الهاشمي الحامدي.. سياسي تونسي وإعلامي يلعب على كل الحبال

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

محمد الهاشمي الحامدي، من السياسيين القلائل في تونس الذين ذاع صيتهم في العالم العربي خلال العقود الماضية، ليس لدوره السياسي في تونس الذي شهد صعودا وانتكاسات وتقلبات، من النقيض إلى النقيض.

الحامدي، سياسي وإعلامي تونسي، عارض نظامي الرئيسين التونسيين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، قبل أن يتحول إلى معسكر المدافعين عن النظام بشراسة. 

لم تتوقف عجلة تقلبات الحامدي، إذ لبث الرجل مدة طويلة مناصرا للنظام السعودي، قبل أن تعصف رياح الربيع العربي ليحول الهاشمي الحامدي بوصلته في محاولة تماهي مع الوضع الجديد، متبنيا مواقف رافضة للانقلاب العسكري في مصر، وللثورة المضادة في تونس.

اعتذر لقطر التي طالما هاجمها من قبل، وهاجم محمد بن سلمان ورؤيته للإصلاح بالسعودية، قبل أن يعود مرة أخرى ليغير جلده فيهاجم قطر، ويشيد بالمملكة.

نشأة إسلامية

ولد الهاشمي الحامدي يوم 28 مارس/آذار 1964 في منطقة الحوامد بسيدي بوزيد في عائلة فقيرة شديدة التدين، درس القرآن بكتاب القرية ودرس فيها الابتدائية، ثم أكمل المرحلة الثانوية في المعهد المختلط وسط مدينة سيدي بوزيد.

التحق بالجامعة عام 1981 حيث درس في كلية الآداب بالعاصمة تونس وتخرج منها عام 1985 بشهادة الإجازة (الأستاذية)، ولما تحول إلى جامعة الآداب بالعاصمة أصبح منذ 1982 عضوا قياديا في حركة الاتجاه الإسلامي التي تحول اسمها إلى حركة النهضة.

اعتقل الحامدي لأول مرة في حياته عام 1983 بسبب نشاطه السياسي ضمن صفوف الطلبة الإسلاميين وذلك إبان فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وحكم عليه بالسجن 6 أشهر بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخصة.

مكنه نشاطه السياسي من دخول ميدان الصحافة في ذلك الوقت وعمل صحفيا مع عدة صحف يومية تونسية مستقلة على غرار صحيفة "الرأي" و"المغرب" و"الصباح" وذلك بالتوازي مع مواصلة دراسته في كلية الآداب بالعاصمة.

حصل على الإجازة (البكالوريوس) في اللغة العربية عام 1985، لكن تعرضه للمطاردة الأمنية في عهد بورقيبة جعله يقرر الهرب من البلاد عام 1986 إلى السودان ومنها إلى بريطانيا حيث حصل على الجنسية.

وفي الشهور الأخيرة من حكم بورقيبة عام 1987 حكم عليه غيابيا مع قيادات من حركة الاتجاه الإسلامي بالسجن لمدة 20 عاما بسبب اتهامه بالانتماء إلى جمعية غير مرخصة وتعكير الصفو العام ومحاولة قلب النظام الحاكم.

وبعد صعود الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في العام نفسه، واجه اتهامات بأن له علاقة بهذا النظام وجاءت هذه الاتهامات عقب استقالته من حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) عام 1992 إثر خلافات شخصية وسياسية. 

قناة "المستقلة"

عام 1993، أسس الحامدي صحيفة "المستقلة" في لندن، والتي بدأ من خلالها التأسيس لظهور إعلامي أكبر وأكثر تأثيرا في تونس والعالم العربي، حيث تمكن من الحصول على رخصة بث تلفزيوني عام 1999 في بريطانيا.

انطلقت القناة ببرنامجها "المغرب الكبير" الذي جلب الأنظار وضبط عليه كثير من التونسيين ساعاتهم من أجل الاستماع إلى أصوات المعارضة الملاحقة في الداخل والخارج، واكتشاف ما يجري في بلدهم التي تقبع تحت أحد أشد الأنظمة البوليسية في العالم العربي.

قابل نظام بن علي قناة "المستقلة" وبرنامج "المغرب الكبير"، بعداء كبير، حيث تم إلقاء القبض على بعض ضيوف البرنامج مثل الرئيس السابق لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين محمد مواعدة والناشطة الحقوقية سهام بن سدرين.

كما شنت وسائل الإعلام في تونس حملة شرسة ضد القناة وصاحبها الحامدي، وضيوف برنامج "المغرب الكبير"، واتهامهم بالخيانة، وتذكيرهم في الآن ذاته بعقوبة الخيانة في القانون التونسي.

حينها صرح الحامدي لـ"سويس إنفو"، أنه تلقى عرضا من الحكومة التونسية قائلا: "عرض علينا من تونس حتى قبل 7 أيام أن تصبح قناتنا، كما قيل لنا، أغني من قناة الجزيرة الفضائية، مقابل فقط وقف هذا البرنامج".

ويبدو أن ذلك ما حصل بالفعل، حيث بدأ الخط التحريري للمستقلة في التغير وعدل الحامدي من مواقفه من النظام، وهو ما كشف عنه بعد الثورة في تحقيقات لجنة مكافحة الفساد.

تضمن تقرير وكالة الاتصال الخارجي وجود تحويلات لوسائل إعلام خارجية من بينها قناة المستقلة التي يملكها السياسي محمد الهاشمي الحامدي، حيث حظي بـ 12 تحويلا ماليا عام 2009، قدرت بأكثر من 436 ألف دينار، ما يعادل 400 ألف دولار حينها.

كل الحبال

اشتهر الهاشمي الحامدي في أوساط الجماهير العربية من خلال البرنامج الأكثر إثارة للجدل "الحوار الصريح بعد التراويح"، الذي شهد حلقات مثيرة في نقاشات سنية شيعية، تزامنت في وقت كانت المعارك الطائفية على أشدها في العراق، وكذلك اختار المذيع وصاحب القناة الانحياز في حواراته ومهاجمة إيران ونظامها ومرجعيتها الدينية، رغم أن الحامدي كان أحد الكتاب في صحيفة العالم الإيرانية نهاية الثمانينيات.

حينها وجهت اتهامات للمستقلة ومالكها بتلقي تمويلات من السعودية، من أجل مهاجمة إيران ومشروعها في المنطقة المتهم بمحاولة نشر المذهب الشيعي، وهو ما يتعارض مع سياسة المملكة في المنطقة. 

كتب الحامدي أيضا في جريدة الشرق الأوسط، وكان ضيفا على المملكة في مناسبات عدة، مثل مهرجان الجنادرية، كما تم تنظيم رحلة خاصة له ولطاقم قناته لزيارة المدينة المنورة، امتدت لقرابة الشهر، وسُخرت له كل الإمكانات التي تمكنه من إنجاز مهمته، والخروج بما يشبه الفيلم الوثائقي، يبثه عبر قناته على مدى أسابيع، حسب ما ذكرت صحيفة سبق السعودية.

لكن شهر العسل مع السعودية لم يدم طويلا، فمع هبوب رياح ثورات الربيع العربي، وتهاوي الأنظمة الاستبدادية تباعا، وفي مقدمتهم النظام التونسي الذي واصل الهاشمي الحامدي الدفاع عنه إلى ليلة سقوطه، بل وقام بمقابلة هاتفية نادرة مع الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في آخر أيام حكمه، توترت العلاقة مع النظام السعودي.

الحامدي تبنى موقفا معاديا للانقلاب العسكري في مصر، وأطلق حملة بالانتخاب لا بالانقلاب للتحذير من النسج على المنوال المصري في تونس، مهاجما الانقلابيين في مصر والدول الداعمة لهم وفي مقدمتهم السعودية.

كما أن سياسة الانفتاح التي تشهدها المملكة منذ وصول محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد قوبلت بانتقاد واسع من قبل الهاشمي الحامدي، حيث نشر جملة من التغريدات تنتقد الوضع الذي تشهده "بلد الحرمين".

أثارت تغريداته المنتقدة خاصة للإعلام السعودي وفي مقدمتهم قناة "إم بي سي" و"العربية " وتهديده بدعوة المسلمين برفض وصاية الدولة السعودية على الحرمين الشريفين، غضب القيادة السعودية حيث ظهر ذلك في حملة واسعة تستهدف الحامدي وقناته. 

في عام 2018، قال الهاشمي في تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر: "‏أنهيت اليوم 22 ديسمبر 2018 خلافي الشخصي مع حكام قطر. وصلني اعتذار وقبلته".

وأضاف في تغريدة أخرى: "اعتذر لي مسؤول رفيع من عائلة آل ثاني الكريمة فقبلت اعتذاره وطويت الصفحة. الواحد منا.. ليس آلة صماء لا تحس ولا تتأثر ... ربنا يحفظ قطر وشعبها الكريم".

إلا أن هذه العلاقة الطيبة التي تحدث عنها الحامدي سرعان ما تغيرت، ففي مارس/آذار 2020، دشن مالك قناة المستقلة موجة تغريدات تهاجم قطر، وجماعة الإخوان المسلمين المدعومة قطريا حسب روايته، طالبا الاعتذار من النظام السعودي والجيش المصري، في تلون جديد لا يعلم إن كان سيستمر طويلا. 

التجربة السياسية

في عام 2011، وبعد فرار الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، نجحت الثورة التونسية في تحقيق أحد أهم مطالبها وهو انتخاب مجلس وطني تأسيسي، من أجل سن دستور جديد وإدارة البلاد في مرحلة انتقالية.

قفز الحامدي، في مركب الثورة، التي سبق أن وقف في الجهة المقابلة منها إلى آخر يوم، وأسس حزب "العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية"، وخاض انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011.

الحامدي نجح عبر قناته المستقلة في الوصول إلى شرائح واسعة من الشعب التونسي عبر خطابه البسيط والشعبوي، حيث وعد ناخبيه بمنحة بطالة والعلاج والنقل المجاني والنهوض بالمناطق الريفية والفقيرة، وهو ما جعله يحصل على المرتبة الثالثة في الانتخابات ويحصد 26 مقعدا من أصل 217.

هذه الكتلة لم تصمد طويلا، خاصة بعد رفض حركة النهضة الحزب الفائز بالانتخابات مشاركتها في الحكومة الجديدة، إذ تحول نوابها إلى مركز للتجاذبات السياسية والاستقطابات وحتى شراء الذمم كما صرح الحامدي بذلك، واستقال عدد كبير منهم ليلتحقوا بكتل أخرى وبأحزاب جديدة من بينها حركة نداء تونس الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

عام 2014، وبعد أن أسس الحامدي حزب "تيار المحبة"، لم يفز حزبه سوى بمقعدين نيابيين، إلا أن الهاشمي الحامدي حصل على 5.7% من أصوات الناخبين ليحتل المرتبة الرابعة متقدما على عدد كبير من المرشحين البارزين.

وفي انتخابات 2019، ورغم إعلان الهاشمي الحامدي اعتزاله الحياة السياسية، إلا أنه ترشح للانتخابات الرئاسية، واعدا بتعديل الدستور من أجل التنصيص على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع في البلاد، وجملة من الوعود الأخرى الشبيهة بوعوده في الانتخابات السابقة، لكنه حصل فقط على 0.75% من أصوات التونسيين ليحتل المرتبة 14 من بين المترشحين 26.