يني شفق: لماذا لا ترى أنقرة ما يحدث في ليبيا شأنا داخليا؟ 

قالت صحيفة "يني شفق" التركية: إن ما يجري في ليبيا ليس شأنا داخليا أبدا، واصفة من يعترض على إرسال الجنود الأتراك إلى هناك بأنه يستخدم كلمات رخيصة.

وأكد الكاتب إبراهيم قراغول في مقال له بالصحيفة أن تركيا كالعادة لن تقف متفرجة وهي ترى الخطط تحاك ضدها بدءا من الحدود الإيرانية وحتى حدودها شرق المتوسط. 

ولفت إلى أن الأوضاع مقلقة بالفعل في ليبيا حيث يواصل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، إصراره على اقتحام العاصمة الليبية طرابلس، في حرب مريرة، من حفتر لإسقاط البلاد ونهبها.

وتأسست مؤخرا، جبهة موحدة تستهدف الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، وهي مؤلفة من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ومصر والإمارات وفرنسا وآخرهم كانت روسيا، بغية الحصول على نصيب من ثروة ليبيا النفطية في سواحلها على البحر المتوسط.

وتابع الكاتب: "اصطف الجميع خلف حفتر، أحد بارونات الإرهاب الذين ربتهم وكالة الاستخبارات المركزية (الأمريكية) من أجل المنطقة"، واصافا إياه بأنه "حصان طروادة"، حيث "سيتم التخلص منه مباشرة بعد استخدامه وعند انتهاء الحاجة منه". 

دور حفتر

حاز حفتر على دعم استثنائي بعد مرحلة تنظيم الدولة وبي كاكا (حزب العمال الكردستاني)، حيث الخطر الإرهابي الأكبر في المنطقة، وفق الكاتب.

وتماما كما لعب تنظيم الدولة دوره المنوط به في سوريا، يؤدي حفتر دوره في ليبيا، وهو حاليا يمثل أكبر منظمة إرهابية في المنطقة.

ويوضح الكاتب أن الجنرال ينال دعما عسكريا شبه يومي من السعودية والولايات المتحدة وروسيا ومصر وعسكرها في المنطقة، وكذلك من القوات الخاصة الفرنسية، أما الإمارات فتخدمه عبر قواتها الجوية.

والهدف من ذلك، هو حشر تركيا في الزاوية، "فهم استخدموا بي كا كا وتنظيم الدولة شمال سوريا، ثم بدأوا بفتح جبهة ليبية لذات الغرض، فكما تم صناعة هؤلاء، صنعوا حفتر في ليبيا، بحيث يتم تدمير دولة إسلامية أخرى من قبل مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية".

ويؤكد الكاتب أن "تركيا أدركت الأمر منذ البداية فلم تقف موقف المتفرج في سوريا وشنت 3 عمليات عسكرية متتالية، فأسقطت ممرا للإرهاب كان قد أحاط بها على حدودها الجنوبية ونجحت في تمزيق خريطة جديدة حاول الغرب رسمها".

وعلى تلك الحدود، لم تقاتل تركيا بي كاكا وتنظيم الدولة فقط، بل أجبرت بحسب الكاتب على قتال كل من السعودية والإمارات، بحيث تمزق خريطة الإرهاب من الحدود الإيرانية وحتى حدودها على البحر الأبيض المتوسط. 

وفي الوقت ذاته، كانت جبهة القتال تنتقل إلى شرق المتوسط، بحيث يتم تغيير الخريطة في المتوسط وصولا إلى بحر إيجة.

ولفت الكاتب التركي إلى أن الكثير من الدول تجمعوا واتحدوا في موقفهم ضد أنقرة، وشكلوا اتفاقا لذلك، ومن تلك الدول كانت كالعادة الولايات المتحدة وإسرائيل، وقبرص الرومية واليونان وفرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى القيادة السعودية الراهنة ومصر والإمارات.

اتفاقيات متتالية

لم يتوقف سيل الاتفاقيات في البحر المتوسط بغية السيطرة على مصادره الغنية من النفط والغاز، بحيث تتشارك الأطراف السابقة دونا عن غيرهم ثروات المتوسط، كما هو الحال في سوريا.

وبحسب الكاتب، كانت تلك الأطراف تهدف إلى حشر تركيا وتطويقها وحصارها، وخنقها وإبقائها خارج اللعبة تماما، بحيث كانت في الواجهة مصر ومن خلفها الإمارات وإسرائيل وقوى الغرب أدوات لذلك كله. 

ومقابل ذلك كله، لم تتراجع أنقرة، واستطاعت قراءة اللعبة كلها، وردت كالعادة بسفن تنقيب وبحث ودراسة تحرسها قوة عسكرية من على سطح البحر وفي الجو، وبدأت وفقا لخريطتها الخاصة خوض عباب البحر، وحشدت أسطولها في البحر المتوسط وبحر إيجة، فأحبطت بعض الشراكات وأخافتها، وجعلت حسابات بعض الدول شيئا من الماضي. 

الضربة الكبرى التي وجهتها أنقرة لأولئك كلهم، هو اتفاقيتها مع ليبيا مؤخرا، وما يعرف بمذكرة التفاهم حول ما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة.

ويقول الكاتب: "لم يكن أحد ينتظر أبدا خطوة كهذه، وكانت سببا لصدمة الكثير من الدول، بحيث وضعت تركيا خريطتها هي وفرضتها عليهم جميعا في وقت كان الغرب يحاول التحرك وفقا لخرائطه هو التي لا يعترف بها أحد".

وباتت تركيا وليبيا جارتين، بل ذهبتا نحو توسيع مناطقهما البحرية المتبادلة، بحيث "جرى تفجير خطط البحر المتوسط في رؤوسهم (الرافضين للاتفاقية) ولم يكونوا مستعدين لذلك أبدا، فأصابهم الذعر، وبدأوا بتوجيه التهديد لتركيا دفعة واحدة". 

ولفت الكاتب إلى أن هذه الاتفاقية غير محدودة أو منحصرة فقط بمسألة شرقي المتوسط، بل تتعداها إلى التعاون العسكري. وفي هذه الحالة، من الممكن أن ترسل تركيا بالفعل جنودا إلى طرابلس، والعمل على تسليح الجيش الليبي وتعزيز قواته.

حرب مفتوحة

وهو ما أوضحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتين بقوله: "إذا ما أرادت ليبيا، سنرسل جنودا إليها" في خطوة قد تتعدى الاعتراف التركي الراهن بحكومة الوفاق والدعم المحدود غير المعلن التي قدمته أنقرة مسبقا. ووفقا لهذه الاتفاقية، سيتم إرسال القوات البرية والبحرية والوحدات الجوية إلى ليبيا بشكل معلن.

وفي الحقيقة فإن موقف تركيا الأخير والمتعلق بإمكانية إرسال جنود أتراك إلى طرابلس يحمي المصالح التركية أولا، بحيث تقف أنقرة ضد تمزيق ليبيا ولكنها تواجه  كذلك من يحاول خنق تركيا في البحر المتوسط وتبطل خططه.

وتحقيق هذا الهدف، يفرض على تركيا بالأساس البحث في كل اتجاه، كما تكرر الأمر في خطوات أنقرة الجريئة شمال شرق سوريا مؤخرا، وفق الكاتب.

وقال: "لم يكن هناك خيار لتركيا غير ذلك وإلا كان مصيرها الضياع والتشرذم وأن تعود ضعيفة كما كانت من قبل، وهذا أمر لا يمكن أن يكون البتة".

ولذلك فإن ما يحدث ليست مسألة داخلية ليبية خالصة، بل هي مسألة مستقبلية تتعلق بالتاريخ والجغرافيا، وتضع تركيا بكل قوتها في ليبيا وفي البحر الأبيض المتوسط، "وهي مجبرة على ذلك، بما فيه الدخول في حرب مفتوحة". 

وختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن موقف بلاده من ليبيا جاد للغاية، "وعند الحاجة لن تتردد تركيا ثانية في إرسالها جنودها هناك، فلا أحد يمكنه أن يعزلنا في الجغرافيا بحجة مجموعة من الجزر المتناثرة على سواحلها في بحر إيجة، أو أن يطردنا من البحر المتوسط، فمثل هذه الألاعيب قد خبرتها تركيا تماما".

واستدرك أن موقف الإمارات بات واضحا أكثر مما ينبغي "فهي تتخذ من أنقرة عدوا في كل زقاق وركن، وباتت هي الشر بعينه (..) محاربة هذا البلد في جميع الميادين الممكنة بات ضرورة".