تفاهمات روسيا وتركيا بشأن إدلب.. لهذه الأسباب سيستمر إطلاق النار

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وضعت التفاهمات الجديدة بين تركيا وروسيا بخصوص إدلب السورية التي أعلن عنها الخميس 13 مارس/ آذار 2020، علامات استفهام عدة تتعلق بمدى صمود قرار وقف إطلاق النار، وهل من ضمانات تكفل استمرار خفض التصعيد وعدم انتهاكها من النظام السوري وحلفائه.

إنجاز الاتفاق بين أنقرة وموسكو، أعلنه وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، من أنقرة بعد اجتماع بين الطرفين، لكنه هدد بأن تركيا "ستستأنف عملياتها من حيث توقفت في حال فشلت هدنة وقف إطلاق النار" في الشمال السوري.

وقبل ذلك، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 6 مارس/آذار 2020، مؤتمرا صحفيا مشتركا في ختام قمة جمعتهما بموسكو، أعلنا فيه توصلهما لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب.

هل من ضمانات؟

ولأن الاتفاق الحالي بشأن إدلب يعد الثاني خلال العام الجاري، بعد خرق النظام السوري بدعم من الروس للاتفاق الأول في يناير/كانون الثاني 2020، فقد بات الحديث عن الضمانات هو الأبرز في ضوء التفاهمات الجديدة.

وتفسيرا لذلك، نقلت صحيفة "لاكروا" الفرنسية عن الكاتب السوري زياد ماجد قوله: "هذه الاتفاقية على المدى القصير، تحمل مخاطر احتكاك بين القوات السورية والتركية، خاصة حول الطريق السريع (أم 4)، لأن الهدف من الدوريات المشتركة هو منح حرية الوصول لكلا الطرفين، إلا أن كل واحد منهما قد لا يرغب في مضايقة الآخر".

أما على المدى الطويل، فتنقل الصحيفة عن آرثر كيسناي، أستاذ العلوم السياسية والباحث في جامعة "باريس1"، أنه "لا يرى إمكانية لاحترام هذا الاتفاق، لأن الاتفاقات الموقعة لا يمكن لتركيا تطبيقها ولا ضمانتها، وليس لهذه الاتفاقات من هدف سوى توفير مزيد من الوقت للقوات السورية والروسية. وهذا ما يتكرر مرة أخرى في هذا الاتفاق".

ووفق الباحث، فقد كان التصعيد في الأسابيع الأخيرة "مكلفا للغاية بالنسبة للجيش السوري"، ووفر الاتفاق لروسيا استراحة محارب بعد استعادة السيطرة على الطريق السريع من دمشق إلى حلب، وسوف تستأنف القتال لاحقا، عندما يتغير السياق أو عندما تسحب تركيا جزءا من قواتها، وبالتالي فإن الحرب تظل قائمة وقادمة أيضا".

لكن الانسحاب التركي بالنسبة لأنقرة لم يخضع لشروط التفاهمات، إذ أعلن وزير الدفاع خلوصي أكار في 13 مارس/ آذار 2020، أن "انسحابنا من سوريا غير وارد"، مضيفا: "وجودنا متواصل في إدلب بكل عناصرنا، ووحداتنا تحافظ على مواقعها في سوريا".

من جهتها، حذّرت كارول سايفِتز، المستشارة الأولى لبرنامج الدراسات الأمنية في معهد "ماساتشوستس" الأميركي للتكنولوجيا، من أن رئيس النظام السوري بشار الأسد هو الطرف الذي من المحتمل أن يفسد وقف إطلاق النار هذا.

وأضافت سايفِتز في تصريحات صحفية أن أردوغان وبوتين ما يزالان يدركان قيمة شراكتهما، لكنهما يعتقدان أن إدلب غيّرت تحليلهما لحسابات المكسب والتكلفة، لافتة إلى أن استخدام بوتين لتركيا في إضعاف حلف شمال الأطلسي ما يزال يخدم هدفه.

ورسم مركز "جسور" سيناريوهات في تقرير تحليلي، كان أوله أن "عدم التوصل لحلول تحقق المصالح الأمنية للأطراف، وبالتالي عودة التصعيد، وقد يدفع التصعيد تركيا إلى التدخل مجددا من أجل فرض وقف إطلاق النار بالقوة في حال كانت قوات النظام السوري هي المبادرة لخرق الهدنة، لكن تدخلها سيكون محل شك في حال أن الخرق كان من طرف فصائل المعارضة السورية".

وفي سيناريو آخر، أكد المركز أنه يتمحور بتجديد تركيا لعمليتها العسكرية الهادفة لإعادة النظام السوري لحدود سوتشي، منوها إلى أن "تحقق هذا السيناريو يشترط إما ضمان حياد روسيا، أو إنجاز تفاهم مع أميركا تضمن تركيا من خلاله الحصول على دعم حقيقي".

"مسألة وقت"

يرى مراقبون أن ذهاب تركيا لهذه التفاهمات مرتبط بتوازنات اللحظة القائمة، القابلة للتغيير مع تغير المعطيات العسكرية والسياسية، وهذا موقف عبّر عنه الرئيس أردوغان في حديثه أمام كتلة حزب "العدالة والتنمية" في البرلمان.

وقال أردوغان: "موافقة تركيا على وقف إطلاق النار المؤقت، ليست بسبب عجزها عن مواجهة النظام السوري والتنظيمات الإرهابية، بل لرغبتها في إيجاد حل لأزمة إدلب، يمكن قبوله من جميع الأطراف".

وبيّن الرئيس التركي أن "التدابير التي تم التوصل إليها مع موسكو، بشأن إدلب، هي إجراءات مؤقتة"، حيث يرى الكاتب أسامة آغي في مقاله بموقع "عنب بلدي" السوري أن "هذه الرؤية تشتقها القيادة التركية وفق معطيات واقعية على مستوى التوازنات، وعدم الذهاب بعيدا في صراعات تخدم أطرافا أخرى، تريد أن تحدث هذه الصراعات لإنهاك تركيا".

أما الكاتب تشارلز ليستر زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد "الشرق الأوسط"، فرأى بمقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" الأحد 14 مارس آذار/ 2020، أنه في كل الاحتمالات، كانت تركيا مدركة تماما لحقيقة مفادها أن وقف النار في سوريا لا يتسم بعادة الاستمرار طويلا، وأن استئناف الأعمال العدائية في جولة جديدة ليست إلا مسألة وقت.

 وعبر الموافقة على وقف النار، أشار الكاتب إلى أن تركيا ربما تكون قد فقدت الزخم العسكري الذي حازته من عملية "درع الربيع"، غير أنها اكتسبت في المقابل المزيد من الوقت لتعزيز الخط الأحمر النهائي على طريق "إم 4".

وفي واقع الأمر، اندفعت مئات من الدبابات والمدرعات التركية إلى وسط محافظة إدلب في الأيام التالية على قمة موسكو. أما في الأسابيع السابقة على انعقاد القمة، أقام الجيش التركي سلسلة من نقاط المراقبة على طول الطريق السريع، في إشارة جلية إلى رؤيتها طويلة الأمد لما قد يكون تسوية بحلول وسط مع روسيا في خاتمة المطاف، بحسب الكاتب.

طبيعة البنود

تحدث البيان المشترك عقب قمة موسكو التي جمعت أردوغان وبوتين في 6 مارس/آذار 2020، عن أن بنود الاتفاق تضمنت إنشاء ممر آمن على عمق 6 كم شمالي الطريق الدولي "إم 4" و6 كم جنوبيه.

واتفق الجانبان على إطلاق دوريات تركية وروسية في 15 آذار/ مارس 2020، على امتداد طريق "أم 4" بين منطقتي ترنبة (غربي سراقب) وعين الحور، مع احتفاظ تركيا بحق الرد على هجمات النظام السوري.

وبسؤال إن كان وقف إطلاق النار سيؤدي إلى الدفع قدما بالمسار السياسي للحل في سوريا، رأى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، عبد المجيد بركات: "لا نعلم إن كان الاتفاق التركي الروسي الأخير، قد تطرق في بنوده السرية إلى الحل السياسي".

وأشار إلى أنه من الواضح أن مسار الحل السياسي لا يزال معطلا، لأن النظام السوري يربط التحرك العسكري بالحل السياسي، وسبق أن تهرب النظام من المسؤوليات السياسية في جنيف، وحتى في لجنة الدستور، بمواصلة العمل العسكري.

وأردف بركات: "عودنا النظام أن يتعنت في المسار السياسي، عندما يحرز تقدما عسكريا على الأرض، لأنه يدرك تماما أن جوهر العملية السياسية لن يشكل له طوق نجاة"، مضيفا: أن "النظام سيستمر بعرقلة أي حل سياسي، حتى يعيد إلى سلطته كل الأراضي السورية".

وفي تحليل لمركز "جسور" للدراسات تضمن 6 نقاط حول التفاهمات، أولها أن الاتفاق على الحفاظ على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب تم لإتاحة المجال أمام الجهود الدبلوماسية، وثانيها: "تسيير دوريات مشتركة بين بلدة ترنبة قرب سراقب ومدينة أريحا بريف إدلب"، وإنشاء ممر آمن على طرفي الطريق الدولي "حلب - اللاذقية".

وأكد أن النتائج الأولية تشير إلى عدم وجود توافق على إنشاء روسيا لنقاط مراقبة على جانبي الممر الآمن، كما أن التفاهم الحالي لا ينص على انسحاب فصائل المعارضة من المناطق الواقعة جنوب طريق "أم 4"، مضيفا أنه سيبعد الفصائل التي تعتبرها "متطرفة" فقط عن جانبي الممر الآمن، وأنه لا توجد "حتى اللحظة موافقة روسية على انسحاب قوات النظام السوري من المناطق التي دخلتها مؤخرا".