصوت مفبرك. لم أصف بشكل مطلق الجزائر بأنها دولة عدوة".

تصريحات سابقة

عاد المتحدث إلى واقعة وصف رئيس الأركان الجزائري بالنيابة الحالي، السعيد شنقريحة، الذي كان آنذاك قائدا للمنطقة العسكرية الثالثة في قطاع تندوف في مهرجان عسكري مع البوليساريو، ملك المغرب والعرش المغربي والمغرب بكل النعوت "التي يندى لها الجبين" على حد تعبيره.

لم يتحدث فقط عن المغرب بل وعن المغاربة أيضا، يقول شيات: "وكان هذا بمثابة تصريح رسمي من مسؤول رفيع المستوى داخل الجيش - لا يمكن مقارنته بالقنصل - في مناسبة رسمية، قائلا: "عدو الصحراويين هو عدو الجزائر".

وصرح المتخصص في العلاقات بين البلدين بأن تصريح شنقريحة كان مثالا عن تصريحات عديدة من مسؤولين آخرين عبروا في أكثر من مناسبة عن حجم العداء للمغرب، وأبرزهم الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، ولو تطلب الأمر نفس رد فعل الجزائر هذه المرة، يقول شيات: "لما توقفت الخارجية المغربية عن استدعاء السفير الجزائري بالمغرب ومساءلته عن ما قيل وما كُتب".

شدد المتحدث على أنه لا يبرر هذه التصريحات من الطرفين، معتبرا أنها تصب الزيت على النار وتزيد العداوة غير الموجودة سوى في مخيلة السياسيين والذين يستفيدون منها، فهم من يخلق هذه العداوة ويقتاتون منها ويحرصون على استمرارها لكونها جزءا لا يتجزأ من منظومتهم السياسية الداخلية. 

ورأى الشيات أن "هذه الأزمة المفتعلة هي دليل، إذ كان يمكن للجزائر اعتبار القنصل غير مرغوب فيه كما ينص على ذلك القانون الدولي، وتعبر عن ذلك عبر اتخاذ إجراءات دبلوماسية، لكنها قررت استغلال الأمر والاستفادة منه".

"بهرجة إعلامية"

ليس على المستوى الرسمي فقط، بل والشعبي أيضا أثار المقطع غضبا عارما، لكن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة (شرق المغرب)، خالد شيات، يرى هذه التصريحات - إذا صحت - من شأنها فقط تمطيط الأزمة.

وأدان شيات هذا النوع من التصريحات، من أي طرف كانت من الناحية الأخلاقية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بدبلوماسيين يفترض فيهم أن يتحلوا بقدر من الرصانة ومراعاة الجوانب الشكلية. 

لكنه اعتبر في الوقت نفسه أن كلام القنصل كان فرصة استغلتها الجزائر في عملية بهرجة إعلامية، وهو ما "ليس جديدا على الجزائر فهي مدرسة في الدعاية الإعلامية ولو لم يكن هذا الأمر صحيحا لخلقته"، مرجحا أن تكون رواية القنصل المغربي صحيحة، وبالتالي يجب التريث.

أوضح أستاذ العلاقات الدولية في حديث مع "الاستقلال" أن القنصل لا يعتبر مسؤولا دبلوماسيا رفيع المستوى وتمثيله لرؤية الدولة يعتبر بعيدا عن الواقع، وحتى وإن كان المغرب فعلا يتبنى هذه الرؤية فليس هو الشخص المناسب للتعبير عنها.

وظيفة القنصل هي تدبير شؤون المواطنين القانونية والإدارية، في حين يختص السفير بالجانب السياسي.

ماهية العداء

تحدث الأستاذ الجامعي عن ماهية العداء، وقال: "إذا استبعدنا العداء بين الشعب وهو ليس قائما ولا يمكن أن يقوم، يبقى العداء الإستراتيجي بين الدولتين ذو الطبيعة السياسية".

وتابع شيات مستنكرا: "إقامة ودعم ورعاية مجموعة مسلحة وهي البوليساريو التي تهاجم المغرب، وتمويلها بالسلاح والدفاع عنها في المنتديات الدبلوماسية الدولية والمنظمات، ودعم هجومها ضد المغرب وأراضيه، والدفاع عن إقامتها ما يسمى دولة مستقلة، إذا لم يكن هذا كله عداء، فهل نسميه عملا دبلوماسيا؟!".

كل هذا مستمر إلى اليوم، فالجزائر، بحسب المتحدث، "لا زالت تسعى لفصل أراض مغربية عن المغرب وتقسيمها وتجزيئها، وإذا أردنا أن نحلل مفهوم العداء بالمفهوم الإستراتيجي في العلاقات الدولية، فهذا هو العداء"، قبل أن يضيف: "كل المؤشرات تقول إن الجزائر تعادي المغرب منذ عقود".

ورأى أستاذ العلاقات الدولية، أن "الأمر لا يعدو كونه ادعاءات إعلامية تمررها الحكومة الجزائرية للشعب"، معتبرا أن ذلك "لن يأتي بنتيجة على مستوى العلاقة بين الشعبين".

وحسب المتخصص فإن "الحكومة الجزائرية في حاجة لخلق هذا النوع من الأزمات لمداراة مجموعة من الإشكالات السياسية في البلاد، خصوصا في الوقت الراهن تزامنا مع انهيار أسعار البترول".

تسعى الجزائر دائما، بحسب شيات، إلى "إقحام المغرب في أزماتها الداخلية"، وعبّر عن أسفه من "إعطائها الفرصة من طرف القنصل، إذا كانت تصريحاته حقيقية وإلا فإنها صنعتها خدمة لسياستها الداخلية".

وعاء حضاري

كشف موقع "هسبريس" المغربي أن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الجزائري صبري بوقادوم، تناول تطورات العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر.

واكتفى الموقع بالإشارة إلى أن "المكالمة الهاتفية أتت بعد الجدل الذي أثير حول تصريح سابق منسوب لقنصل المغرب في مدينة وهران أثار جدلا واسعا في الجارة الشرقية للمملكة، وصف فيه الجزائر بالبلد العدو".

فيما أصدر موقع "el portal diplomatico" التابع لجبهة البوليساريو خبرا يفيد بأن "المملكة المغربية قدمت اعتذارا رسميا للجزائر عبر وزير خارجيتها ناصر بوريطة، خلال اتصال هاتفي بنظيره الجزائري، بعد حادثة القنصل العام المغربي في وهران".

الصحفي والمحلل السياسي علي لخضاري، رأى أن التصريح كان مفاجئا ولم تكن له دواع ولا أسباب، وأنه مستغرب لأسباب عديدة.

وتابع: "رغم حالة القطيعة في العلاقات الجزائرية المغربية ورغم ثقل الخلافات بين الدولتين، إلا أنه لقي استهجان الجزائريين والمغاربة أيضا لأن العلاقة بين الشعوب هي علاقة ممتدة، قد تتأثر في فترة معينة بالمواقف السياسية، لكن هناك واقعا للجغرافيا والتاريخ يفرض نفسه بين كل دول المنطقة المغاربية.هذه الدول في الحقيقة هي في وعاء حضاري واحد بمصير وتاريخ واحد مشترك".

صناع القرار

وقال لخضاري لـ"الاستقلال": "هذه التصريحات التي تصدر من الطرفين تعبر عن ثقل هذه الخلافات". وركز المتحدث على قضية الحدود المغلقة، أو ملف الصحراء الغربية كما تسميها الجزائر، معتبرا أنه "الملف الذي يخلط أوراق هذه العلاقات بالإضافة إلى التدخلات الدولية".

لكن العلاقة بين المغرب والجزائر تبقى بحسب المتحدث، "محكومة بقدر الجغرافيا السياسية والروابط الثقافية واللغوية والدينية".

وأفاد لخضاري بأن من أحد أسباب استغراب تصريحات القنصل، أن "المدينة التي كان يتحدث منها - في الغرب الجزائري - يعيش فيها مغاربة منذ عقود، منهم من أصبح جزائريا بحكم علاقات المصاهرة".

وعاد المتحدث ليؤكد أنه رغم ثقل الخلافات إلا أن التصريحات "كانت خارج السياقات".

وعلى مستوى صناع القرار في البلدين، يستدرك لخضاري، "هناك نوع من التشبث بالمواقف بالرغم من رسائل المغازلة السياسية". 

وبدوره شدد المحلل السياسي على أن "الشعوب تأمل في أن يكون المغرب العربي موحدا وأن تكون حدوده مفتوحة"، ولعل أبلغ ما يعبر عن ذلك بحسب لخضاري، "تلك الصور التي تأتي من المنطقة الحدودية في أقصى غرب الجزائر وشرق المغرب حيث يتبادل الشعبان الأحاديث وقد فصل بينهما واد".

وهي الصور التي وصفها المتحدث بـ"المؤسفة، والتي لا تليق بحجم الدولتين اللتين قاوم شعبيهما جنبا إلى جنب الاستعمار وظروف أخرى".

وحمّل الصحفي والمحلل السياسي الجزائري، علي لخضاري، السلطة في البلدين "مسؤولية إرجاع هذه العلاقات، وتفادي أن يتولى مسؤولية الدبلوماسية وتمثيل الدولة من هم مثل القنصل المغربي".