كمامة ووثيقة وسلعة.. كيف أربك تجار "كورونا" الشارع المغربي؟

12

طباعة

مشاركة

"تجار المآسي" هو الوصف الذي أطلقه وزير الداخلية المغربي، عبدالوافي لفتيت، خلال اجتماع للجنة الداخلية في البرلمان لدراسة مشروع مرسوم قانون 2.20.292، الذي يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية في المغرب. 

في 7 أبريل/ نيسان 2020، قرر المغرب فرض ارتداء الكمامات الواقية بشكل إجباري على جميع الحالات الاستثنائية المسموح لها بالتنقل خلال حالة الطوارئ الصحية، للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا.

شددت السلطات على أن وضع الكمامة "واجب وإجباري، وكل مخالف لذلك يتعرض لعقوبة حبسية من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم (بين حوالي 33 و140 دولارا) أو بإحدى هاتين العقوبتين".

تحولت الكمامة بهذا البيان المشترك بين وزارتي الداخلية والصحة، إلى "المبحوث عنه" رقم 1 في المملكة، حيث هرع الناس بعدها إلى الصيدليات والمحلات والأسواق الكبرى للحصول عليها، لكن دون جدوى.

وفي الوقت الذي أُعلن فيه عن إنتاج المغرب 5 ملايين كمامة يوميا، كان المواطنون يتلقون جوابا واحدا: "نفدت من السوق"، وهو ما شجبته تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة. 

رُصد بيع القطعة الواحدة في بعض الصيدليات بسعر وصل إلى 129 درهما (13 دولارا)، رغم أن القرار الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6870، حدد السعر الأقصى لبيع الكمامات للعموم بـ 2.50 درهما (ربع دولار) للقطعة مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة للعلبة المكونة من 10 قطع، ودرهمين للقطعة مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للعلبة من 50 قطعة.

وهو ما لفتت إليه كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب عندما دقت ناقوس الخطر، جراء قيام بعض الشركات الخاصة ببيع المستلزمات الطبية، بـ"احتكار" كمامات الوقاية وتخزينها لبيعها بأثمنة "خيالية".

رئيس الكونفدرالية محمد الحبابي، أكد في تصريح صحفي، أن هناك تضاربا ومتاجرة بمآسي المواطنين، من قبل بعض الشركات المستوردة والموزعة للمستلزمات الطبية بالمغرب، كونها تنهج سياسية وصفها بـ"غير الأخلاقية".

"وثيقة الخروج"

اجتماع لجنة الداخلية في البرلمان في 23 مارس/آذار 2020، ناقش بالأساس "وثيقة الخروج" وهي شهادة التنقل الاستثنائية، التي اشترطتها السلطات مع فرض حالة الطوارئ على المضطرين للخروج من بيوتهم إما للعمل أو للضرورة القصوى.

وزارة الداخلية أمرت أعوان السلطة (عناصر تابعة للبلديات) بتوزيع هذه الوثائق على المواطنين في منازلهم وتوقيعها بعد إثبات مبرر الخروج (شهادة العمل مثلا)، دون الحاجة إلى التنقل بين المقرات الإدارية للحصول عليها. 

لكن الوثيقة أحدثت إرباكا شديدا في بعض المناطق التي خرج سكانها بكثافة للحصول عليها، ما أدى إلى حالة من التدافع والازدحام.

لفتيت قال: إنه "تم توزيع الملايين من الوثائق في كل أرجاء المملكة"، متهما من وصفهم بتجار المآسي ببيع هذه الوثيقة، الأمر الذي أجج الوضع في بعض المناطق.

ودافع الوزير عن قرار إلزام المواطنين بهذه الوثيقة، معتبرا أن الخلل ليس في القرار بل في من يستغلون الأزمة للتربح غير المشروع، وأكد أن "الوثيقة هي الحل لتدبير الأزمة الحالية وممارسة المهام المطلوبة".

وأشار إلى أن "ما وقع في بعض المناطق فقط بسيط، وهذه الوثيقة هي الحل، وإلا من يتوفر على حل آخر فليقدمه لنا"، موردا أننا "لم نجد حلا غيرها، ونحن نشتغل ونطلب مساعدة الجميع لأننا في أمس الحاجة إلى بعضنا".

وشدد لفتيت على أن الظروف التي يمر بها المغرب غير عادية، ودعا إلى التعاون لتجاوزها "لأنه إما أن ننجو كلنا أو نغرق كلنا، لكوننا في سفينة واحدة، ولكن سننجو بفضل مساعدة الجميع".

وردا على الانتقادات التي تلقاها، قال المسؤول: إن وزارته "لم تكن على استعداد لهذا الوباء، لكن يجب أن نتأقلم مع الوضع"، مجددا التأكيد على "ضرورة الالتزام بالحجر الصحي، وفي الوقت نفسه ضرورة استمرار الحياة وعدم توقف عجلة الاقتصاد".

"لجنة اليقظة"

فور بدء الأزمة كشف وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد حفيظ العلمي، تسجيل ارتفاع في أسعار بعض المنتجات الغذائية والصناعية بالمغرب بسبب فيروس كورونا، مفيدا بأنه تمت ملاحظة زيادة طفيفة في أسعار بعض المنتجات الغذائية، وزيادة كبيرة في أسعار مواد النظافة.

وطمأن الوزير، المغاربة قائلا: "سلاسل التموين الصناعية لا تتوقع اضطرابات مهمة على المدى القريب، إذ يتم تأمين مسالك بديلة من طرف الفاعلين".

وأشار العلمي إلى أنه تم "إحداث لجنة لليقظة الإستراتيجية تجتمع كل يومين لاتخاذ التدابير اللازمة بهذا الشأن، ووضع آليات لليقظة والتتبع اليومي، مهمتها تحديد واقتراح، بشراكة مع النقابات، الحلول لأي تأثير ممكن لفيروس كورونا على سلاسل التموين والأسواق في قطاعي الصناعة والتجارة".

وعرفت المواد الغذائية في الأسواق ارتفاعا واضحا في الأسعار، خاصة البقوليات، ما جعل السلطات تلزم التجار بتحديد أسعار السلع وتعليق قائمة بها لتجنب المضاربة.

وتوجهت أصابع الاتهام بالأساس إلى تجار الجملة، باعتبار أنهم استغلوا الظرفية الراهنة التي اتسمت بارتفاع كبير للطلب لمضاعفة أرباحهم على حساب المستهلكين. في حين يرجعون السبب إلى كثرة الطلب التي تؤدي إلى اختلال ميزان العرض والطلب.

وتضم لجنة اليقظة الاقتصادية، التي يتولى وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة تنسيق أشغالها، بين أعضائها ممثلين عن كل من وزارات الداخلية،  الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.

كما تضم اللجنة في عضويتها ممثلين عن وزارات الصحة، والصناعة والتجارة والاقتصاد، والسياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، والشغل والإدماج المهني، وبنك المغرب، والتجمع المهني للأبناك المغربية، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، واتحاد غرف التجارة والصناعة والخدمات بالمغرب، وجامعة غرف الصناعة التقليدية.

وسيعمل مختلف أعضاء اللجنة، كل في مجال تدخله، على وضع آليات رصد قطاعية، وذلك بتنسيق مع جميع المعنيين.

تدابير حكومية

بعد تزايد الشكاوى دخلت وزارة الاقتصاد والمالية على الخط، واتخذت مجموعة من الإجراءات لوقف التلاعب بالأسعار في هذه الظروف.

وكشف وزير الاقتصاد والمالية وتحديث الإدارة، محمد بنشعبون، خلال تقديم مشروع مرسوم بإحداث الحساب المرصد لأمور خصوصية تحت اسم "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا"، في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، مجموعة من الإجراءات التي سيتم اتخاذها للحفاظ على الأسعار بالنسبة للمغاربة.

وقال بنشعبون أمام النواب: إن "تعليمات أعطيت للجنة اليقظة للانعقاد مرتين في الأسبوع"، مشددا على ضرورة "تتبع ما يحدث والتعامل بصرامة في تحديد الأسعار".

وأعلن الوزير أنه سيتم العمل على إخراج العديد من القرارات لضبط الأسعار مثلما حدث ضد ارتفاع أسعار المطهرات الكحولية، مؤكدا أن هذه الإجراءات تأتي بناء على القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة وبعد استشارة مجلس المنافسة ورأي لجنة الأسعار المشتركة بين الوزارات.

من جانبهم، رصد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي عبر صور وفيديوهات تداولوها، استجابة سريعة لأعوان السلطة مع بلاغاتهم عن ارتفاع الأسعار، وحضورهم إلى عين المكان بسرعة قصوى واتخاذهم لتدابير في حق المضاربين، سواء بتوجيه إنذارات لهم أو تسجيل غرامات، وفي أحيان أخرى إلقاء القبض عليهم. 

سعيا منها لاحتواء التصاعد المستمر لغلاء الأسعار عبر تحديد هامش الربح، شرعت الحكومة في التموين المباشر للمراكز التجارية الكبرى بحاجياتها من الخضر والفواكه والأسماك، دون الحاجة إلى المرور عبر أسواق الجملة، كإجراء استثنائي.

لكن ارتفاع الأسعار الذي سجل في المغرب في بعض المواد الغذائية، بدأ مع تزايد عدد الإصابات بفيروس كورونا، وهو الوقت الذي عرفت فيه الأسواق اكتظاظا كبيرا بسبب الخوف من نفاد السلع وأيضا لفرض حالة الطوارئ الصحية والحد من التنقل. 

قرب حلول شهر رمضان كان عاملا أيضا على إقبال الناس الكبير على تخزين المواد الغذائية، رغم تأكيد الحكومة باستمرار على أن المغرب يتوفر على ما يكفيه من مواد غذائية لشهور مقبلة.