تحركات سعودية مصرية متزامنة في البحر الأحمر.. لماذا الآن؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجأة ودون سابق إنذار، أعلنت السعودية انطلاق "مجلس الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن"، والتوقيع على ميثاق التأسيس، وتزامن ذلك مع افتتاح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بمعية ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد قاعدة "برنيس" العسكرية وهي الأكبر في البحر الأحمر.

التحركات الأخيرة هذه من قبل الرياض والقاهرة، تأتي حسب مراقبين، ردا على تحركات تركية أيضا في البحر الأحمر، والحد من أنشطتها الاقتصادية في دول القرن الإفريقي، بينما يبقى المجال واسعا أمام إسرائيل، للتحرك في مياه البحر الأحمر والوجود المشروع في المياه الدولية قرب مضيق "تيران".

في 6 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلنت السعودية، انطلاق مجلس الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والتوقيع على ميثاق التأسيس.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في العاصمة الرياض، عقب توقيع ميثاق التأسيس من قبل 8 دول هي: السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن.

وأوضح الوزير السعودي، في المؤتمر الصحفي أن المجلس الذي سيكون مقره في الرياض، "يهدف للتنسيق والتشاور بشأن الممر المائي الحيوي، وحفظ الأمن والاستقرار، ومواجهة الأخطار المحدقة في ظل التحديات المتزايدة في هذه المرحلة الحساسة بالمنطقة"، حد قوله.

جزيرة سواكن

الكاتب والمحلل السياسي السعودي شاهر النهاري صرح لوكالة سبوتنيك الروسية قائلا: "ينطلق المجلس في هذا التوقيت لتزايد الأطماع التركية، التي تحاول استعادة الخلافة العثمانية، واحتلال الدول العربية، بتدخلاتها السياسية والعسكرية في دول عدة، ومن خلال جماعات الإسلام السياسي، مثل جماعة الإخوان، وكذلك الأطماع الإيرانية".

وكانت الاجتماعات التمهيدية التي ناقشت مسودة تأسيس كيان مشترك في ديسمبر/كانون الأول 2018، قد أتت عقب توقيع اتفاقية بين أنقرة والخرطوم تعيد بموجبها تركيا تأهيل جزيرة سواكن التاريخية الواقعة في البحر الأحمر.

وعلى هامش زيارته إلى السودان في ديسمبر/ كانون الأول 2017، تجوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في جزيرة سواكن التاريخية، وتعهد بإعادة بنائها.

وتقع جزيرة "سواكن"، على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان، عند خطي عرض 19.5 درجة شمالا، وطول 37.5 درجة شرقا.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي في الاجتماع: إن الهدف من إنشاء الكيان هو "منع القوى الخارجية من لعب أي دور سلبي بالمنطقة"، في إشارة لتركيا.

ورغم كل تلك القواعد العسكرية المطلة على البحر الأحمر، والمحاذية للأراضي السعودية، إلا أنها لم تكن كافية لإحداث قلق سعودي، ولم تكن سببا كافيا للدعوة لإنشاء مجلس موحد لمواجهة ذلك التهديد، وفق خبراء.

فقط كانت الاتفاقية بإعادة تأهيل جزيرة سواكن السودانية من قبل أنقرة هي من دقت جرس الإنذار السعودي، وخلقت حالة واسعة من الاستنفار ضد التهديد لأمنها القومي خشية ما أسمته "إحياء الخلافة العثمانية"، حسب زعم المحلل السعودي النهاري.

ليس ذلك فحسب، بل إن 16 قاعدة عسكرية أجنبية، تتوزع على دول القرن الإفريقي (جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا، والصومال) وتمتلكها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين وإسبانيا وإسرائيل لم تكن كلها كافية لتشكيل تهديد على أمن دول البحر الأحمر، ولم تستدع إنشاء مجلس موحد لمجابهة ذلك الوجود العسكري، حسب محللين.

وقعت أنقرة عقدا مع الخرطوم لإعادة تأهيل جزيرة سواكن

صراع إقليمي

يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي للاستقلال: "هذا المجلس يعكس أولويات سعودية ذات طابع تكتيكي، يقوم على مبدأ الهيمنة والاستحواذ على المزايا الإستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر والتحكم بها على خلفية صراع النفوذ الإقليمي، حيث تبرز تركيا على وجه الخصوص خصما مرحليا للنظام السعودي والإماراتي والمصري، وهي أنظمة قررت الدخول في مواجهة صفرية مع ثورات الربيع العربي ومن يعتقد أنه يساندها أو يشكل مصدر إلهام لها".

يضيف التميمي: "لا يوجد تشابه أو تجانس بين الدول التي تكون المجلس الجديد، ولن تكون له حوافز اقتصادية، لأن السعودية الغنية تغلق أبوابها في وجه شعوب دول هذا المجلس، وفي المقابل تمارس ابتزازا لأنظمتها مستغلة حاجة هذه الحكومات للمال لمواجهة الظروف المعيشية البائسة".

يتابع التميمي: "السعودية لن تنجح في إغلاق هذه المنطقة والاحتفاظ بمفتاحها، لأن اللاعبين الإقليميين والدوليين لن يقبلوا بذلك، خصوصا وأن لبعض هؤلاء اللاعبين قدرة على خلق مصالح مشتركة وتأسيس نماذج ناجحة للتعاون والشراكة والعطاء اللامحدود".

قاعدة مصرية

تزامن إنشاء "مجلس دول البحر الأحمر" مع افتتاح السيسي بمعية ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد قاعدة "برنيس" العسكرية وهي الأكبر في البحر الأحمر، في 15 يناير/كانون الثاني 2019، بالقرب من الحدود الدولية الجنوبية شرقي مدينة أسوان.

وحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية، فإن الهدف من إنشاء القاعدة يتمثل في مواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر، وتأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة من البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها.

وكتب محمد بن زايد تغريدة على تويتر قائلا: "سعدت برفقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حضور افتتاح قاعدة برنيس العسكرية ومطارها المدني.. إنجازات نوعية تعكس رؤية مصر الطموحة لآفاق تنموية شاملة، تعزز دورها المحوري في منظومة الأمن العربي والاستقرار الإقليمي".

القناة الـ"12" الإسرائيلية صرحت بعدها مباشرة بأن قاعدة "برنيس" العسكرية المصرية على ساحل البحر الأحمر، ستسهم في حماية أمن "إسرائيل".

ووصف محلل الشؤون العربية للقناة العبرية، إيهود يعاري، افتتاح السيسي للقاعدة عند شواطئ البحر الأحمر، بـ"الحدث التاريخي" إلى جانب بدء ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر.

وقال يعاري: "لدى إسرائيل وجود محدود للغاية في تلك المنطقة الحساسة، وتوسيع الوجود المصري هناك من شأنه أن يساعد أيضا في الحفاظ على أمن السفن من وإلى إسرائيل".

وتهدف القاعدة العسكرية المصرية، بحسب يعاري، إلى تأمين السيطرة الإستراتيجية المصرية على طرق الملاحة من مضيق باب المندب حتى قناة السويس.


"تيران وصنافير"

تعاملت السعودية وحلفاؤها مع التحركات التركية، كما لو كانت تشكل تهديدا بالغ الخطورة، يتطلب تحركا عاجلا، وفي المقابل فتحت الباب على مصراعيه أمام التحركات الإسرائيلية في البحر الأحمر، بل عملت على تعزيز الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر وشرعنته، وذلك من خلال اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر".

الاتفاقية قضت بأحقية السعودية وملكيتها لجزيرتي "تيران وصنافير"، ما يعني انتقال المياه في المضيق من الصفة "الإقليمية" المصرية، إلى الصفة" الدولية" وهو الأمر الذي حرم مصر من بسط سيادتها على المضيق، وعرض الأمن القومي العربي للخطر.

الوضع الجديد فتح المجال أمام إسرائيل للتحرك والوجود المشروع في البحر الأحمر، وفي مضيق تيران، الواقع بين مصر والسعودية، دون أن يكون لأحد القدرة على منع ذلك التحرك، ما يعد انتصارا لإسرائيل في المقام الأول، لأنه منح الأخيرة مزايا أكثر ما منح السعودية.

رموز سياسية وعسكرية مصرية حذرت من خطورة نتائج تلك الاتفاقية التي وقعها السيسي مع الملك سلمان في أبريل/نيسان 2016، وأقرها مجلس النواب المصري في في 14 يونيو/حزيران 2017، واتهمت السيسي بالخيانة العظمى، لتنازله عن الجزيرتين.

أحمد شفيق أحد رموز نظام مبارك والمدعوم إماراتيا، هو أحد القادة العسكريين الذين اتهموا السيسي بـ"الخيانة العظمى"، قائلا: "التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير يهدف إلى تحويل المياه في المضيق من مياه إقليمية بسيادة مصرية، إلى مياه دولية، ليس لمصر سيادة عليها".

وأضاف شفيق في تصريحات تليفزيونية إن لديه معلومات، بحكم عمله كقائد للقوات الجوية ورئيس وزراء سابق، أن إسرائيل بصدد عمل مشروع يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وإن تنفيذ هذا المشروع يتوقف على تحويل مضيق تيران إلى مياه دولية، لا تكون لمصر سيادة عليها.

ما قاله شفيق هو ما تم بالفعل، حيث انقسمت المياه في المضيق بعد إقرار الاتفاقية، إلى 3 أجزاء، الأولى مياه إقليمية سعودية مساحتها 2 كيلو مترات، ومياه إقليمية مصرية ومساحتها 22 كيلو مترا، والجزء الثالث مياه دولية، لا يمكن لأحد السيطرة عليها أو بسط سيادتها عليها، وتقع في مساحة 4 كيلو مترات.

التقسيم الجديد يعني السماح لإسرائيل بالحركة والملاحة الممتدة من خليج العقبة إلى "إيلات" الإسرائيلية دون القدرة على التدخل من أي دولة، وفتح الباب واسعا أمام إنشاء قناة من النقب حتى البحر الأحمر، بموازاة قناة السويس، وهو الأمر الذي سيشكل الضربة الأقوى لاقتصاد مصر، وفق خبراء.

من جانبه، قال رئيس أركان الجيش السابق الفريق سامي عنان: "لم يعد النقاش الآن حول مصرية تيران وصنافير، فهذا أمر محسوم ولا شك فيه، والمشكوك فيه هو مصرية من يعارضون مصرية الجزيرتين".

وأكد الفريق مجدي حتاتة، رئيس أركان القوات المسلحة وقائد الحرس الجمهوري سابقا، أن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان، وقال: "أبدا لم تكن ولن تكون إلا مصرية.. حقيقة عرفتها كمقاتل، وتأكدت منها كقائد.. تيران وصنافير مصرية".

تتواجد إسرائيل في جنوب البحر الأحمر كما تتواجد في شماله

قواعد إسرائيلية

إسرائيل التي شنت حربا على مصر في 1967 جراء قرار الرئيس السابق جمال عبدالناصر بإغلاق مضيق تيران، أمام حركة الملاحة الإسرائيلية، توجد حاليا بقوة في شمال البحر الأحمر، قرب مضيق تيران.

كما توجد إسرائيل أيضا جنوب البحر الأحمر، قرب مضيق باب المندب، حيث تمكنت من إنشاء قواعد في "رواجيات" و"مكهلاوي" في إريتريا على حدود السودان، كما تمتلك إسرائيل قواعد جوية في جزر حالب وفاطمة عند مضيق باب المندب، وقامت باستئجار جزيرة دهلك حيث أقامت قاعدة بحرية.

في بحث مطول نشرته القوات البرية السعودية للعميد الركن خالد الشيبة، فإن  نصف القوات الجوية الإسرائيلية (449 طائرة قتالية) توجد قرب البحر الأحمر في قواعد النقب، وتقوم هذه القوات بدوريات وطلعات فوق هذا البحر حتى مدخله الجنوبي.

بالإضافة إلى ذلك، توجد قوات فرقة مدرعة إسرائيلية كبيرة في المنطقة العسكرية الجنوبية قريبا من البحر الأحمر، وتعمل في مجالات الاستطلاع والمساحة وتخزين الأسلحة والعمل في البحر بالتعاون مع القوات الأميركية في المنطقة.