الاتفاق النووي.. لماذا فشلت وساطة فرنسا بين واشنطن وطهران؟

12

طباعة

مشاركة

على مدار أكثر من شهرين، حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التوصل إلى حل وسط بين واشنطن وطهران بشأن الاتفاق النووي الموقع بين الأخيرة والدول الكبرى في فيينا عام 2015، بعد انسحاب نظيره الأمريكي دونالد ترامب بشكل أحادي وإعادته العقوبات على إيران، لكن باريس لم يكن لديها الأوراق اللازمة لتحقيق ذلك.

وبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، حاولت باريس خلال الفترة الماضية إنهاء الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، وإمكانية عقد اجتماع بين ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني، ولكن قبل كل شيء التوصل إلى التزامات متبادلة ووقف التصعيد الذي بدأ منذ الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب في مايو/ أيار 2018 من الاتفاق النووي (JCPoA).

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي: "كان هناك انفراجة خلال الشهرين أو الثلاثة الماضية، لكنها أغلقت الآن، فالانتخابات التشريعية الإيرانية في فبراير/ شباط 2020 والحملة الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة تزيد من تعقيد الأمور".

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن هذا الجهد، بقيادة الإليزيه، هو فشل مزمن كان يمكن التنبؤ به، كما يعتقد بعض الخبراء.

وشهدت الوساطة الفرنسية خطوة مهمة في قمة مجموعة السبع في بلدة بياريتز يوليو/تموز الماضي، مع وصول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بشكل غير متوقع، الأمر الذي تبعه اتصالات متعددة في نهاية سبتمبر/أيلول بنيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

انعدام الثقة

ووفقا لـ "لوموند"، فإن الثوابت التي روج لها ماكرون، كانت على النحو التالي: "في مقابل تخفيض العقوبات، ستعود إيران إلى الالتزام بالاتفاق، وتقبل مناقشة برنامجها النووي بعد الموعد النهائي 2025 ومعالجة موضوع الأمن الإقليمي، والذي ينبغي بحسب باريس أن يشمل البرنامج الباليستي". 

ووفق تصريح أفاد به مصدر فرنسي، قال ماكرون في نيويورك لنظيره الإيراني: "الأمر يتطلب اثنان لرقصة التانجو"، فرد عليه الأخير "رجال الدين لا يرقصون التانجو".

ومن خلال سفيرها في باريس، بهرام قاسمي، تؤكد إيران لصحيفة "لوموند" أن وساطة فرنسا "جرى تلقيها بشكل إيجابي" في طهران، الأمر الذي نتج عنه "مفاوضات مكثفة".

وهذا على الرغم من أن إيران "لم تستطع في ظل هذه الظروف، بناء الكثير من الأمل عليها"، وهي طريقة مهذبة من السفير للقول إن العجز الفرنسي كان محسوما.

مع ذلك وعلى مدار يومين في نيويورك، ضاعف ماكرون والوفد المرافق جهوده لإجراء مقابلة، على الأقل عبر الهاتف، بين الزعيمين، لكن انعدام الثقة المتبادل بين روحاني وترامب كان قويا للغاية.

وذكرت الصحيفة أن ترامب كان يريد فقط اجتماعا لالتقاط الصور، وهذا لم يرق لروحاني، الذي يرغب بضمانات مسبقة وعلنية.

الموقف الإيراني كان واضحا: "لا لقاءات متبادلة مباشرة مع ترامب، بل اجتماع بحضور الأطراف الأخرى الموقعة على الصفقة النووية، بشرط تقديم تنازلات أمريكية بشأن العقوبات".

وأوضح علي فايز، مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية "لقد أهمل الفرنسيون تعقيدات السياسة الداخلية الإيرانية وآلية صنع القرار في طهران"، حيث كان الفشل مؤكدا من خلال الرهان على روحاني، بينما صانع القرار الحقيقي هو المرشد الأعلى علي خامنئي.

بالنسبة للجمهورية الإسلامية، التفاعل بين روحاني والرئيس الأمريكي كان بمثابة بادرة للتسوية في حد ذاتها.

وقالت إيلي جيرانمايه، الخبيرة في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية: "في نيويورك، كان ماكرون خير برهان، حيث لم يضطلع أي قائد آخر بمثل هذا الدور لتخفيف التوترات بين الطرفين. ربما كان هناك عدم تقدير لمدى غضب الإيرانيين حول الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية".

الضحية الجانبية

من جانبه، يأسف دبلوماسي أوروبي قريب من الملف من الموقف الفرنسي، قائلا: إن "اللاعبين الكبيرين لا يحتاجان لفرنسا لتحقيق بعض أهدافهما. ما يجري لا يقتصر على النووي، بل هو ميزان القوى في الشرق الأوسط".

وأشار الدبلوماسي إلى أن الهجوم الذي شنته الطائرات بدون طيار والصواريخ على منشآت شركة النفط السعودية أرامكو مؤخرا، تسبب في "صدمة بالرياض، مع صدى بواشنطن".

وإدراكا لضعفها، أعطت السعودية الأولوية للحرب في اليمن، وبالتالي التفاوض مع المتمردين الحوثيين، المدعومين من إيران.

وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 2020، ستستضيف الرياض قمة مجموعة العشرين، وبحلول ذلك الوقت، تريد بأي حال تحسين صورتها التي لحقت بها أضرار بالغة منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018. ويؤكد هذا المصدر الدبلوماسي أن أي سياسة أمريكية تجاه طهران يجب أن تقرأ من هذه الزاوية.

وذكرت الصحيفة أن الجهود الفرنسية تكثفت خلال الخريف بواسطة المكوكات الدبلوماسية، كان الهدف هو وضع صيغ معينة أولية، لتعديلها أو استكمالها، بينما أراد الإيرانيون أن يكون تخفيف العقوبات فعالا، وليس فقط وعدا، حتى قبل اجتماع ترامب-روحاني.

ففي واشنطن، مع أوائل نوفمبر/تشرين ثاني، لم يعد الأمر مهما، إذ اعتقدت إدارة ترامب أن الاختناق الاقتصادي الناجم عن أقصى قدر من الضغط كان ناجحا.

ومع منتصف الشهر، كانت الوساطة الفرنسية الضحية الجانبية للاحتجاجات على تكلفة البنزين في إيران. وفقا لمنظمة العفو الدولية، فإن "القمع العنيف" للمظاهرات أودى بحياة 304 أشخاص على الأقل واعتقال الآلاف.

شلل الإنترنت المنظم كان مثالا على خوف النظام من انتشار الغضب، وشارك في هذه الحرب النفسية هجومان إلكترونيان على النظام المصرفي، من مصدر غير معروف.

وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو، والسعوديون والإسرائيليون كانوا يعتقدون أن النظام على وشك الانهيار"، لقد تم التأكيد على ذلك في الإليزيه.

 لكن هذا ليس رأي المحللين على الإطلاق، فقد أظهرت وحشية القمع أن النظام يمتلك الوسائل اللازمة للسيطرة، وأن الجناح العسكري كان له اليد العليا. في الواقع، منطق المواجهة، داخل البلاد وخارجها، يعزز أنصار الخط المتشدد.

أصل الفشل

ورأت "لوموند" أنه نتيجة لذلك، يبدو أن قدرة باريس على التأثير في المواقف الأمريكية تتعرض للخطر، كما لخص السفير بهرام قاسمي: "أرادت إيران أن تُظهر ثقتها في الرئيس ماكرون، لكن خطتها لم تسفر عن نتائج ملموسة بعد". 

وتابعت الصحيفة: "كثير من الناس يريدون أن يروا موت هذه الخطة، فالصعوبة التي تواجه الأوروبيين، وخاصة فرنسا، في الدفاع عن مواقفهم هي أصل هذا الفشل".

ووفقا لما ذكره الدبلوماسي الإيراني البارز، فإن إستراتيجية "أقصى ضغط" الأمريكية ومطالبها المبالغ فيها ما زال مستمرا، ولهذا يبدو أن أوروبا غير قادرة على التعامل معها".

على الصعيد النووي، قررت إيران في شهر مايو/أيار تخفيض التزاماتها تجاه خطة العمل المشتركة الشاملة.

وتواصل طهران كل شهرين تصعيدها تدريجيا عبر تجاوز الحد الأقصى البالغ 300 كيلوجرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، والتخصيب الذي يتجاوز عتبة 3.67٪، وانتهاك القيود المفروضة على البحث والتطوير في القطاع النووي.

وأخيرا، في مطلع نوفمبر/ تشرين ثاني، تقول الصحيفة: "علمنا باستئناف أنشطة التخصيب في موقع فوردو تحت الأرض، الذي ظل سريا لفترة طويلة".

وأكدت "لوموند" أنه من المتوقع خطوة جديدة من إيران في 6 يناير/ كانون ثاني 2020، منوهة إلى أنه من المستحيل قراءة نوايا طهران. 

في المقابل يقول الإليزيه: إنه لا يفقد الأمل في استئناف الوساطة، حيث أكد أحد حاشية الرئيس "لدينا الآن التعليمات والوسائل اللازمة وقد وافق عليها الجانبان".

وتقول الصحيفة: "إما أن نفعل ما تمت الموافقة عليه، أو سيتم الاعتماد على الضغط الأقصى مقابل أقصى مقاومة، مع العواقب غير المتوقعة لكل منهما".

ومن هذا المنظور، سيكون التقارب في المواقف الأوروبية والأمريكية أمرا مرجحا، فلقد رفع الأوروبيون أصواتهم بالفعل في ديسمبر/ كانون أول تجاه البرنامج الباليستي الإيراني.

وقالت الصحيفة: "في الوقت الحالي، زار حسن روحاني في 20 ديسمبر/ كانون أول، اليابان، وهو مشتر تاريخي للنفط الإيراني. إذ يحاول رئيس الوزراء شينزو آبي التوسط بين واشنطن وطهران، بهدف التوصل إلى صفقة أكثر تواضعا من تلك التي أبرمتها باريس".

لكن السويسريون، هم الذين حصلوا على النتيجة الأولى بشأن التوسط بين واشنطن وطهران، في مسألة منفصلة وهي تبادل الأسرى.

ففي أوائل شهر ديسمبر/ كانون أول، جرى إطلاق سراح باحث أمريكي احتجز لمدة ثلاث سنوات في إيران بتهمة التجسس، مقابل إيراني اعتقل في الولايات المتحدة بسبب انتهاكه للعقوبات حيث غرد  ترامب "كما ترون، يمكننا عقد صفقة معا!".

وفي الوقت ذاته تحتجز طهران اثنين من الباحثين الفرنسيين، فاريبا عادلخاه ورولان مارشال، منذ يونيو/ حزيران، كورقة ضغط مع الجهات الفاعلة، ولكن حتى الآن، فيما يتعلق بهذه القضية أيضا، لم تؤت جهود فرنسا ثمارها، وفق لوموند.