عائدات من الجحيم.. أوروبيات يروين قصص انضمامهن إلى تنظيم الدولة

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تخضع السيدة الألمانية جنيفر (28 سنة) للمحاكمة في مدينة ميونخ الألمانية، بتهمة انضمامها وتأييدها لـ"تنظيم الدولة"، وتهم جنائية أخرى تتعلق بترك طفلة في الصحراء معرضة للعطش والشمس الحارقة حتى الموت، وحيازة أسلحة واعتداءات أخرى.

كانت جنيفر دبليو، وهو (اسم مستعار)، حيث تم حجب اسمها بالكامل بموجب قانون الخصوصية في ألمانيا، قد سافرت إلى العراق عام 2014 وانضمت إلى تنظيم الدولة.

ومنذ عودتها إلى ألمانيا في عام 2016، خضعت دبليو للمراقبة من قبل السلطات الألمانية، ولما أرادت السفر مرة أخرى في 2018 إلى ما تسمى (أرض الخلافة) جرى احتجازها، ويجري التحقيق معها منذ ذلك الحين، حيث تواجه تهما بتأييد تنظيم الدولة.

نشأت دبليو، التي وصفها جيرانها بالهدوء، في مدينة "لونه" بشمال ألمانيا، ثم تزوجت من رجل عراقي، وانتقلت معه إلى الشرق الأوسط، عام 2014، وهناك عملت في هيئة الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة للتنظيم، وفقا لادعاءات النيابة.

كيف استطاع تنظيم الدولة إقناع أوروبيات بالانضمام له، رغم الفوارق الكبيرة المتعلقة بالدين والأيديولوجيا ونمط الحياة والتقاليد الاجتماعية وطرق التفكير، والكثير من الفوارق التي تجعل الجانبين على طرفي نقيض؟ وكيف استطاعت تلك النساء الوصول إلى كل من سوريا والعراق، حيث يوجد تنظيم الدولة، وتجاوز كل العقبات والعراقيل؟.

تواجه جنيفير دبليو عدة تهم إحداها الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية

أرضية مناسبة

يقول الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي عصام القيسي في حديث لـ"الاستقلال": "في واقع الأمر، فإن روح المغامرة وخوض تجارب مثيرة جزء من العقلية الأوروبية والثقافة الغربية إجمالا، لكن لو أردنا معرفة الأسباب فيمكن أن نستكشفها من خلال العودة إلى دراسة كل حالة على حدة".

مضيفا: "إلا أنه يمكن القول إجمالا إن الخطاب الذي يقنع به التنظيم أوروبيات للانضمام إليه يكون مسبوقا عادة بأرضية مناسبة لدى المستهدف نفسه، هذه الأرضية تتمثل بوضع عائلي مأزوم يعيشه الفرد، أو بحالة نفسية معينة ترى من الانضمام للتنظيم حلا للمشاكل التي يمر بها، وبالتالي هروب من الأزمات النفسية التي يعيشها".

وتابع: "يجب الإشارة هنا إلى أن عددا من الأوربيين انضموا لجماعات شيعية وصوفية، لذلك ليس من المستغرب انضمام بعضهم لتنظيم الدولة المتطرف".

التحقت الألمانية ليونورا بتنظيم داعش وهربت إلى سوريا في عمر 15 عاما
قرار الهروب

في سبتمبر/أيلول 2019، نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية تقريرا تناولت  فيه قصة الألمانية "ليونورا ميسينغ" الفتاة المراهقة التي انضمت إلى تنظيم الدولة وهربت إلى مدينة الرقة السورية، وهي  تبلغ من العمر 15 عاما. 

وحسب التقرير، هربت ليونورا في مارس/آذار 2015، واختفت فجأة من ولاية ساكسونيا الألمانية، بعد أيام قضتها في التواصل مع شاب ألماني، تعرفت عليه من خلال مجموعة على فيسبوك.

لم يكن الأب مايك ميسينغ يعلم بمصير ابنته، غير أنه تلقى رسالة على هاتفه بعد 12 يوما من اختفائها، من شخص يدعى نهاد أبو ياسر، يقول له فيها: "ابنتك بخير، وقد وصلت دولة الخلافة بسلام".

كتب أبو ياسر في الرسالة، وهو ألماني الأصل واسمه الحقيقي مارتن ليمكي "ابنتك تحبك، لكنها اختارت الله والإسلام، وهي موجودة في الدولة الإسلامية"

وفور وصول ليونورا تزوجت من أبو ياسر، الشخص المسؤول عن التحاقها بالتنظيم، وتزوجته كزوجة ثالثة، وقد كانت زوجته الثانية ألمانية أيضا.

تزوجت ليونورا بعمر 15 عاما وكانت زوجة ثالثة للألماني مهند أبوياسر

لم يمض شهران على إقامتها في سوريا، حتى أصابها الضجر، فطالبت والدها بمساعدتها على الهرب والعودة إلى ألمانيا، قائلة له: "كل شيء هنا ليس مناسبا لي، لقد أخفقت في التأقلم مع هذا الوضع"، لكن الشهرين امتدا لأكثر من 4 سنوات، بعد عشرات المحاولات الفاشلة بالهرب من زوجها الذي كان يعمل في القسم التكنولوجي التابع لاستخبارات التنظيم.

كان زوج ليونورا سرعان ما يكشف خطتها في الهروب ويقبض عليها، غير أنه في نهاية المطاف، وبعد هزيمة تنظيم الدولة، وخروجه من الموصل في العراق، ومن مدينة الرقة السورية صيف 2017، طالب والد ليونورا بمساعدته هو أيضا على العودة إلى ألمانيا، واستعداده للمثول أمام المحكمة.

في يناير/كانون الثاني 2019، نجح الزوجان في الخروج من مناطق تنظيم الدولة، غير أنهما وقعا بأيدي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي اعتقلت مئات من أعضاء تنظيم الدولة، من بينهم ليونورا إلى جانب 15 امرأة ألمانية يقبعن في السجون الكردية شمالي سوريا. 

ومنذ مارس/آذار 2019، ينتظر الزوجان من السلطات الألمانية الإذن لهما بالعودة، غير أنهما يواجهان تهما بالتجسس لصالح تنظيم الدولة، وهو الأمر الذي تنفيه ليونورا، وينفيه زوجها أيضا.

شرائح من المجتمع الألماني نظمت مسيرات أعلنت فيها رفضها عودة المواطنين الذين انضموا لتنظيم الدولة. وسبق للمحاكم الألمانية رفض قبول دعاوى رفعها الأهالي للتعجيل بإعادة أبنائهم وبناتهم الذين انضموا للتنظيم المصنف إرهابيا لدى برلين، في حين يقول الأهالي إن أبناءهم ضحايا تم التغرير بهم.

كانت ليونورا تعيش حياة معزولة عن والديها

موضة رائجة 

بالعودة إلى الأسباب التي دفعت ليونورا للانضمام إلى تنظيم الدولة، فإن الفتاة قد عاشت عزلة عن والديها، حيث كان والداها منفصلين منذ فترة، وتزوج والدها من أخرى.

هذا الوضع الأسري، يبدو أنه ولّد حالة نفسية لدى ليونورا جعلتها تمارس نشاطها اليومي بمعزل عن والدها، الذي لم يكن على اتصال مع ابنته رغم أنهما يعيشان في بيت واحد.

تقول ليونورا التي أصبحت أما لابنتين، في فيلم وثائقي بثته قناة إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله": "صغر سني هو الذي جعلني راغبة في التمرد، وكان الإسلام موضة رائجة، حيث كان الكثيرون يعتنقون الإسلام في بريطانيا"، تضيف الفتاة: "كان لدي ميول للقيام بأشياء صاخبة، وكان الانضمام للتنظيم مناسبا لميولي، وكنت أظن أنني سأحل مشاكلي عن طريق الهرب بهذه الطريقة، فانضممت إلى مجموعة للفيس بوك، وحصل ما حصل".

غير أن الفتاة صغيرة السن، قليلة الخبرة، تخلط في حديثها لقناة دويتشه فيله بين مفاهيم الإسلام وأفكار التنظيم، حيث تقول إنها انضمت لمجموعة تستقطب الناس للدخول إلى الإسلام، فأعلنت إسلامها وانضمت للتنظيم.

تراجع استقطاب أعضاء لتنظيم داعش بعد الهزيمة التي لحقت بالتنظيم في الموصل والرقة

عالقون وعائدون

كشف المدعي العام في ألمانيا بيتر فرانك أن 300 شخص عاد إلى ألمانيا، من إجمالي 1000 ألماني التحقوا بالتنظيم، وأن أكثر من 600 ألماني مازالوا موجودين في  صفوف تنظيم الدولة في سوريا والعراق، ويعتقد أن نحو 100 إلى 150 شخصا قد لقوا حتفهم.

وأعلنت الحكومة الألمانية، في وقت سابق، أنها تتوقع عودة أكثر من 100 طفل إلى ألمانيا أغلبهم رضع، وهم أبناء المقاتلين الألمان الذين غادروا البلاد للانضمام إلى التنظيم.

وحسب هانس جورج ماسين رئيس الاستخبارات الألمانية فإن نحو 5 في المئة، أي نحو 50 شخصا، من مجموع الملتحقين بالتنظيم كانوا قصر (دون السادسة عشرة عاما)، عندما غادروا ألمانيا، نصفهم من الفتيات.

ووفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، فإنه من بين 1000 ألماني التحقوا بالتنظيم، يوجد على الأقل 270 امرأة، مع أطفالهن في مناطق القتال بسوريا والعراق.

وحسب المركز، فإن عدد الأوروبيين الذين انضموا للتنظيم نحو 21 ألفا و500 شخص، ويمثلون قرابة 50 % من إجمالي الأجانب الملتحقين بصفوف التنظيم، عاد منهم إلى أوروبا قرابة 1750 شخصا.

وبحسب المركز الأوروبي، فعدد الأجانب الذين التحقوا بالتنظيم من أبريل/نيسان 2013 وحتى يونيو/حزيران 2018، بلغ نحو 41 ألفا، و490 شخصا، 13% منهم من النساء، وينحدرون من 40 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وكندا وأستراليا.

غير أن رويترز نقلت عن وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) أن عدد الأوروبيين الملتحقين بالتنظيم، بلغ نحو 5 آلاف أوروبي، عاد منهم نحو 1500 إلى بلدانهم.

وحسب الوكالة نقلا عن مسؤولين بريطانيين، فإن حوالي 900 شخص من المملكة المتحدة ذهبوا إلى سوريا، توفي منهم نحو 20 % بينما عاد نحو 50 % إلى المملكة، وبقي حوالي 360 في المنطقة.

بينما التحق بالتنظيم ما بين 800 إلى 1500 فرنسي، 300 منهم لقوا حتفهم، في حين التحق بالتنظيم نحو 1050 ألمانيا، عاد نحو 30 % منهم، أما بلجيكا فالتحق بالتنظيم 442 شخصا، عاد منهم 130، بينما التحق نحو 150 شخصا من الدنمارك، أما هولندا فالتحق منها 315، 30 % من النساء و70% من الرجال، عاد منهم 55 شخصا، بينما لقي 85 حتفهم.

وتضيف رويترز بأن مسؤولين بريطانيين لاحظوا أن الذين ذهبوا إلى سوريا ليسوا كلهم متطرفين أو ذهبوا لرغبة الالتحاق بتنظيم الدولة، بل ذهب بعضهم بـ"نوايا خيرية حقيقية"، حسب تعبير الوكالة.