قنوات المعارضة بالخارج.. لماذا أفزعت إعلام السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تتصاعد حالة الهجوم اللاذع، والتخوين، والتحريض على القتل، التي يستخدمها إعلاميو عبدالفتاح السيسي، المروجين لنظام حكمه في مصر، في حملة ممنهجة لتشويه إعلام وقنوات المعارضة في الخارج.

هجوم شرس تتبناه الأذرع الإعلامية التي تقودها شبكة من جهاز المخابرات العامة والحربية عبر جرائدها القومية وبرامج التوك شو في القنوات المؤيدة للنظام، قبل أيام من حلول الذكرى التاسعة للثورة، وفي ظل إستراتيجية جديدة يتبناها إعلام السيسي، بعد حراك 20 سبتمبر/ أيلول 2019.

تحريضات القتل

الإعلامي والصحفي محمد الباز، خصص برنامجه "90 دقيقة" على فضائية المحور المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، لمهاجمة قنوات المعارضة، كما سخر أيضا الباز جريدة الدستور، التي يرأس مجلس إدارتها وتحريرها في نفس الوقت، لذات الغرض.

في حلقة 20 يناير/ كانون الثاني 2020، قدم الباز حلقة بعنوان "كشف الفضائح"، تحدث فيها عما أطلق عليه "فضائح جنسية، وزواج عرفي"، لم تخرج الحلقة عن سياق الخوض في الأعراض دون أدلة أو وثائق أو أحكام إدانة قضائية.

سبق للباز أن حرض مباشرة على قتل الإعلاميين المعارضين في الخارج، في حلقة برنامج "90 دقيقة" يوم 12 سبتمبر/ أيلول 2018، قائلا: "لو في حد مصري يطول معتز مطر أو أيمن نور أو محمد ناصر يقتلهم، ولو هاتقول لي أنت بتحرض على القتل، آه باحرض على القتل، وإذا أتيح لأحد أن يقتلهم فليفعل". 

 

ويسير على نفس الوتيرة الإعلامي، المثير للجدل، أحمد موسى، والذي يتخذ من قناة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، منبرا لشن هجماته على المعارضة وقنواتها في الخارج.

في 20 يناير/ كانون الثاني 2020، شن هجوما لاذعا على هذه القنوات، وهاجم ثورة 25 يناير بشكل خاص، قائلا: "يوم 25 يناير القادم، بنحتفل بعيد الشرطة المجيد، وهو عيد لكل بطل من رجال الشرطة، ولكن 25 يناير 2011، ضيعت البلد، بيزعلوا أوي من الكلام ده، ومن أظهرتهم 25 يناير بيخونوا مصر".

ولموسى تحديدا، تاريخ إعلامي أسود من التحريض والفتنة والخوض في الدماء والأعراض، بداية من التحريض المباشر على القتل، كما فعل في مباراة مصر والجزائر الشهيرة في أم درمان، خلال تصفيات كأس العالم المؤهلة لجنوب إفريقيا 2010، مرورا بالتحريض على المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي 11 أبريل/ نيسان 2017، أطلق موسى حملة "بلغ عن جارك"، وقال حينها في برنامجه: "حان الوقت أن نأخذ القرار ونبلغ عن أي إخواني في مؤسسات الدولة أو في أي مكان، عشان نساعد البلد، عندك إخواني بلغ عنه، لأن ده مهم، من أجل تطهير البلد ومؤسساتها".

لغة الكراهية 

في 21 يناير/ كانون الثاني 2020، أفرد الإعلامي نشأت الديهي حلقة في برنامجه "بالورقة والقلم" على قناة "TeN" الفضائية، المملوكة للإمارات لمهاجمة إعلام المعارضة، وما أسماه "فضح رواتب العاملين بتلك القنوات"، في إطار حملة ممنهجة ومنظمة، من أذرع إعلام السيسي.

وسبق للديهي أن هاجم ثورة يناير في برنامجه قائلا: "في 25 يناير بنحتفل بعيد الشرطة، و25 يناير هي عيد الشرطة (قولتها مرتين تلاتة)، وثورة يناير، كانت خطة للإيقاع بالناس الطيبة والحالمة، وهي حركة تم امتطاؤها، وكانت هناك تدريبات لهؤلاء الثوار في صربيا وكرواتيا وبريطانيا للإيقاع بالسلطة". 

في 18 يناير/ كانون الثاني 2020، قدم الإعلامي عمرو أديب، حلقة من برنامجه "الحكاية"، على قناة "MBC مصر"، المملوكة لرجل الأعمال السعودي وليد الإبراهيم، تحدث خلالها عن "التمويلات الخاصة بقنوات المعارضة بالخارج.

أديب شن حملة تخوين ضد المعارضين بالخارج، متغافلا التمويلات الخليجية لإعلام السيسي، بل تغافل أديب المرتب الخيالي الذي يتقاضاه هو نفسه من السعوديين من أجل تنفيذ أجندتهم المشبوهة في المنطقة.

في 7 سبتمبر/ أيلول 2018، قال مازن حايك، المتحدث الرسمي لمجموعة قنوات "MBC": "مقدم البرامج عمرو أديب أصبح الإعلامي الأعلى أجرا في الوطن العربي بعد انضمامه للمجموعة".

كما نشر مستشار الديوان الملكي ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في المملكة العربية السعودية، تركي آل الشيخ، مقطع فيديو على فيسبوك، بصفته راعيا للاتفاق، وواصفا أديب بـ"لاري كينغ العرب".

الملايين تابعوا مقطع الفيديو الخاص بأديب وآل الشيخ، وطريقة تعامل الأخير مع أديب، عندما "ضرب" على كتفه بقوة، قائلا: "يلا اللي بعده"، ما اعتبره البعض إهانة بالغة لأديب وقف تجاهها صامتا.

هذا الصمت فسره البعض بأنه أمر طبيعي في ظل ما يتقاضاه أديب من ملايين الدولارات، وهو ما كشفت عنه صحيفة "المدن" اللبنانية، قائلة: "بلغت قيمة التعاقد 3 مليون دولار سنويا، بخلاف 500 ألف دولار مزايا أخرى تتعلق بالإعلانات والمكافآت".

برنامج "مقالب"

"اليوم السابع" إحدى أبرز الصحف الداعمة للسيسي، تخطت أطر المهنية، وخصصت أحد موظفيها يدعى محمد فتحي عبد الغفار، لخوض ما يطلقون عليه "مغامرة صحفية"، حيث ينزل خلالها إلى الشارع في بعض المناطق الشعبية على أنه مذيع في إحدى قنوات المعارضة.

المذيع يطلب من المواطنين ترديد كلمات ضد النظام أو مؤيدة لتركيا أو قطر، وذلك في إطار ما يعرف بـ "المقلب"، أو الخدعة، وتتصاعد وتيرة الأحداث عندما يتم تصوير القائم بالمقلب، وهو يتعرض للضرب من قبل المواطنين، ليدللوا بذلك على مدى الرفض الشعبي للخطاب الذي تتبناه قنوات المعارضة.

حالة هلع

في 31 يوليو/ تموز 2019، كشف موقع "الجزيرة نت" حصوله على وثائق وتقارير إعلامية يصدرها مركز الإعلام العسكري في إدارة الشؤون المعنوية بوزارة الدفاع.

كشفت التقارير التي يعود تاريخها إلى الفترة بين عامي 2016 و2017، استخدام الجيش، وتحديدا الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، وسائل إعلامية لمتابعة اتجاهات الرأي العام وأداء القنوات المؤيدة والمعارضة. 

كما يقر الجيش في بعض القضايا بتمكن وسائل إعلام المعارضة من التأثير على الرأي العام وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، ويقترح مجموعة وسائل لمواجهة ذلك التفوق.

وتزايد قلق نظام السيسي، بعد فشل الأذرع الإعلامية في مواجهة دعوات احتجاج 20 سبتمبر/ أيلول 2019، حيث حاول جاهدا دون جدوى احتواء آثار مقاطع الفيديو التي نشرها محمد علي بشهادته على فساد الرئاسة والجيش في مصر، وإهدار مليارات الجنيهات على مشروعات قومية وهمية وأخرى خاصة برفاهية السيسي وأسرته، وتحديدا بناء القصور الرئاسية، مرورا بدفن والدته بمقابر الجيش بعد إنفاق أكثر من مليونين و300 ألف جنيه.

الشلل الذي أصاب الواجهات الإعلامية لنظام السيسي، استدعى السلطة إلى توسيع قاعدة المواجهة، معتمدة على قطاع من الفنانين الذين مثلوا القوة الناعمة المستخدمة في الأوقات الحرجة. 

الوعي الشعبي

الإعلامي المصري طارق محمد، قال لـ"الاستقلال": "ما يحدث من قبل إعلام السيسي، ليس بجديد، بل هو نهج متبع منذ ثورة 25 يناير، وساهمت موجة إعلام الفلول في وأد الثورة ومكتسباتها، وهم الآن يخوضون معركة بقاء، ليس لأنهم داعمين للنظام، بل لكونهم جزءا منه، ومن منظومة الفساد والاستبداد الشاملة في الدولة". 

الصحفي المصري أضاف: "الهجوم الشرس، والتحريض الفج الذي يصل لدرجة القتل، ضد الإعلاميين المعارضين والقنوات في الخارج، نابع من تأثير الأخيرة في الوعي الشعبي، رغم إمكانياتها المحدودة، وذلك لأن النظام قمع جميع الأصوات، وحاول احتكار المعلومة والحقيقة، في عصر القنوات المفتوحة، فترك الشعب ذلك الكذب، وحاولوا أن يعددوا من مصادر المعرفة، والوصول إلى الحقيقة كطبيعة بشرية". 

وأردف طارق: "خلال الأشهر القريبة الماضية، وتحديدا منذ حراك 20 سبتمبر، وظهور محمد علي، لعب الإعلام المعارض، دورا محوريا في عدد من الملفات، على رأسها فساد عائلة السيسي، بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه نجله محمود، في إدارة عدد من الملفات المفصلية داخل الدولة، وهو الدور الذي كان يحرص السيسي على إخفائه، بالإضافة إلى تورط زوجته في الإنفاق الباهظ في تجهيزات القصور الرئاسية، كل تلك الأمور أزعجت السيسي، وهددت نظامه، وجعلته يقدم على تغيير إستراتيجية المواجهة". 

وفي 14 أغسطس/ آب 2019، نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، تقريرا تحت عنوان "مصر: المخابرات ترتب لتغييرات واسعة في الإعلام"، وذكرت أن هناك "حركة تنقلات وتغييرات ينتظر أن تشهدها وسائل الإعلام المصرية تدريجيا خلال الفترة المقبلة، ضمن مساعي جهاز المخابرات العامة إلى تنفيذ توجيهات الجنرال في مجال المضامين المقدمة فنيا وإعلاميا".

التقرير أرجع تلك الإستراتيجية المتبعة إلى أن "السيسي لم يعد قادرا على تقبّل ولو القليل من النقد، بل يريد أن يشاهد الإعلام الذي يتمناه إعلاما داعما للدولة لا يعارض ولا يناقش، ويكتفي بتأييد كل ما يقال دون شرح التفاصيل أو السؤال عن أمور قد تبدو مثار جدل".