المخابرات العامة والحربية في مصر.. من يمسك بالخيوط؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يحظ عمل في تاريخ الدراما المصرية على حجم الدعاية والتقدير الذي حصل عليه مسلسل "رأفت الهجان" الذي بدأ عرضه في أبريل/ نيسان 1988، على مدار ثلاثة أجزاء، مستوحاة من قصة الجاسوس المصري "رفعت علي سليمان الجمال" الذي تم زرعه داخل إسرائيل لصالح المخابرات المصرية.

ففي ملحمة وطنية كانت الأشد أثرا في وجدان الشعب المصري والعربي؛ ربما لأسباب تتجاوز فنون الدراما والرواية هي أقرب للنظرية السوسيولوجية المعاصرة، وتحديدا السياق الاجتماعي لعالم الاجتماع "إميل دوركايم" الذي أكد أن الموضوعات لا تشتق من خصائص أساسية، وإنما من كونها رموزا لإظهار جمعية المجتمع.

وهو ما حدث في الارتباط الشرطي بين المصريين والمخابرات، من حيث التصورات الإيجابية والرمزية الوطنية، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وقلبت الموازين وغيرت الكثير من المعتقدات فيما يخص شكل الدولة وطبيعة الأجهزة الأمنية، وبرزت الصراعات الداخلية، وحروب الظل بين تلك المؤسسات وتحديدا المخابرات العامة والمخابرات الحربية.

في 28 يونيو/حزيران 2018، تجلى الحدث الأبرز في تاريخ الصراع، بعدما كلف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رجله المقرب ومدير مكتبه وذراعه اليمنى اللواء عباس كامل بإدارة جهاز المخابرات العامة، خلفا للواء خالد فوزي الذي أطيح به في ظروف غامضة قبل أشهر قليلة.

جاءت هذه الخطوة كعامل حاسم في محاولات السيسي الحثيثة للسيطرة الكاملة على جهاز المخابرات العامة، الذي يمثل مسارا مختلفا للإدارة المشكلة في هيكل المجلس العسكري بعد ثورة يناير، والتي ورثها السيسي الذي كان مديرا لجهاز المخابرات الحربية في ذلك الوقت، وامتلك الخيوط والأدوات التي مكنته من الوصول إلى المدى الأبعد في المعركة، وقد أحكم قبضته على الأمور بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، ووصوله إلى سدة الحكم في يونيو/حزيران 2014، ما جعله يتمم خطط إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وتشكيلها حسب العهد الجديد.

فبدأت الجهود الحركية المستمرة التي رمت إلى إضعاف قدرة المخابرات العامة كجهاز منافس، عبر مد أمد الصراع وانتزاع عناصر الخبرة، وإحلال عناصر أخرى أكثر ولاءً وطواعية للنظام.

إزاحة عمر سليمان

لا شك أن إزاحة رجل بحجم اللواء عمر سليمان من المشهد كانت على رأس أولوية الجناح العسكري، فسليمان كان بمثابة الركن الشديد الذي يقوم عليه جهاز المخابرات العامة، فخلال العشر سنوات الأخيرة من حكم مبارك، توسع نفوذ اللواء سليمان على الصعيد الداخلي والخارجي، وأمسك في يديه ملفات بالغة الحساسية.

ومع اندلاع ثورة 25 يناير، وزحزحة مبارك وعائلته عن العرش، تم النظر إلى عمر سليمان كوريث محتمل للحكم، وبرز في المشهد متحكما في زمام الأمور، فهو الذي رأس الاجتماعات مع فصائل المعارضة ونشطاء الميدان ممثلا عن النظام، وهو الذي ألقى بيان التنحي للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في 11 فبراير 2011، وهو ما أدى إلى نشوب الصراع إثر تململ المجلس العسكري، وتحديدا المشير طنطاوي ومن خلفه عبد الفتاح السيسي مدير جهاز المخابرات الحربية في ذلك الوقت.

سيرورة المعركة الأكبر والأخطر داخل سراديب الدولة ابتدأت سريعا، ووصلت إلى حرب تكسير عظام شاملة استبيحت فيها كل المحرمات من أجل حسمها، وهو ما تجلى في وفاة عمر سليمان الغامضة التي تضاربت فيها الروايات، وقد تحدث سليمان نفسه من قبل عن محاولة اغتياله في حوار أجراه بتاريخ 15 أبريل/ نيسان 2012 مع صحيفة اليوم السابع الموالية للنظام عندما صرح قائلا: "أبلغت الرئاسة أنني سأتحرك في سيارة x5 فتعرضت السيارة لإطلاق النار، واستشهد سائقها بينما كنت أنا في سيارة أخرى مصفحة".

عضد هذا الحوار الذي أجراه وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبو الغيط مع قناة روسيا اليوم بتاريخ 22 فبراير/ شباط 2014، عندما أكد أن اللواء عمر سليمان تعرض للعديد من محاولات الاغتيال، وأن جهة رسمية أطلقت النار عليه، ونوه بوجود شخصية كبيرة في المجلس العسكري قامت بتبرير الحادث، مؤكدا أن التاريخ كفيل بكشف الحقيقة.

ووصلت ذروة الصدام في أواخر حياة عمر سليمان عندما قام بترشيح نفسه في أبريل/ نيسان 2012 لانتخابات رئاسة الجمهورية بشكل مفاجيء، واستطاع بسرعة فائقة أن يجمع عددا كبيرا من التوكيلات من سائر محافظات القطر المصري، ولكن الجهة المقابلة الممثلة في المجلس العسكري قامت بردة فعل سريعة ونجحت في إقصائه؛ بحجة عدم استكماله للتوكيلات في إحدى المحافظات، وهو الأمر الذي لم يكن منطقيا، وتبقى النتيجة واحدة، أن عمر سليمان خارج انتخابات الرئاسة، وفكرة وجوده على رأس الحكم أصبحت مستبعدة تماما.

وفي 19 يوليو/ تموز 2012 أعلنت وفاة اللواء عمر سليمان إثر إصابته بمرض خطير داخل مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هذه هي الرواية الرسمية لملابسات وفاته، ولكن تواترت الروايات من جهات مختلفة تخالف هذه الرواية، ولعل أشهرها تلك المتعلقة بمقتله في تفجير خلية الأزمة داخل العاصمة السورية دمشق، وهو التفجير المزامن لوفاة الرجل، والذي راح ضحيته عدد من رجال المخابرات للعديد من الأنظمة الإقليمية والعالمية.

وقد أكد هذه الرواية اللواء محمود زاهر الخبير العسكري الذي سبق وخدم مع عمر سليمان، عندما صرح في معرض حديثه مع قناة LTC الفضائية المصرية بتاريخ 9 يونيو/ حزيران 2018، بأن اللواء سليمان قتل في سوريا في مركز المخابرات.

وكان عمر سليمان بمثابة عمود الخيمة القائم عليه جهاز المخابرات العامة، فلم يتسن لرجل غيره كل هذا النفوذ في دولاب الدولة، بداية من كونه الصندوق الأسود الشاهد على الرئيس المخلوع حسني مبارك، والمطلع على أبرز الملفات الداخلية والخارجية للدولة، إضافة إلى علاقاته الواسعة بالقوى الخارجية التي كانت تراه بديلا مناسبا لمبارك.

وجاء موته أو التخلص منه كمرحلة فارقة في ملف الصراع، وبه أصبح الطريق ممهدا لإحكام السيطرة على جهاز المخابرات العامة، وإعادة هيكلته.

مرحلة مرسي

شهدت مرحلة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، توافقا مؤقتا، وهدنة بين جهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية، حيث كان التخلص من الرئيس وإزالة عقبة الإخوان المسلمين من الحكم هي الأولوية القصوى، ومع ذلك كانت الضربات مستمرة.

العديد من التقارير أشارت إلى أن مرسي تخلص من اللواء مراد موافي مدير جهاز المخابرات العامة، والرجل المقرب من عمر سليمان، بإيعاز من عبد الفتاح السيسي الذي كان يحوز ثقة الرئيس في ذلك الوقت، وبالفعل تمت إقالة موافي في أغسطس/ آب 2012، عقب حادثة مقتل الجنود المصريين في رفح.

ضربات متتالية

كسر الهدنة في أعقاب الانقلاب العسكري بين الأجهزة الأمنية كان سريعا، ففي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قراره الذي نشرته الصحيفة الرسمية بإحالة 10 من وكلاء جهاز المخابرات العامة إلى التقاعد، وكان معروفا أن عدلي منصور مجرد شكل، وأن المتحكم الحقيقي هو السيسي قادة المجلس العسكري من خلفه.

ولكن السمة المميزة لهذا القرار في ذلك التوقيت هو البعد التطهيري اللافت، فالأسماء الواردة كانت مسؤولة عن القطاعات الجغرافية والمهام النوعية للجهاز، وكانت من الحرس القديم التابع للراحل عمر سليمان وخليفتيه مراد موافي، ومحمد رأفت الشحات.

وبعد وصول السيسي إلى منصب رئاسة النظام الانقلابي، في 18 يونيو/ حزيران 2015، نشرت الجريدة الرسمية قراره بإحالة 11 من وكلاء جهاز المخابرات العامة إلى المعاش، وهو القرار الذي يمثل مع سابقه مذبحة حقيقية في الصف الأول من الجهاز، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل توالت الضربات تباعا حيث أصدر السيسي حزمة قرارات في يوليو/ تموز 2015، بنقل عدد من العاملين في جهاز المخابرات العامة إلى عدد من الوزارات والهيئات الأخرى، وتم توزيعهم على وزارات "الكهرباء والطاقة" و"الاستثمار" و"المالية" و"الزراعة واستصلاح الأراضي".

وبعدها نشرت مجلة "إنتليجينس أون لاين" الفرنسية تقريرها عن طبيعة الصراع بين الرئاسة وجهاز المخابرات العامة، وأشارت إلى القرار الأخير تحديدا، حيث إن القرارات  الوظيفية المتعلقة بالكوادر والدرجات لا تتطلب قانونا يصدر من رئيس الجمهورية، ويكفي قرار داخلي من رئيس المخابرات العامة، ولكن حرص السيسي على إخراج القانون بهذه الصيغة يوحي باختلاف الرؤى والخلاف القائم بين الجهازين.

ومنذ يونيو/ حزيران 2018، وحتى أبريل/ نيسان 2018 اتخذ السيسي 9 قرارات مصيرية تخص جهاز المخابرات العامة، توزعت ما بين الإطاحة بـ 114 مسؤولا بالجهاز، وتعيين آخرين.

كشف المستور

في 17 سبتمبر/ أيلول 2014، قال اللواء ثروت جودة وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، والرجل المقرب بشدة من اللواء عمر سليمان، في حوار صادم لصحيفة الوطن المصرية: "قلت للواء رأفت شحاتة انسَ القسم الذي حلفته أمام مرسي"، في إشارة منه إلى تواطؤ الجهاز أثناء فترة حكم الرئيس المنتخب، وعدم القيام بوظيفته في تقديم المعلومات الصحيحة إلى القيادة السياسية.

ولكن أخطر ما قاله بين سطور ذلك الحوار هو تصريحه بأن المشير طنطاوي لم يكن يريد عمر سليمان، أو أحمد شفيق رؤساء لمصر بأي حال من الأحوال لوجود "حزازيات بينهما".

وكان قبلها في 15 يونيو/ حزيران 2013، قد كشف في لقاء مع جريدة أخبار اليوم الرسمية، عن خلافات بين اللواء عمر سليمان بصفته نائبا لرئيس الجمهورية خلال فترة ثورة يناير، ورئيسا لجهاز المخابرات العامة، وبين المجلس العسكري الذي تولى زمام الأمور خلفا لمبارك.

وقال جودة: "إن المخابرات العامة نحّت عمر سليمان عن آلية اتخاذ القرار" وكانت هذه بمثابة الضربة الأولى الموجعة لسليمان، أما ما أسماها جودة بـ "الخبطة الثانية"، تمثلت في مشهد استبعاده من الانتخابات الرئاسية عام 2012، بعدما جمع التوكيلات المطلوبة، واصفا تلك العملية بالغادرة من قبل المشير طنطاوي والمجلس العسكري، وقال نصا: "الغدر اللي تم به كان لازم يهد أجدع جبل".

دفع جودة ثمن تلك التصريحات فادحا، بعدما حكمت المحكمة العسكرية بمعاقبته في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بالحبس سنة وغرامة 500 جنيه، بتهمة إفشاء أسرار عسكرية متعلقة بالأمن القومي تضر بمصلحة البلاد.

وتعرض إلى هجوم من الأذرع الإعلامية للنظام، على رأسها الإعلامي أحمد موسى، الذي شن عليه حملة شرسة في برنامجه على قناة صدى البلد؛ ليختفي تماما عن المشهد منذ ذلك الحين.

حروب الظل تقفز للعلن

في الكثير من الأحيان لم تقف الصراعات بين المخابرات العامة، والمخابرات الحربية على دائرة الظل المغلقة، بل ظهرت إلى العلن في عدد من المواقف، منها التسريبات التي أذاعتها قناة مكملين الفضائية المعارضة، في فبراير/ شباط 2015، عندما قال عباس كامل نصا: "العامة (المخابرات) إيدك منها والأرض" وهو تعبير في اللهجة المصرية يعني أنه لا فائدة من ورائها، ولا خير يرجى منها.

وجاء تسريب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في يناير/ كانون الثاني 2018، الخاص بحديث ضابط المخابرات الحربية مع عدد من الأذرع الإعلامية، حيث قام بتوجيه مجموعة من الألفاظ النابية إلى ضباط من المخابرات العامة بسبب دعمهم ترشح شفيق في انتخابات الرئاسة، ما كشف عن بعد صدام للفريق المحيط والمؤيد للسيسي؛ بسبب عدم توافق جهاز مؤثر كالمخابرات العامة عليه، ودعم قطاع بداخله للفريق شفيق الذي انسحب بعد ذلك نتيجة ضغوطات من النظام.

نقاط الخلاف

وتتبلور نقاط الخلاف حول العديد من الملفات الشائكة، فعلى المستوى الداخلي، إدارة الملفات الخاصة بمؤسسات الدولة والهيئات المستقلة والوزارات، إضافة إلى الأجهزة الأمنية كالشرطة والأمن الوطني، وكذلك العلاقة بين النظام والمعارضة، وتحديدا المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين.

وعلى المستوى الخارجي التعاون مع القوى الإقليمية كالسعودية والإمارات، وملف المصالحة الفلسطينية وقطاع غزة، تلك التشابكات ومحاولات فرض النفوذ وسّعت من الفجوة بين الجهازين، وساهمت في احتدام النزاع وفرض القوة والهيمنة من الجانب الأكثر قوة، وهو المخابرات الحربية الذي تميل إليه الكفة؛ بسبب امتلاك الأدوات من حيث العدد والعتاد العسكري.

الإطاحة بفوزي

في مطلع يناير/ كانون الثاني 2018، أصدر السيسي قراره بإقالة اللواء خالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة، في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، تمحورت جدليتها بأن أسباب الإقالة ظلت مبهمة، ولم يتم الإعلان عن معطياتها.

لكن العديد من التقارير أشارت إلى الاتصالات التي حدثت بين ضباط ووكلاء في جهاز المخابرات العامة بالفريق سامي عنان، ثم الفريق شفيق كبدلاء عن السيسي، وهو ما يمثل تهديدا مخيفا لإدارة السيسي، القلقة والمتشككة في ولاءات الجهاز له، وأن شبح عمر سليمان سيظل باقيا داخل جدران المؤسسة الأمنية الرفيعة.

غضبة السيسي

وتزامنا مع ارتفاع وتيرة الأحداث، كانت نبرة السيسي تتغير إلى الغضب والعنف بشكل ملحوظ، وهو ما حدث خلال كلمته أثناء افتتاحه مجموعة من المشروعات بتاريخ 31 يناير/ كانون الثاني 2018، عندما قال غاضبا: "اللي حصل من 7 سنين مش هيتكرر تاني!" في إشارة إلى اندلاع ثورة يناير.

ثم عقب بحدة: "قبل ما حد يفكر يلعب في أمنك يا مصر لازم أكون مت أنا الأول، انتوا باين عليكوا متعرفونيش صحيح"، ثم هدد صراحة بقوله: "انا مش سياسي، ولو استدعى الأمر هقول للمصريين انزلوا تاني ادوني تفويض" في إشارة إلى التفويض السابق في بوليو/ تموز 2013 في أعقاب الانقلاب العسكري الذي ترتبت عليه مجموعة من المذابح الدموية في حق المعتصمين السلميين.

لكن المفارقة أن تصريحاته الأخيرة جاءت في ظل عدم وجود معارضة تذكر له، إلا وجود شفيق وعنان، ومحاولتهما الترشح للرئاسة، لكن يبدو أن تعاون عناصر من جهاز المخابرات العامة معهم، وامتعاضهم من سياسته، أغضبته بشدة وأشعرته بمؤامرة تحوم حوله.

مفتاح الكرار

الإطاحة بخالد فوزي، ووضع عباس كامل على رأس الجهاز، مثّل ضربة مفصلية للمخابرات العامة، فكامل الرجل الأقرب إلى السيسي، الذي كان ينتقد عمل المخابرات العامة، وفوق كل هذا جاء بخلفية مهنية طويلة من الخدمة في جهاز المخابرات الحربية، حيث وصل إلى رئاسة فرع الملحقين الحربيين في المخابرات الحربية.

فوجوده كرئيس لجهاز المخابرات العامة، يعني التوجه نحو حسم ذلك الصراع بدرجة كبيرة، وإعادة تشكيل الجهاز في المرحلة الثانية من رئاسة عبد الفتاح السيسي، وقد بدأ كامل ولايته بتجميد 7 من أبرز قيادات الجهاز الذين كانوا مقربين من اللواء المقال خالد فوزي.

ما بعد النهاية

لا شك أن سبر أغوار حروب الظل بين المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، يتفتق عنه إدراك حجم التخبط داخل مؤسسات الدولة، مع الشرخ الذي حدث عبر عقود طويلة، وما زال صداه حادثا ومؤثرا، خاصة ذلك التداخل الذي دفعت ثمنه الدولة على الصعيد الداخلي والخارجي، تحديدا عندما أخفق النظام في إدارة العديد من الملفات الحيوية، مثل ملف سد النهضة الإثيوبي، والعلاقات مع السودان وليبيا، بالإضافة إلى ملف الإرهاب في سيناء.

ورغم أن المرحلة الأخيرة شهدت نوعا من الهيمنة من قبل المخابرات الحربية، ومؤسسة الرئاسة على جهاز المخابرات العامة، بهدف ترويضه لينصاع بتبعية كاملة إلى تلك المؤسسات، لكن لا يمكن اختزال كينونة الصراع في تلك التطورات الأخيرة، وتجاهل ذاتيته التي تجعل من استمراريته أمرا واقعا.

فلا يمكن إغفال عمل جهاز المخابرات العامة لعقود طويلة في دولاب الدولة، وإدارة الملفات الشائكة والحساسة، وامتلاكه لعناصر الخبرة المتمرسة وعلى الدراية الكاملة بأبعاد مستقبل الدولة، ويصعب الاستغناء عنها بهذه الطريقة الإقصائية الفجة، لتبرز جدليات تحمل توقعات مغايرة لما آلت إليه الأوضاع الحالية.


المصادر