بحث علمي: مستقبل خطير ينتظر دول حوض النيل.. هذه الحلول

12

طباعة

مشاركة

وسط بوادر صراع على مياه نهر النيل بين بعض دول حوضه، توقع بحث علمي جديد أن تشهد تلك الدول نوبات حارة وجافة متواترة ومدمرة بحلول نهاية القرن الحالي.

وبحسب البحث الذي نشر ملخصا له في تقرير بموقع مجلة "داون تو إيرث" المتخصصة في شؤون البيئة، ستشهد أعالي الحوض زيادة في هطول الأمطار بحلول نهاية القرن، لكن في المقابل ستصبح النوبات الحارة والجافة المدمرة أكثر تكرارا في أعالي تلك المنطقة، مما يعني تراجع كمية المياه.

وأجرى البحث بشكل مشترك كلا من "إيثان دي كوفيل"، زميل ما بعد الدكتوراة في معهد نيوكوم بكلية دارتموث، و"جوستين مانكين"، الأستاذ المساعد بقسم الجغرافيا بنفس الكلية.

الدول المتضررة

وأضاف التقرير "يحتوي نهر النيل، أطول نهر في العالم ويمر عبر 11 دولة في إفريقيا، على حوض يغطي حوالي 3 ملايين كيلومتر مربع، أي ما يقرب من 10 في المائة من مساحة اليابسة في القارة".

وتابع "يعتمد حوالي 250 مليون شخص في إثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان والسودان ومصر على مياه النيل".

وأردف "تقع معظم الأمطار التي تغذي روافد النيل الرئيسية - النيل الأزرق والأبيض - في أعالي حوض النيل، في جنوب السودان وغرب إثيوبيا وأوغندا. بينما يتلقى أسفل الحوض كمية قليلة جدا من الأمطار، وتعتمد الدول هناك (السودان ومصر) بشكل كبير على النيل للحصول على المياه.

ومضى التقرير يقول: "تشير التوقعات المناخية إلى أنه بحلول نهاية هذا القرن، يمكن أن تزداد كمية الأمطار في أعالي حوض النيل بنسبة تصل إلى 20 %. لكن بحثنا الجديد يوضح أنه على الرغم من زيادة هطول الأمطار، من المتوقع أن تصبح النوبات الحارة والجافة المدمرة أكثر تكرارا في أعالي النيل".

وأشار إلى أن هذه الظروف ستتزامن مع النمو السكاني السريع في المنطقة، والمتوقع أن يتضاعف بحلول منتصف هذا القرن.  وتابع: "سيؤدي ذلك إلى زيادة الإجهاد المائي في المنطقة، بغض النظر عن الزيادات المتواضعة في هطول الأمطار".

ندرة المياه

وأضاف "في الوقت الحالي، يواجه حوالي 10 % من سكان الحوض ندرة مزمنة في المياه بسبب الجفاف الموسمي في المنطقة والتوزيع غير المتساوي للموارد المائية". 

وأردف "وفقا للبحث، بحلول عام 2040، قد يصل عدد الأشخاص الذين يواجهون ندرة المياه إلى 35 %. وهذا يعني وجود أكثر من 80 مليون شخص يعيشون بدون مياه كافية للعمل في حياتهم اليومية".

وشدد التقرير على أن الظروف الحارة والجافة تنذر بسوء الأوضاع، مضيفا: "سوف تتلف هذه الظروف المحاصيل، وتقلل من الطاقة المائية، وتقلص من المياه المتاحة لاستخدامات البشر والصناعة، وتزيد من التوترات بشأن توزيع الموارد المائية الإقليمية". 

وتابع "بحلول عام 2040، يمكن أن يواجه أكثر من 45 % من سكان حوض النيل - ما يقرب من 110 ملايين شخص - ندرة في المياه".

ومضى التقرير يقول: "حتى بدون هذه التطورات، فإن النمو السكاني سيؤدي إلى ندرة المياه في أعالي النيل. ولكن العجز الأكبر في كمية المياه التي تتدفق إلى مجاري الأنهار خلال السنوات الحارة والجافة في المستقبل سوف يضاعف هذا التأثير".

 وسيؤدي ذلك إلى ترك نسبة إضافية تقدر بين 5 إلى 15 % من سكان المستقبل في أعالي النيل يواجهون ندرة المياه في السنوات الحارة والجافة.

التغيرات المناخية

ونوه التقرير بأن هذه التغيرات المناخية والسكانية ستعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادي، وأخيرا الوضع السياسي المعقد بالفعل، حيث تتنافس دول نهر النيل البالغ عددها 11 دولة مع بعضها البعض على مياه النهر. 

وأضاف "إلى جانب اعتماد المنطقة القوي على الزراعة لتحقيق الاكتفاء وعدم الاستقرار السياسي، تواجه المنطقة خطر النقص الحاد في الغذاء والمياه".

وأشار التقرير إلى أن البحث حاول فهم كيف يمكن أن تصبح السنوات الحارة والجافة أكثر تواترا، على الرغم من الزيادة الطفيفة في إجمالي هطول الأمطار.

ومضى يقول: "للقيام بذلك، قمنا بتقييم الاتجاهات المناخية التاريخية في حوض أعالي النيل باستخدام 8 مجموعات من بيانات الرصد. تم تسجيل هذه الأمطار ودرجة الحرارة في حوض أعالي النيل بين عامي 1961 و 2005. كما استخدمنا نماذج المناخ لتقدير كيفية تغير درجة الحرارة وهطول الأمطار على مدى القرن المتبقي".

وبحسب التقرير، تظهر النتائج أن السنوات الحارة والجافة أصبحت أكثر شيوعا على مدار العقود الأربعة الماضية في أعالي النيل، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه. 

وتابع "ستكون هذه الظروف الحارة والجافة مماثلة لتلك التي أدت إلى تلف المحاصيل ونقص الغذاء والأزمات الإنسانية في المنطقة على مدى العقود الماضية".

وبحلول أواخر القرن الحادي والعشرين، قد يرتفع معدل تكرار هذه السنوات الحارة والجافة بين 1.5 و 3 نقطة.

تقديرات علمية

وزاد التقرير "في الماضي، تعرضت تلك الدول لسنوات حارة وجافة مرة واحدة كل 20 عاما تقريبا، ولكن هذه الزيادة المتواترة تعني أن المستقبل قد يشهد نفس الأمر مرة كل 6 إلى 10 سنوات، مما يجعلها تجربة مشتركة للناس في المنطقة".

وتابع "بالإضافة إلى أنها ستصبح أكثر تواترا، فإنها ستكون أكثر حدة. ويمكن أن ترتفع درجات الحرارة أثناء موجات الحرارة في المنطقة بين درجتين مئويتين و6 درجات مئوية، مما يزيد الضغط على الناس والحيوانات والمحاصيل أكثر مما يحدث اليوم".

وأردف التقرير "قدّرنا عدد الأشخاص الذين يواجهون ندرة المياه من خلال مقارنة الجريان السطحي الإجمالي (أي كمية المياه التي تتدفق إلى مجاري النهر) المتاحة للاستهلاك البشري مع كمية المياه التي يحتاجها كل شخص لتلبية احتياجاته الأساسية". 

وتابع "عندما نجري هذه المقارنة، نجد أنه على الرغم من الزيادة الصغيرة المتوقعة في هطول الأمطار، حيث يرتفع عدد السكان وتصبح السنوات الحارة والجافة أكثر تواترا، فإن إجمالي إمدادات المياه سيكون أقل بكثير من اللازم لتلبية احتياجات المنطقة".

وحول السبب في ذلك، قال التقرير: "مثل بقية العالم، تشهد منطقة حوض النيل ارتفاعا في درجة الحرارة بسبب ارتفاع تركيزات الغازات الدفيئة العالمية".

النينو والنينا

وبالرغم من أن هطول الأمطار بزيادة طفيفة في المنطقة قد يغير من الوضع، فإن تواتر السنوات الجافة لن يؤثر في وفرة المياه بشكل كبير.

ومضى التقرير يقول: "مما يضاعف هذا الجفاف الزيادة المتوقعة في التغيرات السنوية في هطول الأمطار، والتي قد تكون ناجمة عن التكثيف المتوقع لدورات النينيو والنينيا. وهذا يخلق تأثيرا على هطول الأمطار في المنطقة، حيث تحدث سنوات رطبة وجافة شديدة في تتابع سريع.

وتعرف ظاهرة النينو، إلى جانب ظاهرة النينا التي يتعرض فيها سطح البحر لدرجات حرارة أبرد من المعتاد في المحيط الهادي الاستوائي، بأنها أنماط الطقس المعقدة الناجمة عن الاختلافات في درجات الحرارة عبر المحيط الهادئ، وتنشئ الطقس المتطرف في جميع أنحاء العالم.

والنينو هي المرحلة الدافئة في حين أن النينا أو كما تعرف بـ"لا نينا"، هي المرحلة الباردة.

وأشار التقرير إلى أن هذه المشكلة تستدعي بأن يكون ضمان إتاحة الغذاء والماء بشكل متساو للجميع في صدارة الأولويات.

وتابع "على الرغم من وجود كمية كافية من الطعام والماء في المتوسط​، لا يستطيع الكثير من الناس الحصول عليها أو الوصول إليها. وهذا سيزداد سوءا".

الحلول الممكنة

وأوضح أن الخطوة الأولى الحاسمة تتمثل في إنشاء دول الأحواض مخطط عادل لتوزيع المياه يتعامل مع احتياجات أفراد الحوض.

وأضاف "يمكن لمؤسسات تقاسم المياه التعاونية داخل الحوض أن تساعد في تجنب المواقف المثيرة للجدل". على سبيل المثال، تبني إثيوبيا حاليا سد النهضة الكبير على نهر النيل الأزرق.

وبدون وجود مؤسسات إقليمية قوية لتقديم ضمانات سياسية وقانونية لاستخدام مياه النيل بصورة عادلة، فإن بناء السد يثير المخاوف في مصر، لأنه من المحتمل أن يقلل من توافر مياه الري للزراعة في البلاد.

وتابع التقرير "قد يُشار إلى المياه غالبا على أنها مصدر للصراع، ولكن يمكن أن تكون أيضا وسيلة للتعاون، وتوصيل الدول إلى طاولة المفاوضات". 

وأردف "في عالم مستقبلي به عدد أكبر من الناس ومياه أقل، ستحتاج بلدان حوض النيل إلى العمل معا لضمان أفضل استخدام لموارد المنطقة لجذب وتخزين الأمطار في السنوات الرطبة والمعرضة لخطر الفيضانات وتوزيع هذه المياه على قدم المساواة في السنوات الجافة".

واختتم بقوله: "إذا فشلت حكومات المنطقة في العمل سويا للاستعداد لما هو قادم، فقد تكون العواقب المترتبة على شعوبها كارثية".