شادي حبش.. فنان مصري سخر من "بلحة" فمات في المعتقل

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من زنزانته في سجن طرة بالقاهرة، وجه رسالة طالب فيها الجميع بإنقاذه من الموت، وكتب نصا "السجن مابيموتش بس الوحدة بتموت، أنا محتاج دعمكم عشان ماموتش".

رسالة الفنان المصري الشاب شادي حبش كانت آخر تواصل بينه وبين العالم الخارجي، قبل أن يموت داخل محبسه، في 2 مايو/ آيار 2020.

موت حبش كان بمثابة الصدمة لكثيرين، فعمره لم يكمل 25 عاما (مواليد 21 أغسطس/آب 1995)، ومات داخل السجن، دون أن يعرف أحد ملابسات الوفاة، وهل كانت قتلا عمدا أم إهمالا طبيا؟.

حالة تكتم وتجاهل تبديها سلطات النظام العسكري الانقلابي الحاكم في مصر بقيادة عبدالفتاح السيسي تجاه وفاة حبش، الذي مات في النهاية انتقاما بسبب "بلحة"، تلك الأغنية التي ذاع صيتها ولاقت صدى واسعا ومتابعة عالية داخل مصر وخارجها.

كليب "بلحة" 

في مارس/ آذار 2018، أخرج الفنان الشاب شادي حبش أغنية "بلحة" التي أداها المغني رامي عصام، وسخرت من السيسي، بعدها مباشرة، تم القبض على حبش، في حملة اعتقالات طالت أيضا خبير مواقع التواصل الاجتماعي، مصطفى جمال، المسؤول عن صفحة رامي عصام على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". 

كما حكمت المحكمة العسكرية على كاتب الأغنية، جلال البحيري بالسجن 3 سنوات، بتهمة إهانة الجيش والرئيس، في قضية منفصلة تتعلق ببعض أعماله الأخرى.

قبل وفاته بأيام، نشر على الصفحة الرسمية لشادي حبش، على "فيسبوك" تدوينة في 23 أبريل/ نيسان 2020، قالت: "للتوضيح.. شادي حبش مخرج ومصور مصري.. شادي اتقبض عليه يوم 1 مارس (آذار) 2018 بعد ما الأغنية نزلت بيومين.. ‏شادي متقبضش عليه في المطار زي ما ناس كتير فاكره عشان شادي مسافرش يصور الأغنية أصلا".

وأضافت التدوينة: "شادي نزل أول جلسة نيابة يوم 5 مارس 2018، ومن ساعتها وهو يتجدد له، شادي بقاله أكتر من سنتين المفروض إنه بيتحقق معاه، بقاله أكتر من سنتين من غير حكم ولا أي حاجة.. عمره بيضيع في السجن.. اتكلموا عن شادي عشان ميتنسيش.. ادعموه عشان بيقضي تالت رمضان في السجن ظلم. شادي فنان مش مجرم ولا إرهابي". 

فنان واعد 

دخل شادي حبش السجن وهو في عمر الـ 22 عاما، ورغم صغر سنه، لكنه كان واعدا، حيث تعاون مع فنانين كبار مثل سعاد ماسي، عازفة الجيتار والمغنية الجزائرية.

كما حصل حبش على لقب أفضل مصور "أندرغرواند" عام 2014، بعد أن حاز أعلى نسبة تصويت ضمن الحملة الجماهيرية التي تمت على صفحة "أندرغراوند ساركازم سوسايتي"، وهي واحدة من أهم صفحات العالم الافتراضي لدعم الفن البديل. 

لكن آخر وأشهر أعماله كليب "بلحة" الذي حصد أكثر من 5 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب، وأعقب ذلك القبض عليه، حيث وجهت له النيابة العامة اتهامات مثل "الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وازدراء الدين، وإهانة المؤسسة العسكرية".

وهي ديباجة من التهم الدارجة، اعتادت السلطات المصرية توجيهها للمعارضين، ومن يوجهون انتقادات للسيسي. ومنذ ذلك الحين بدأ حبش يعاني من الأزمات داخل محبسه، وهو ما ظهر من خلال بعض رسائله إلى العالم.

رسالة الوداع

في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أرسل حبش آخر رسائله من داخل سجن طرة، وكانت بمثابة نداء استغاثة، طالبا دعمه لمقاومة الآثار السلبية للمكوث في السجن، حيث قال: "السجن مابيموتش بس الوحدة بتموت، أنا محتاج دعمكم عشان ماموتش".

وأردف: "في السنتين اللي فاتو أنا حاولت أقاوم كل اللي بيحصلي لوحدي عشان أخرجلكم نفس الشخص اللي تعرفوه بس مبقتش قادر خلاص".

وأضاف: "مفهوم المقاومة في السجن.. إنك بتقاوم نفسك وبتحافظ عليها فيه وإنسانيتك من الآثار السلبية من اللي بتشوفوا وتعيشوا كل يوم وأبسطها إنك تتجنن أو تموت بالبطيء، لكونك مرمي في أوضه بقالك سنتين ومانسي ومش عارف هتخرج منها امتى ؟ أو إزاي؟". 

وأكمل رسالته قائلا: "والنتيجة إني لسه في السجن وكل 45 يوم بنزل عند قاضي وبتكون نفس النتيجة تجديد 45 يوما، من غير حتي ما يبصلي أو يبص لورق القضية اللي كل اللي فيها مشيوا من 6 شهور.. عموما أنا جلستي اللي جاية يوم الثلاثاء 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019".

ثم اختتم رسالته: "محتاج لدعمكم ومحتاجكم تفكروهم إني لسه محبوس وإنهم ناسيني وإني بموت بالبطيء كل يوم لمجرد إني عارف إني لوحدي قدام كل ده وإني عارف إن ليا صحاب كتير بيحبوني وخايفين يكتبوا عني أو فاكرين إني هخرج من غير دعمهم ليا.. أنا محتاجلكم ومحتاج لدعمكم أكتر من أي وقت".

فجيعة موته

موت شادي حبش داخل محبسه، خلف حالة من الحزن الشديد في الأوساط السياسية والفنية والثقافية، حيث دشن صحفيون ونشطاء بارزون تدوينات وكلمات تعبر عن حجم الأسى بفجيعة فقدان المخرج الشاب. 

الصحفي المصري محمد منير دون على صفحته الشخصية على فيس بوك قائلا: "ادعوا له عند الفطار وفي صلاتكم.. الشاب الجميل شادي حبش ضحية الظلم والطغيان واللي مات في السجن لأنه أخرج أغنية بلحة".

منير أضاف: "الرسول عليه الصلاة والسلام لم يغضب من أعرابي تهجم عليه بسبب تصوره أن النبي يتهكم عليه، لكن بلحه لم يتحمل فهو يرى ذاته في مرتبة أعلى من مراتب الرسل والأنبياء".

وتابع منير: "إنه غرور الطغيان، غرور فرعون وهامان وقارون، الغرور الذي يعمي صاحبه عن تذكر نهاية من سبقوه من الطواغيت والجبابرة. شادي لن يقوم أحد بعمل فيلم يمجده أو مسلسل يخلده.. شادي من الشعب الغلبان، وسيخلده ضمير الشعب ووجدان الأمة وقلوب الناس البسيطة الأصيلة".

وختم منير تدوينته باعتذار لشادي قائلا: "أعتذر لك يا بني لم نستطع حمايتكم، فكما ضاعت منا الأرض التي فرط فيها من ظلمنا ونهبنا يضيع منا كل يوم خيرة شباب الوطن وأشرفهم.. نعتذر لكم وليغفر الله لنا ضعفنا".

وكتبت الناشطة الحقوقية منى سيف "آخر حاجة.. كل المعتقلين اللي كانوا مع شادي وحضروا وفاته، من حق أهاليهم يطمنوا عليهم، محتاجين دعم نفسي ومعنوي لأنهم مروا بليلة قاسية جدا.. وملعون كل بتوع الداخلية اللي بيصروا يتجاهلوا استغاثات المساجين ويتعاملوا معاها باستهتار واستخفاف". 

وغرد الحقوقي المصري جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قائلا: الشاب ده عنده 22 سنة، مات في السجن، كان مسجون ظلم زي آلاف الشباب والشابات في مصر.. قتله اللي حبسه وضيع عمره في السجن.. واللي خان قسم العدالة، واللي بيضلل الناس وبيقول النظام ده فيه رجاء. قتله النظام وأنصاره". 

ووجهت منظمات حقوقية طلبات إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون في مصر، والسماح بزيارة خبراء الأمم المتحدة، وفي مقدمتهم المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب، معبرة عن قلقها البالغ من تصاعد أعداد الوفيات داخل السجون المصرية. 

ووثقت منظمات حقوقية، منها منظمة العفو الدولية "آمنستي"، وهيومن رايتس ووتش، وفاة أكثر من 800 معتقل في السجون منذ الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013.