رغم التنوع المذهبي.. 3 خطوات ساعدت على التعايش المجتمعي بعمان

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لطالما عرفت السياسة العمانية بالحياد، ولطالما عرف المجتمع العماني بالتعايش رغم التنوع المذهبي، ولئن كان الحياد، على صعوبته، يظل رهن قرار شخص واحد، هو رأس النظام، إلا أن التعايش المذهبي هو قرار المجتمع بمجموع أفراده، الأمر الذي يجعل منه ظاهرة تستحق الالتفات.

ورغم كون العمانيين يعيشون وسط منطقة مشتعلة بالصراعات المذهبية، إلا أنهم استطاعوا تقديم نموذج فريد للتعايش والتسامح وتقبل الآخر.

يشكل المذهب السني في عمان نحو 50% من إجمالي السكان البالغ عددهم نحو 4.6 مليون نسمة (حوالي 46 بالمئة منهم وافدون وأجانب)، بينما يشكل المذهب الإباضي (نسبة لعبدالله بن إباض مؤسس المذهب) نحو 45%، ويعد المذهب الرسمي للدولة وللعائلة الحاكمة.

في حين يشكل الشيعة والهندوس أقلية تقدر نسبتها بنحو 5%، بحسب جون بيترسون (باحث غربي في الشؤون العمانية) في بحثه (المجتمع المتنوع في عمان) الذي نشر في دورية (ميدل إيست جورنال).

ذلك الوئام تم تسجيله لصالح النظام الحاكم في عمان، حيث استطاع استيعاب التنوع المذهبي والحفاظ عليه من حالة التصادم، في وقت فشلت دول مجاورة، كالسعودية على سبيل المثال، في استيعاب المذاهب و الأقليات.

خبرة تاريخية

عرفت عمان التنوع المذهبي قديما، فقبل مئات السنوات تأثرت بالمد الشيعي من جارتها إيران، مع الإشارة إلى أن إيران نفسها لم تكن تصدر الصراعات المذهبية قبل اندلاع الثورة الإسلامية في 1979، والقضاء على حكم الشاه.

بالإضافة إلى ذلك، عرفت عمان موجات هجرة من الشيعة (اللواتيين) الذين قدموا من حيدر آباد في الهند، وساعدتهم خبرتهم التجارية في تبوّء مراكز اقتصادية مهمة، الأمر الذي جعلهم ينشغلون بالتجارة، وعدم التورط في الصراعات المذهبية، التي عادة ما تشكل خطرا على رؤوس الأموال.

كذلك الحال بالنسبة للإباضية، عرف العمانيون المذهب الإباضي قبل أكثر من ألف عام، وتحديدا في القرن الثامن الميلادي، متأثرين بالروابط القبلية والتجارية التي كانت تربطهم ببني أزد "العمانيين" الذين حلوا في البصرة، (يمتد نسب السلطان الراحل قابوس إلى المهلب بن أبي صفرة.

وينحدر نسبه من قبيلة أزد العمانية، وسميت الإباضية على مذهب مؤسسها عبدالله بن إباض، وكانت طوال فترتها التاريخية إباضية العقيدة والفقه، وعرفوا بالاعتدال والوسطية، وإن كانوا يصنفوا ضمن الخوارج، وفق معايير أهل السنة والجماعة.

قال عنهم الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "تاريخ المذاهب الإسلامية": إنهم ( الإباضية) أكثر الخوارج اعتدالا، وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية تفكيرا، فهم أبعدهم عن الشطط والغلو، ولهم فقه جيد، وفيهم علماء ممتازون".

 كانت هذه التجربة التاريخية الطويلة، أحد الأسباب التي ولدت شعورا بضرورة التعايش، وأكسبت العمانيين خبرة ومراسا في كيفية التعامل مع أبناء المذاهب الأخرى.

قانون فاعل

يحظر القانون العماني كافة أشكال التمييز على أساس الدين والمذهب، وتطبق العقوبة بالسجن تصل لعشر سنوات، أو بغرامة مالية قد تصل إلى 10 آلاف ريال عماني) 26 ألف دولار) لمن يثبت عليه ذلك".

وتقول المادة 108 من القانون الجزائي العماني: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات كل من روج لما يثير النعرات أو الفتن الدينية أو المذهبية، أو إثارة ما من شأنه الشعور بالكراهية أو البغضاء أو الفرقة بين سكان البلاد، أو حرض على ذلك".

و"يعاقب بذات العقوبة كل من عقد اجتماعا أو ندوة أو مؤتمرا له علاقة بالأغراض المبينة في الفقرة السابقة، أو شارك في أي منها مع علمه بذلك".

ويعتبر ظرفا مشددا إذا وقعت الجريمة في إحدى دور العبادة، أو المنشآت الرسمية، أو في المجالس والأماكن العامة، أو من موظف عام أثناء أو بمناسبة تأدية عمله، أو من شخص ذي صفة دينية أو مكلف بها.

بالإضافة إلى ذلك كان خطاب السلطان الراحل قابوس يؤكد على تجريم التطرف المذهبي، وفي إحدى خطاباته قال: "التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة، ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق".

ولعل التأكيد على التجريم القانوني للتمييز، والعقاب المجتمعي للتعصب المذهبي، قد ساعد على التعايش بين أبناء المذاهب المختلفة، كما أن فرض عقوبة بالسجن أو بدفع غرامة مالية هائلة، قد دفعت بالمجتمع إلى القبول بالآخر.

تجدر الإشارة إلى أن عددا من الدول التي تشهد صراعا مذهبيا، لديها قوانين تجرم التمييز المذهبي، غير أن القانون في عمان يعد قانونا فاعلا ونافذا، وهو الأمر الذي تفتقر إليه عدد من الدول التي تمتلك ذات القانون، لكنه لا يطبق في الغالب.


مناهج دراسية

بدر الحارثي الخبير التربوي العماني، قال لـ"الاستقلال": "لم يكن التنوع المذهبي في عمان وليد اللحظة، ولم يكن طارئا، أو نتاج أحداث أفرزها واقع السنوات الأخيرة، بل كان قديما بقدم هذه المذاهب، ما دفع القيادة العمانية إلى إدراك الامتداد التاريخي للمذاهب وتغلغلها في المجتمع العماني، و بالتالي حتم عليه التعامل معها من أجل ضمان تماسك المجتمع وبقاء الدولة قوية، خصوصا مع التحديات الأخيرة والصراعات المذهبية التي تعصف بالمنطقة".

يضيف الحارثي: "كان من بين تلك التدابير تضمين المناهج الدراسية دورسا تحث على التعايش المذهبي والتسامح الديني، وكذلك عقد أنشطة دراسية تؤكد على هذه القيم الدينية والوطنية، من الصفوف الأولى وحتى الصفوف المتقدمة، فعلى سبيل المثال يتضمن كتاب التربية الوطنية والاجتماعية للصف الأول والثاني والثالث دروسا عن اختلاف البشر ومذاهبهم و ضرورة تقبل ذلك الاختلاف والتعايش معه".

وفق خبراء، يبدو أن مجموع تلك الإجراءات بتدرجاتها، وتنوع مستوياتها، ابتداء من تضمينها في القانون الجزائي وتفعيلها، مرورا بالخطاب الإعلامي، وليس انتهاء بإدراجها في المناهج الدراسية، قد أورث العمانيين ثقافة مجتمعية، وباتوا على قناعة بضرورة التعايش والقبول بالآخر، حتى غدت سمة لصيقة بهم، وجزءا من طبيعة تلك المجتمعات، التي لم يسجل في تاريخها أي حوادث لها أسباب مذهبية أو طائفية.

ومع هذا، وحسب متابعين، يبقى الحفاظ على هذا الطابع وعلى حالة السلم المجتمعي أحد التحديات التي تواجه الدولة العمانية، خصوصا مع رغبة بعض الأنظمة المجاورة اختراق ذلك التماسك المجتمعي وتفجير حالة من الصراع المذهبي بشكل يسهم في خلق فراغات يمكنها من التحرك من خلالها، وصولا إلى التأثير على نظام الحكم.

الخطاب الإعلامي

يمكن للمؤسسات الإعلامية التقليدية أو الجديدة على وسائل التواصل الاجتماعي أن تخلق حالة الصدام المذهبي، وتقوض فرص التعايش بين أبناء المذاهب، كما هو حاصل في عدة بلدان عربية، حيث يمكن لأي فرد استعراض عشرات القنوات الفضائية في بلد واحد، وفرزها على أسس طائفية مذهبية، وكلها تؤدي دورها في الاستقطاب الطائفي وزيادة الاحتقان المذهبي بين أبناء الولد الواحد.

في هذا السياق، يجدر الإشارة إلى أن القنوات الشيعية، على سبيل المثال، بلغت حتى مطلع 2017 أكثر من 250 قناة، منها 53 قناة عراقية، وكانت جميعها تقوم بدورها في الاستقطاب، والهجوم على المذاهب الأخرى، وهو الأمر الذي انعكس على فرص التعايش والتسامح بين أبناء البلد الواحد.

غير أن القانون العماني اتخذ إجراءات على عدة مستويات، في هذا الصدد أسهمت بضبط دور المؤسسة الإعلامية، ووظفتها لصالح قيم التعايش، فمنع تأسيس أي قناة تقوم على أساس طائفي، وحظر أي خطاب يروج للطائفية من أي قناة تلفزيونية أو أي وسيلة إعلامية أخرى، وأتاح لأبناء البلد من جميع المذاهب التعبير عن أنفسهم شريطة أن يسهم خطابهم في تكريس حالة السلم والتعايش، ويعزز الانتماء للدولة الواحدة.

لهذا غاب الخطاب المذهبي والطائفي من القنوات الإعلامية العمانية، ومن الوسائل الأخرى، وتم توظيف الخطاب الإعلامي في منع الصدام المذهبي، ما أثر إيجابا في حالة التوائم بين أبناء المذاهب المتنوعة في المدن العمانية.