إجراءات ماكرون التعسفية.. هل تعرقل نمو المجتمع الإسلامي في فرنسا؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"ديك يصيح وقدماه مغروستان بالوحل"، وصف دقيق أطلقه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مذكرا إياه بما يحدث في قلب المجتمع الفرنسي من انتهاكات لحقوق الإنسان، لا سيما بحق المسلمين، البالغ عددهم 6 ملايين نسمة.

ماكرون الذي يتحدث دوما عن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في تركيا، أطل مؤخرا بموجة تصريحات عنصرية جديدة، واعدا باتخاذ سياسات تعسفية ضد المساجد والمدارس الإسلامية في فرنسا، محذرا مما أسماه "الشقاق المجتمعي".

سبق لماكرون أن دعا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، إلى التصدي لما أسماه "الوحش الإسلامي"، و"الإرهاب الإسلامي" عبر "مجتمع يقظ" و"معركة دون هوادة"، ما أثار غضب مسلمي العالم بشكل عام وفرنسا بشكل خاص.

منذ سنوات، والمسلمون في فرنسا يتعرضون إلى ممارسات عنصرية بغيضة، حيث كشفت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان في فرنسا، في أبريل/نيسان 2019، أن المسلمين في البلاد "يتعرضون للإقصاء أكثر مقارنة بالأشخاص من أتباع الديانات الأخرى".

إجراءات تعسفية

في 18 فبراير/ شباط 2020، خلال لقاء عقده مع عدد من مديري الجمعيات التي تنشط في مدينة "مولوز" شمال شرقي البلاد، قال ماكرون: "سنفرض قيودا على إيفاد دول أجنبية أئمة ومعلمين إلى بلادنا، بهدف القضاء على خطر "الشقاق".

وسبق لفرنسا أن أبرمت اتفاقات مع 9 دول، من بينها، تركيا والمغرب وتونس والجزائر، تتيح إيفاد معلمين إلى مدارس فرنسا لتدريس اللغات للطلاب القادمين من هذه البلدان.

وأكد ماكرون في المؤتمر أن "جزءا من المجتمع يريد أن يطور مشروعا سياسيا جديدا باسم الإسلام، وأعداؤنا هم أصحاب الأفكار الانفصالية، وغيرهم ممن يريدون ترك الجمهورية الفرنسية، ومن لا يتبعون القوانين".

وأضاف: "الرغبة في انقطاع صلتك بفرنسا باسم دين ما، أمر غير مقبول، فهذا أمر تتعين محاربته، علينا أن نتصدى لتدخلات الأجانب في المدارس والمساجد".

وأكد أن "الحكومة الفرنسية قررت تأسيس 80 مركزا تدريبيا في إطار الجهود التي تبذلها بلاده لمكافحة تصرفات الإسلاميين. هناك 47 حيا بباريس (أغلبيتهم من المسلمين) ستخضع للمراقبة المشددة، في إطار جهود التصدي للتطرف".

أخطر ما ذكره ماكرون أثناء المؤتمر أنه "خلال آخر عامين تم إغلاق 15 مسجدا، و12 جمعية، و4 مدارس". وحث على "ضرورة مراقبة التمويلات التي تقدم من أجانب لدور العبادة المساجد بفرنسا".

وأفاد أن "هناك 300 من الأئمة يأتون إلى فرنسا سنويا من تركيا والجزائر والمغرب. عام 2020 سيكون آخر عام يستقبل مثل هذه الأعداد".

وفي خضم خطابه، خص الرئيس الفرنسي تركيا بالذكر، قائلا: "الأتراك الذين يعيشون بفرنسا، مواطنون فرنسيون، يتمتعون بالحقوق التي يتمتع بها الفرنسيون، وهم معنيون بنفس القوانين المعني بها الفرنسيون، فالقوانين التركية لا يمكن أن تسري هنا".

عنصرية بغيضة

تصريحات الرئيس الفرنسي أثارت رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، الذي وصفها بأنها في نطاق "معاداة للإسلام" من قبل النظام الفرنسي.

وأضاف في تغريدة عبر تويتر: "تصريحات الرئيس الفرنسي الذي يُفشل السلام في الساحل الإفريقي وليبيا، ويثير الفوضى في العالم الإسلامي، ويقدّم السلاح للانقلابي حفتر، حول اعتزامه مكافحة الانفصال الإسلامي، بمثابة معاداة للإسلام، على فرنسا أن تواجه أولا، ماضيها العنصري والمليء بالمجازر".

سبق أيضا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، توجيه انتقادات شديدة لماكرون قائلا: "الرئيس الفرنسي تحدث عن الإرهاب الإسلامي في قمة الناتو (عقدت في لندن مطلع الشهر ذاته)، أخبرته بأن الإسلام يعني السلام. كيف تستطيع جمع الكلمتين، السلام والإرهاب، باستخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي؟".

الخلاف بين تركيا وفرنسا، في تلك المسألة قائم على أسس أيدولوجية بحتة، متعلقة بموقف الحكومة الفرنسية العدائي من الإسلام، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2010، كشف موقع ويكيليكس، أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي رفض أيضا انضمام تركيا، لأنه يعارض إدخال أكثر من 70 مليون مسلم (تعداد تركيا في تلك الفترة) إلى الاتحاد.

انتشار الإسلام

إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية الرسمية، قالت في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2019: إن "الانتقال من (الإسلام في فرنسا) إلى (إسلام فرنسا)، هو الشعار الكبير الذي تركز عليه دوائر السلطات الفرنسية حاليا في التعامل مع ثاني الأديان في فرنسا والذي يقارب تعداد أتباعه 6 ملايين شخص".

"معهد مونتينين" الفرنسي، المتخصص في الدراسات السياسية والاجتماعية، وجه تقريرا لرئيس الدولة والأحزاب السياسية الكبرى في سبتمبر/ أيلول 2018، ذكر خلاله أن "الأوضاع الاجتماعية لمسلمي فرنسا تغيرت بصورة تعاكس الصورة النمطية، إذ تمكنوا من جمع أموال، وارتقى مستواهم المادي، كما أنهم يتمسكون بالدين وبممارسة شعائره بصورة أكبر من آبائهم، وتنتشر المبادئ الأصولية والسلفية في صفوفهم". 

كما نبه التقرير إلى "تنامي التيار السلفي، حتى أن كافة الأجوبة على الأسئلة التي يطرحها مسلمو فرنسا، فيما يتعلق بالمسائل الدينية والفقهية، على الإنترنت، تأتي من أئمة ينتمون للتيار السلفي، ويقترح تطوير مواقع ومراجع موازية بعيدا عن فكر هذا التيار". 

عقب نشرها رسوما كاريكاتورية ساخرة من الإسلام والنبي محمد، وقع هجوم مسلح على صحيفة "شارلي إبدو" باريس، في 7 يناير/كانون الثاني 2015، أدى لمقتل 12 شخصا وإصابة 11 آخرين.

بعدها بأيام نشر موقع "أورينت نت"، تقريرا أكد أن نسبة انتشار الإسلام بعد حادثة "شارلي إيبدو" بلغت 55%، عن الفترة ذاتها من عام 2014، حيث سُجلت (22 حالة)، في حين ارتفعت النسبة في مسجد ليون بنحو 20%، وفي مسجد مدينة ستراسبورغ إلى 30%.

وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، نشر مركز دراسات "pew research center" الأمريكي، بيانات قدرت أعداد المسلمين في فرنسا العام 2016 بنحو 5.7 مليون شخص، أي ما يعادل 8.8% من مجمل السكان. وأن هذا العدد مع "الهجرة الصفرية" سيزيد بعد 8 سنوات إلى 8.6 مليون شخص.

اللافت للنظر أن الإسلام انتشر بين أعضاء اليمين المتطرف الفرنسي، إذ اعتنق في بداية العام 2015، عضو المجلس البلدي في منطقة "نوازي لو كغان" قرب باريس "مكسانس بوتي" الدين الإسلامي، الأمر الذي دفع "الجبهة الوطنية الفرنسية" التي ينتمي إليها، وترأسها "مارين لوبان" إلى تجميد عضوية "بوتي" فيها، بدعوى أن إعلان إسلامه عبر نشره وتوزيعه تسجيلا على أعضاء في الجبهة، يُعد بمثابة التبشير.

تفسخ مجتمعي

في 25 أبريل/ نيسان 2019، طلب ماكرون، خلال ندوة صحفية، بإعداد سياسات جديدة تحث الفرنسيين على الإنجاب، وأطلق الإنذار بسبب ما أطلق عليه "عجزا ديمغرافيا". 

وجدد دعوته في إعادة التوازن إلى العائلة الفرنسية، وتبني سياسة عائلية تعيد للأسرة حيويتها، بعد أن تراجع مفهوم الالتزام الأسري، والترابط العائلي.

وقال الرئيس الفرنسي: "عائلاتنا التي تغيرت تدريجيا في السنوات الأخيرة لم تعد تشبه العائلات الفرنسية قبل 20 سنة"، وأنهم يعملون بقوة على إيجاد "ديناميكية تتعلق بالمواليد الفرنسيين".

وفي أبريل/ نيسان 2019، قال وزير التعليم الفرنسي "جان ميشال بلانكيه" في حوار مع مجلة لوبوان: "هناك نقص يتراوح بين 40 ألفا و50 ألف طفل داخل البلد منذ العام 2013 لضمان تجديد المنظومة السكانية".

وأكد أن "هذا أمر خطير إذا استمر بهذا الشكل لأنه يتعلق بعدد السكان من جهة، وبالامتداد الجغرافي من جهة أخرى"، مبديا في ذات الوقت أسفه "بسبب أن فرنسا لم تكن واعية بما يكفي لمشكلة عجزها الديمغرافي".