فصل الدعوي عن الحزبي.. تمايز أم انفصال للإسلاميين بالمغرب؟

12

طباعة

مشاركة

"الإسلاميون في حاجة إلى ثورة مع ذواتهم ودخول حزبهم الحاكم (العدالة والتنمية) مجال تدبير الشأن العام لم يكن بهدف الفوز بالانتخابات، وإنما من أجل إصلاح المجتمع"، الكلام هنا من زعيم حزب "المصباح" المغربي عبدالإله بن كيران، لأعضاء حزبه في لقاء جمعه بهم في 8 يناير/ كانون الثاني 2020.

انتقد رئيس الحكومة والأمين العام السابق للحزب التناقض بين قناعات مجموعة من أعضاء "العدالة والتنمية"، الذراع السياسي لحركة "التوحيد والإصلاح" وأفعالهم اليومية، معتبرا أن "الحركة الإسلامية اتجهت نحو الاهتمام بالانتخابات والحكومات مقابل نسيان الاستقامة الذاتية لأعضائها".

النقاش الذي خرج إلى العلن على لسان ابن كيران تداولته الهيئتان في جلسات مغلقة من قبل، كما تداولت قرار الفصل بين الحركة والحزب.

في عام 2018 أفادت حركة "التوحيد والإصلاح" قائد الائتلاف الحكومي، بأنها تتجه إلى تطليق السياسة وتعميق طابعها الدعوي، عبر تعديل ميثاقها المؤسس الذي يحدد أهدافها وبرامجها.

في 5 يناير/ كانون الثاني 2020، بعد تعميق طابعها الدعوي في ميثاقها الجديد المصادق عليه في مؤتمرها الأخير (2018)، قالت الحركة: إنها "تجري تقييما لشراكتها مع الحزب".

وانطلقت الحركة من 3 أرضيات، أولاها الفصل التنظيمي بين الهيئتين والتمايز في مجالات العمل، والاستقلالية في القرار مع التعاون في مجالات العمل المشتركة، ثم قراءة كل من الحزب والحركة للظرفية الوطنية والدولية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من زاوية اهتمامات كل واحدة من الهيئتين.

سقف النوايا

الفصل التنظيمي فسره رئيس الحركة، عبدالرحيم الشيخي، بأنه لن تكون "الحركة الدعوية التربوية الإصلاحية كفاعل مدني بعيدا عما هو سياسي، ولكن في تمايز واضح عما هو حزبي تقوم به هيئات يؤطّرها الدستور والقانون".

وهو ما أوضحه المحلل السياسي المتخصص في التيارات الإسلامية، عبدالإله السطي، بالقول: "الفصل يعني التمايز الوظيفي ما بين عمل الحركة، كحركة دعوية مهامها الأساسية التعبئة والوعظ الدينيين، وما بين عمل الحزب الذي يكرس مهامه للعمل السياسي وتدبير الشأن العام من خلال المشاركة داخل المؤسسات الدستورية".

وقال السطي لـ "الاستقلال": "ظل العمل بازدواجية العضوية ساريا ما بين الحركة والحزب، بحيث يمكن للعضو الواحد الجمع ما بين المهام القيادية داخل الحركة والحزب على حد سواء، اليوم من مخرجات المؤتمر الأخير للحركة أن يكون هناك توجه للحد من الجمع ما بين المهام القيادية بين الطرفين".

في حين رأى الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية منتصر حمادة، أنه "شعار تلجأ له حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، بين الفينة والأخرى، لمواجهة الانتقادات التي توجه إلى هذا المشروع حول الجمع بين العمل الدعوي والعمل السياسي، وتأثيره في الساحة - السياسية خاصة - لأن الخطاب الدعوي في المجتمعات المسلمة بشكل عام، خطاب مؤثر في الدعاية والتأثير، وبالتالي مؤثر في الاستقطاب". 

وزاد قائلا لـ "الاستقلال": "أخذا بعين الاعتبار حضور أعضاء الحركة في المؤسسات الدينية والتعليمية والمساجد ومنظمات المجتمع المدني، فطبيعي أن يكون خطابهم مؤثرا في سياق استقطاب الناخبين".

أما عن الاختلاف بين 2018 واللقاء الأخير، فأوضح حمادة أن "هناك عدة مستجدات محلية وإقليمية، تتطلب اللجوء المؤقت إلى هذا الخطاب، ولكن الأمر لا يتجاوز سقف إعلان نوايا"، على حد تعبير الباحث.

واستطرد قائلا: "نتحدث عن سقف النوايا، لأن واقع الحال يفيد أن عملية الفصل التنظيمي ليست سهلة كما يروج قادة المشروع، خاصة أن العضو الإسلامي الحركي، تربى على هذا التماهي القائم منذ عقود، ولا يمكن أن نطلب منه الاشتغال على التحرر من التماهي بين ليلة وضحاها".

الحركة والحزب

في أغسطس/ آب 2018، عقدت الحركة مؤتمرها الأخير، وكانت المرة الأولى - منذ 20 سنة - التي لا تضم فيها تشكيلة المكتب التنفيذي أي عضو مشترك بين قيادتي الهيئتين، وكان تعبيرا قويا عن التوجه نحو مزيد من التمايز المتدرج بين الحزب والحركة.

وفي تعليق له خرج العضو البارز في الحركة ورئيسها السابق، أحمد الريسوني، معبرا عن ارتياحه للتشكيلة التي اختارها الرئيس الحالي عبدالرحيم الشيخي، وقال: "أنا من المنادين بفك الارتباط بين الحركة والحزب، وأن نفتح أبوابنا لجميع الأحزاب".

وكانت هذه خطوة أولى وغير كافية في اعتقاد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي قال: "ما ناديت به لم يتحقق لحد الساعة، لكن من الجيد أن المكتب لم يراع حساسيات الوحدة".

"الطلاق" الذي أعلنته الحركة قبل مؤتمرها، لم ينه إشكالات عديدة في العلاقة بين الهيئتين تحدث عنها رئيس الحكومة الحالية والأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، في مقال له.

وأوضح العثماني أنها تخضع للنقاش والتطوير المستمر، ومن بينها حدود العلاقة في الخطاب بين الدعوي والحزبي. وزاد شارحا: "وهي القضايا التي سيظل التفاعل فيها مستمرا نحو الصيغ الأفضل لتحقيق المقاصد العامة للإصلاح، وفي الوقت نفسه الحفاظ على التمايز بين الحركة والحزب".

أما أهم تأثيرات التمايز، بحسب القيادي الإسلامي، "فهو تمكين العمل الدعوي من أن يسير دون أن يخضع بشكل مباشر لتقلبات العمل السياسي أو إكراهاته أو حاجاته، وأن يمضي العمل السياسي في طريقه دون أن يؤثر على العمل الدعوي". 

أشار مقال العثماني إلى أن المغرب لم يتبن قط في تاريخه المعاصر (أي عهد الملك الحالي) إستراتيجية عدائية للحركة الإسلامية، ولم يسلك -كما سلكت بعض الدول- أسلوب تجفيف منابع التدين لمحاصرتها، "ما فتح المجال أمام الحركة للاجتهادات وجعل أهمها تلك المرتبطة بالعلاقة بين العمل الدعوي والعمل السياسي، في ارتباط برؤية أشمل تهم مقاصد الحركة ومكانة الإصلاح السياسي فيها والعلاقة مع الحقل الديني الرسمي".

شماعة القصور

مرت العلاقة بين الحزب والحركة بمنعرجات صعبة، بسبب خطوات ومواقف حكومية وحزبية أغضبت قيادة الحركة، من بينها إقرار الحكومة لقانون الإطار للتربية والتكوين، وخصوصا ما عرف بمواد "فرنسة التعليم".

آخر خلاف خرج إلى العلن بين الحركة والحزب كان حول مرور قانون "فرنسة التعليم"، الذي صادقت عليه لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) ، وتم اعتماده رغم امتناع نواب العدالة والتنمية عن التصويت. وهو ما اعتبرته الحركة وأصوات من داخل الحزب نفسه تراجعا سمح بمرور القانون في حين كان بإمكان النواب التصويت ضده لا الامتناع.

بعيدا عن هذه الخلافات التي كانت تظهر من الحين للآخر بين الهيئتين، ذهبت "التجديد" الجريدة الرسمية للحركة (توقفت عن الصدور)، في أحد مقالاتها في عام 2009 إلى الحديث عن كون العلاقة بين "التوحيد والإصلاح" و"العدالة والتنمية" كأحد أسباب التوتر في العلاقة مع الحكم (الدولة). 

واعتبر لسان الحركة أنها "حالة التباس في أذهان بعض المراقبين والمتتبعين للشأن الحركي والسياسي بالمغرب، يجعل العلاقة بمثابة شماعة يبرر بها ضعف أو قصور موجود في جوانب أخرى في العمل السياسي عامة والحزبي خاصة".

لكن المحلل السياسي عبدالإله السطي يرى أن "الانفصال لحد الساعة هو توسيع لمجالات التمايز ما بين عمل الحركة وما بين عمل الحزب، فالتلاقي الإستراتيجي يظل قائما ما بين الطرفين لا من حيث الخلفيات ولا من حيث الأهداف".

قبل أن يزيد: "وهو محصلة لمجموعة من المراجعات دشنها الطرفان منذ مدة طويلة، وما حدث في قانون فرنسة التعليم ما هو إلا حدث عابر، جاء ليعزز هذا التمايز ما بين الطرفين".

تمايز لا انفصال

وافق إسلاميون مغاربة، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، على الاندماج في حزب الراحل عبدالكريم الخطيب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، وتحويله فيما بعد إلى "العدالة والتنمية" الذي يحكم اليوم.

توضيحا لمرجعيتهم قال الإسلاميون حينها: "نحن لم نأت لنسيِّس الدين، ولكن جئنا لنديِّن السياسة"، أي أن بعض القياديين في الحركات الدعوية الإسلامية تحولوا إلى العمل السياسي الحزبي، وأن لا فصل بين الديني أو الدعوي والسياسي، لدى الحركة التي سُميت آنذاك بـ"التجديد والإصلاح"، قبل أن تتحول إلى اسمها الحالي في أغسطس/آب 1996، عندما اندمجت مع "رابطة المستقبل الإسلامي".

لم يكن هذا الفصل بين السياسي الحزبي (وهنا يقصد حزب العدالة والتنمية بشكل حصري) والدعوي غائبا عن أدبيات أبناء حركة التوحيد والإصلاح، لكنه ظل فصلا غامضا بالنسبة للعديد من المراقبين، خصوصا أن الحركة تعرّف نفسها على أنها "حركة دعوية تربوية على منهاج أهل السنة والجماعة".

وهنا يقول السطي لـ"الاستقلال": "عمل الحركة عمل دعوي، وبالتالي انتشارها يعود بدرجة أولى لمدى توسيع نطاق ومجال تأطيرها داخل المجتمع، فكلما توفرت لها الإمكانيات كلما توسع مجال اشتغالها".

وأردف معلقا: "لا أعتقد أن قرار الانفصال سيكون له انعكاس على الحركة، بقدر ما سيكون له انعكاس على الحزب".

وفسر الخبير في التيارات الإسلامية وجهة نظره قائلا: "هذا التمايز الوظيفي وليس الانفصال، هو محصلة لمسار دشنه الطرفان منذ أحداث 16 مايو/آيار 2003 الإرهابية، وليس وليد اليوم. وثانيا إذا كان سيكون هناك تأثير سلبي، فسيكون على الحزب الذي يغذي توسعه القاعدي من خلال العمل الدعوي والخيري للحركة".

استمداد الدعم

بينما لمس منتصر حمادة تراجعا نسبيا عند بعض أتباع الحركة من الذين أخذوا مسافة، على غرار ما جرى لدى جماعة "العدل والإحسان"، بعد وفاة الشيخ عبدالسلام ياسين، قبل أن يستطرد: "لكن الحركة اليوم، حاضرة ومتغلغلة في أغلب مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات الدينية والتعليمية، إضافة إلى العمل الجمعوي والأنشطة الدينية والثقافية والدعوية، ولا يمكن الحديث عن تراجع هذا المشروع، إذا كانت باقي المشاريع الأيديولوجية المنافسة متواضعة أو غائبة".

واعتبر المتحدث لـ "الاستقلال" أن المساس بمرجعية الحزب "تحصيل حاصل، ولكن موازاة مع ذلك، العمل الميداني مستمر، سواء مع الحركة أو مع الحزب، وفي جميع المستويات، الرسمية والجمعوية، في السياسة والدين والثقافة والإعلام، دون الحديث عن دور الارتباطات الخارجية".

يتلقى الحزب دعما كبيرا من الحركة أثناء الحملات الانتخابية، بتعبئة أعضاء الحركة لمرشحي الحزب، ما ينعكس على النتائج. لذلك لا يعتقد الباحث "أننا نتحدث عن تنظيمين منفصلين، وإنما عن مشروع أو مجرة إسلامية حركية، تتضمن فاعلين يشتغلون في عدة مجالات". 

ويمكن التأكد من هذا التماهي القائم بين هذه المجالات أثناء الحملات الانتخابية، حيث يصبح الخطاب موحدا، وشدد حمادة على أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى في معرض الحديث عما يسمى الفصل بين الدعوي والحزبي عند الحركة الإسلامية، لأنه "فصل صوري".