حافظ نعيم الرحمن.. أمير الجماعة الإسلامية في باكستان وحامل إرث المودودي

داود علي | منذ ١٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

في ظروف عصيبة، اختار أعضاء "الجماعة الإسلامية في باكستان، حافظ نعيم الرحمن، لقيادة مركب الجماعة، بعد انتخابه رئيسا لها في 6 أبريل/ نيسان 2024، 

ويحمل نعيم الرحمن راية الجماعة الإسلامية، وذلك بعد أن قدم أميرها السابق سراج الحق، استقالته عقب "الأداء الضعيف" للجماعة في الانتخابات العامة الباكستانية، التي فقدت فيها كثيرا من الأصوات، وخسرت دوائر مهمة شغلتها لسنوات طويلة.

ويعد نعيم الرحمن (54 عاما) الأمير السادس للجماعة الإسلامية، ويعول عليه في تجديد دماء الجماعة وتطويرها ورد ثقة الشعب فيها.

وعام 1941 أطلق العالم والمفكر والداعية الباكستاني، أبو الأعلى المودودي، "الجماعة الإسلامية" في شبه القارة الهندية، وقد بدأت بـ75 فردا. 

والجماعة هي حركة إصلاحية تدعو للإسلام الشامل للبشرية كافة وللمسلمين خاصة، وانتخب المودودي أميرا لها، ثم نسبت الجماعة لباكستان بعد الحصول على الاستقلال عن الهند وإعلان قيام جمهورية باكستان في 28 أغسطس/آب 1947.

وبلغ عدد أعضائها نحو 5 ملايين مواطن، ويمتد تأثيرها إلى الهند وبنغلاديش وأفغانستان ومعظم آسيا الوسطى. 

نشأة إسلامية 

في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 197، ولد حافظ نعيم الرحمن في مدينة حيدر آباد بإقليم السند جنوب باكستان.

ونشأ هناك تحديدا في منطقة لطيف أباد التي تنتمي إلى  المدينة نفسها، ولذلك فنعيم الرحمن يعد من المتحدثين الأصليين باللغة الأردية أو ما يعرف في باكستان بالمهاجرين الذين جاؤوا من الهند، إذ هاجرت عائلته من منطقة "عليكرة" بالهند عند استقلال باكستان.

وفي مسجد جامع دار العلوم في حيدر آباد، حفظ نعيم الرحمن القرآن الكريم كاملا في مراحله التعليمية الأولى، ودرس جزء من العلوم الشرعية، وتأثر بالثقافة الإسلامية السائدة هناك. 

وقبل إتمام دراسته الثانوية، انتقلت عائلته للعيش في مدينة كراتشي عاصمة إقليم السند، حيث حصل فيها على الشهادة الثانوية.

بعدها حصل على شهادة الهندسة المدنية من جامعة "أني إي دي" للهندسة والتكنولوجيا في كراتشي.

ثم حصل على درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة كراتشي أيضا.

وانصب تخصص نعيم الرحمن على الهندسة، إذ عمل مهندس معالجة مياه في المشاريع الصناعية والسكنية واسعة النطاق في عموم البلاد.

وفي عام 2005 عيّن مديرا للهندسة في شركة نظام الماء الخاصة المحدودة المتخصصة بتقنيات معالجة المياه.

أما على الصعيد العائلي فهو متزوج ولديه 3 أبناء وبنت واحدة، وتعمل زوجته طبيبة، وينخرط أبناؤه في العمل الاجتماعي والسياسي.

صفات قيادية 

انجذب نعيم الرحمن منذ بداية شبابه إلى التوجه السياسي الديني الذي تبناه مؤسس الجماعة الإسلامية أبو الأعلى المودودي.

وانضم إلى الجماعة في سن السادسة عشرة، وبحلول سن العشرين كان نشطا بقوة في أعمال الجماعة، حيث تم احتجازه واعتقاله في العديد من القضايا بسبب نشاطه المتصاعد. 

ونظرا لصفاته القيادية البارزة وتضحياته وقدراته الخطابية، كان يمثل قائد الحركة الطلابية للجماعة على المستوى الوطني. 

وفي عام 1998 أصبح  في مرتبة "ناظم الأعلى"، وهو منصب أقرب لـ"أمين الشباب". 

دخل نعيم الرحمن إلى أروقة العمل السياسي العام من خلال الجماعة الإسلامية بشكل رسمي عام 2000.

وفي عام 2001 خاض انتخابات الحكومة المحلية لأول مرة، وأصبح عضوا في المجلس النقابي البلدي للمنطقة الوسطى بكراتشي.

وفي عام 2013، شغل منصب أمير الجماعة الإسلامية بمنطقة لياقت آباد، ونائب أمير المنطقة الوسطى.

خطوة مهمة

وترقى كذلك إلى أن أصبح الأمين العام ونائب أمير فروع الجماعة الإسلامية في كراتشي.

وفي عام 2013 أيضا انتخب نعيم الرحمن أميرا لفرع الجماعة الإسلامية في كراتشي، التي تعد كبرى المدن الباكستانية وأكثرها كثافة، وشهد أداء الجماعة تطورا كبيرا خلال تلك الفترة.

وانصبت إستراتيجية نعيم الرحمن على التركيز على قضايا المدن الكبرى بالإقليم، خاصة التي تمس الناس بشكل مباشر، مثل الطرق والمواصلات والأحوال الاقتصادية. 

ومن الخطوات المهمة التي اتخذها نعيم الرحمن في مسيرته أنه شغل منصب رئيس فرع كراتشي لمؤسسة الخدمة الخيرية، وهي منظمة خيرية تنموية غير حكومية مرتبطة بالجماعة الإسلامية.

وهي أكبر المنظمات الخيرية في باكستان ولديها أعمال خيرية على مستوى عالمي، ما فتح له تواصلا مهما مع فئات كبيرة ومختلفة من عموم الشعب. 

“بنو قابل”

صب نعيم الرحمن جل اهتمامه على الشباب، وينسب له إطلاق مبادرة "بنو قابل" التي أطلقتها جمعية الخدمة الخيرية، وتهدف إلى تدشين برنامج تعليمي شامل لتكنولوجيا المعلومات للشباب في كراتشي.

واعتمد الأسلوب القيادي للرجل على بناء فريق قوي حوله، يضم باحثين ومتخصصين في وسائل التواصل الاجتماعي ومحامين ومتطوعين.

وهو ما ترك أثرا قويا على الهيكل الداخلي للجماعة الإسلامية في كراتشي، وجذب إليها الشباب وكثيرا من الفاعلين في الحركة الطلابية.

تلك المعطيات انعكست على نتائج الجماعة، فخلال فترة رئاسته لفرع كراتشي برزت الجماعة الإسلامية في المركز الثاني في انتخابات الحكومة المحلية الأخيرة في يناير/ كانون الثاني 2023، وفازت بـ87 مجلسا نقابيا و9 مدن.

وبالتوازي منذ انتخابه ركز نعيم الرحمن على القضايا الرئيسة للمدن الكبرى، وخاصة القضايا العامة المتعلقة بجرائم الشوارع والقانون والنظام والعقارات وإمدادات الطاقة وخدمات المرافق العامة الأخرى والتعليم.

وفي عام 2020 أطلق فرع كراتشي للجماعة الإسلامية حملة بعنوان "حركة حقوق كراتشي"، سلطت الضوء على مظالم المدينة مثل نقص المياه، وانقطاع التيار الكهربائي، والتفاوت الاقتصادي.

وفي يناير 2022 قاد اعتصاما احتجاجيا استمر لمدة 29 يوما، خارج مبنى البرلمان الإقليمي في السند من أجل الدعوة إلى الاهتمام بمدينة كراتشي واحتياجاتها الأساسية.

صاحب ضمير 

من المفارقات اللافتة في مسيرة نعيم الرحمن أنه تنازل عن مقعد أعلن فوزه به في الانتخابات العامة في فبراير/ شباط 2024، لأنه يرى أن الفائز الحقيقي هو مرشح مستقل مرتبط بحزب حركة "إنصاف" التي يتزعمها عمران خان.

وخلال مؤتمر صحفي، قال نعيم الرحمن: "بصفتي رجلا يتمتع بضمير حي، أعلن أن المرشح المدعوم من حركة إنصاف قد فاز ولن أستفيد من هذا المقعد". 

وكان نعيم الرحمن في طليعة السياسيين الباكستانيين الذين تصدروا المشهد اعتراضا على المحرقة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. 

ففي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قاد مظاهرة ضمت عشرات الآلاف من الباكستانيين في كراتشي، ورفع شعارات مناصرة لفلسطين في ظل العدوان على القطاع.

وقال نعيم الرحمن إن "فلسطين جزء من عقيدتنا، ولن نترككم أيها الفلسطينيون وحدكم أبدا"، مضيفا أن "الفلسطينيين لن يستسلموا أبدا للقهر". 

ووصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه "كيان إرهابي"، ثم اتهم الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بالتواطؤ في جرائم الحرب الإسرائيلية.

وفي نفس الخطاب شن هجوما حادا على نواز شريف وحزب الرابطة الإسلامية، قائلا: “اسألوا نواز شريف الذي يعد نفسه ملكا، هل أدان إسرائيل وأميركا؟”

إستراتيجيته القيادية 

وبعد أن أصبح نعيم الرحمن أميرا للجماعة، حدد المعالم الأساسية للمرحلة القادمة.

وفي 19 أبريل 2024، أصدرت الجماعة الإسلامية في باكستان بيانا أوردت فيه أهدافها. 

وتضمن البيان دعوة لجميع المواطنين للانضمام إلى الجماعة في معركتها ضد ما سماه "النظام الفاسد".

وقال نعیم الرحمن إن “البلاد مثل المسجد بالنسبة للجماعة الإسلامية”، متعهدا بمواصلة النضال "من أجل حمايتها وسلامتها". 

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، عبر عن رفضه لأي اتفاقات تجارية مع الهند على حساب حياة الكشميريين وتعهد بدعم ثابت لشعب فلسطين.

كما أعرب نعیم الرحمن عن أسفه لتعثر التقدم على خط الأنابيب الإيراني الباكستاني وأرجع ذلك إلى الضغوط الخارجية.

وأكد على موقف الجماعة الإسلامية من مشروع الطريق الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، قائلا إن الشعب يطالب بإجابة عن سبب عدم تقدم العمل في المشروع مؤكدا أهمية الصداقة باكستان مع الصين.

يذكر أن مراسم تنصيب حافظ نعيم الرحمن أمير اللجماعة الإسلامية، شهدت حضورا لرئيس الجماعة السابق سراج الحق وشخصيات أخرى بارزة مع حضور جماهيري كبير من أنصار الجماعة وأعضائها من خلفيات متنوعة.

وفي خطاب نعيم الرحمن الأول في تلك المناسبة، أشاد بـ"تراث" الجماعة الإسلامية العظيم لأمراء الجماعة السابقين على رأسهم أبو الأعلى المودودي، وميان طفيل، وقاضي حسين أحمد، وسيد منور حسن، وسراج الحق.

وأكد التزام الجماعة بمواصلة نضالها بموجب الإرشادات التي وضعها قادتها، وشدد على الرؤية العالمية للجماعة الإسلامية التي تتجاوز الانقسامات الطائفية والتحيزات الإقليمية في سبيل حركة إسلامية شاملة.