ليبراسيون: هذا ما تستفيده الجنائية الدولية من محاكمة عمر البشير

رأى الرئيس الفخري للاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، باتريك بودوان، أن مثول الرئيس السوداني السابق عمر البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يعطي مصداقية كبيرة للمحكمة التي تتعرض للانتقادات منذ تأسيسها في 2002.
وبحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، فإنه "بعد سنوات من رفض تسليم البشير إلى العدالة الدولية، وقعت الحكومة الانتقالية التزاما بتسليمه خلال محادثات السلام مع جماعات المتمردين في دارفور (غربا).
ويتهم البشير بأنه قام بتنظيم حملة من جرائم القتل والاغتصاب العرقية عام 2003، في صراع طويل ضد الجماعات المتمردة التي خلفت أكثر من 300 ألف قتيل ومليونين ونصف مليون نازح.
محاكمات السودان
حددت محكمة الجنايات الدولية قائمة تضم 51 قياديا في النظام السابق بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي في إقليم دارفور غربي البلاد، لكنها أصدرت مذكرات توقيف بحق 5 منهم ولم تفصح عن بقية قائمة المطلوبين.
كما أن عمر البشير تنتظره محاكمات أخرى في السودان، حيث فتح النائب العام تحقيقا في الجرائم المرتكبة في دارفور شهر ديسمبر / كانون الأول الماضي.
ورفضت الحكومة الانتقالية في السودان دائما فكرة تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية وتركت الأمر لأول حكومة منتخبة، رغم أن تسليم المطلوبين إلى الجنائية هو أحد أبرز مطالب النازحين واللاجئين في دارفور والحركات المسلحة.
هذا المطلب الذي وضع على رأس أجندة التفاوض خلال المحادثات بين الحكومة والحركات المسلحة في العاصمة غير الوضع بشكل واضح، وقدم للمحكمة الجنائية الدولية نصرا متأخرا لكنه يأتي في الوقت المناسب، وفقا للصحيفة الفرنسية.
باتريك بدوان من جهته اعتبر خلال حوار مع "ليبراسيون" أن قرار التسليم خبر ممتاز ضد الإفلات من العقاب ومصدر ارتياح للعدالة الدولية. وقال: إن "الاتهامات الموجهة ضد عمر البشير خطيرة للغاية: الإبادة الجماعية وجرائم الحرب".
وتابع: أن البشير "من بين المجرمين الأكثر اتهاما في هذا الملف، إذ تجاوزت مذكرة التوقيف الدولية ضده عشرة أعوام، لكنه استطاع الإفلات من العقاب أثناء وجوده في السلطة، حيث كان يتجول في العديد من البلدان الإفريقية والعربية، ونجا من الاعتقال بسبب عدم تعاون الدول التي زارها".
وأكد أن قرار السلطات في الخرطوم اليوم يسمح أخيرا باستئناف الإجراءات ضد هذا المسؤول، مشيرا إلى أنه قبل القرار الأخير اضطر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة، التخلي عن الإجراءات ضد المسؤول السوداني قبل عامين، أو بالأحرى تعليقها.
ووقتها، لاحظ المدعي العام عدم تعاون الدول الإفريقية التي صدقت على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية. وتابع بدوان: "ما زالت مذكرة توقيف عمر البشير سارية المفعول، لكن الملف تم تجميده، لذلك يعد هذا القرار مفاجأة سارة للمحكمة الجنائية الدولية التي شهدت إخفاقات أكثر من النجاحات التي حققتها مؤخرا".
وعن الخطوات العملية التالية بعد قرار الحكومة السودانية، قال بدوان: "يجب أن يصل عمر البشير والمسؤولون الآخرون المتهمون في القضية نفسها بسرعة إلى لاهاي للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية".
وأردف: "سيتم وضعهم رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة في ظروف تمنحهم جميع الحقوق، بما في ذلك الرعاية الطبية، حيث إن عمر البشير، في عمر 76 عاما، وقد يواجه مشاكل صحية، لكن التهم لا تأخذ السن في الاعتبار".
وبحسب بدوان، "بعد ذلك سيتم فتح أولي ويمكن أن يبدأ التحقيق الفعلي عقبها، حيث يُتوقع أن يستمر لمدة عامين تقريبا، ثم النطق بالحكم".
انتقادات المحكمة
وحول الانتقادات التي توجه للمحكمة الجنائية الدولية في بعض الأحيان لاهتمامها بمحاكمة المسؤولين الأفارقة فقط، بين الرئيس الفخري للاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، أن الانطباع بوجود معايير مزدوجة للمحكمة مشروع.
واستدرك: "لكن علينا أن نتجاوز ذلك. يجب أن نلاحظ أولا ما إذا كان الزعماء الذين تمت مقاضاتهم يستحقون المحاكمة وما إذا كانت الملاحقات القضائية لها ما يبررها".
واعتبر أنه "في الغالب الذين يريدون إخلاء المسؤولية عن الزعماء الأفارقة من الجرائم هم من يشعلون هذا النقاش الخاطئ ضد المحكمة الجنائية الدولية"، مقرا في الوقت ذاته بأن المحكمة فشلت في محاكمة مسؤولين آخرين عن جرائم مماثلة في قارات أو مناطق ودول أخرى.
كما أشار بدوان إلى أن الانتقادات تتعلق بغض الطرف عن العديد من القادة في الشرق الأوسط (سوريا والعراق وإسرائيل) وكذلك أيضا في الصين والولايات المتحدة وحتى روسيا، ومع ذلك، التحقيقات الأولية جارية وكذلك في دونباس بأوكرانيا، والفلبين وبنجلاديش، لكنها لم تسفر عن مذكرات توقيف بحق مسؤولين.
واعتبر أن الأسباب التي تحول دون محاكمة هؤلاء هو عدم تصديق بعض الدول على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، مبينا أن الأمر لا يتعلق بدوافع المحكمة بل الإمكانيات القانونية في بعض المناطق حيث عدم الاعتراف باختصاص الجنائية.
وأردف: أن "عدم التصديق من قبل الولايات المتحدة والصين وروسيا ومعظم الدول العربية وإيران يمنع التقدم في الملفات المتعلقة بهم، من ناحية أخرى، فإن الدول الإفريقية هي في معظمها من الدول الموقعة على معاهدة روما، مثل الأوروبيين".
وأكد أن شعوب القارة السمراء سعت إلى مناشدة العدالة الدولية لوضع حد لحكم إفلات المسؤولين من العقاب، حيث كانت السنغال أول دولة تصدق على النظام الأساسي لهذه المحكمة الجنائية الدولية.
وبشأن إمكانية أن يثير استئناف الإجراء ضد عمر البشير، الأمل تجاه قضايا أخرى، قال بدوان: "على أي حال، حان الوقت لعودة المحكمة الجنائية الدولية إلى المعايير الإيجابية واستعادة مصداقيتها".