هكذا أصبحت البحرين حقل اختبار للتطبيع الخليجي مع إسرائيل

شدوى الصلاح | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تمضي البحرين بخطوات متسارعة نحو تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد أن جرى اختيارها للترويج لـ"صفقة القرن" مؤخرا التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية.

آخر تلك الخطوات، استضافة المنامة الحاخام الأكبر لإسرائيل سابقا، شلومو عمار، ولقائه ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في العاصمة، خلال مؤتمر جمع رجال دين من دول عدة من بينها الكويت ولبنان ومصر والأردن.

ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها وفد يهودي مملكة البحرين، إلا أن الاحتفاء بها هذه المرة كان مبالغا، خاصة وأنها تأتي في وقت يترقب فيه العالم زيارة وفد يهودي آخر للمملكة السعودية، في يناير/كانون الأول 2020، وذلك بدعوة من رابطة العالم الإسلامي، وفق ما كشف حساب "إسرائيل بالعربي" التابع للخارجية الإسرائيلية.

وأعلنت خارجية الاحتلال أيضا عن زيارة الحاخام اليهودي للبحرين، وهو الأمر الذي دفع الرابطة للتوضيح لاحقا أن الزيارة "ليست لوفد ديني خاص، ولكن أمريكي مستقل متنوع دينيا"، دون أن تجزم إن كان الوفد يضم يهودا أم لا.

سياسة التمهيد للأحداث التي تنتهجها البحرين سبق أن استخدمتها عبر وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، الذي تبنى الدفاع عن إسرائيل وتمجيدها كما عزز من تحركاته ولقاءاته مع الإسرائيليين بشكل علني، وسارت على النهج ذاته باقي دول الخليج في اللقاءات الرسمية والتصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي واللقاءات الإعلامية.

رسالة سياسية

الدكتور مأمون أبو عامر الكاتب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، اعتبر دعوة البحرين للحاخام اليهودي واستقبالها له بالمنامة، بأنها رسالة سياسية للخارج، تكمن أهميتها في أنها تمرين على زيارة الوفود الدينية اليهودية إلى دول خليجية أخرى.

وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال" أنه لا يمكن التأكد في هذه المرحلة عما إذا كانت تلك الخطوة تمهيدا لزيارة مماثلة إلى السعودية التي لا يوجد بها مواطنون يهود إلا إذا كانوا ضمن جاليات أجنبية خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا.

وتساءل أبو عامر: "هل هذا سيكون مبررا لمثل هذه الزيارة في ظل تصريحات ولي العهد السعودي بأن المملكة بها عمالة يهودية كبيرة؟ وهل هذا يعني أننا سنشهد افتتاح كنيس يهودي لهؤلاء كما فتحت الإمارات معبدا هندوسيا؟"، مستطردا: "لا ندري، لكن التصريحات تشي بشيء قادم".

تأتي زيارة الحاخام اليهودي إلى البحرين، في الوقت الذي تعمل فيه الدول الخليجية من جانب وإسرائيل من جانب آخر على تعزيز علاقاتهم الأمنية والاستخبارية بدعوى المصلحة المشتركة في التصدي لتهديد إيران، كما تعمل واشنطن على دفع دول الخليج إلى توقيع معاهدة "عدم اعتداء" لتكون مقدمة للتطبيع الكامل.

ومملكة البحرين التي توصف بأنها الأكثر سرعة في "الماراثون الخليجي" للتطبيع مع إسرائيل، عن باقي جيرانها بمجلس التعاون، يوجد بها معبد يهودي أعيد بناؤه بعد تدميره عام 1947 خلال أعمال شغب "معادية للسامية".

وفي هذا الشأن يقول "أبو عامر" إن البحرين بها جالية يهودية لا تتجاوز 40 شخصا ولهم عضو يمثلهم في البرلمان ويتمتعون بكافة الحقوق ولهم كامل الحرية في الحركة وهم أصحاب أموال وتجارة المجوهرات، وهذا يعني أن زيارت وفود دينية إلى دولة مثل البحرين لا تكتسب أهمية دينية نظرا لعدم وجود جالية ضخمة تحتاج إلى خدمات دينية.

علاقات تاريخية

تاريخيا، بدأت العلاقات البحرينية الإسرائيلية تتكشف منذ عام 1994 حين زار يوسي ساريد وزير البيئة الإسرائيلي في حكومة إسحاق رابين المنامة على رأس وفد دبلوماسي رسمي كبير للمشاركة في المناقشات الإقليمية حول القضايا البيئية، ووصفت تلك الزيارة بأنها "الأولى إلى دولة خليجية".

وسلطت الزيارة وقتها الضوء على  العلاقات البحرينية المتينة باليهودية، حيث زار الوفد المقبرة اليهودية القديمة في المنامة.

وظلت الأحداث في تتابع والزيارات في تبادل بين الطرفين، حيث اجتمع ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة مع وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي آنذاك في يناير/كانون الثاني 2000 في لقاء هو الأول من نوعه بين مسؤولين رفيعين.

وفي فبراير/شباط 2005 تفاخر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال لقاء جمعه مع سفير الولايات المتحدة بوجود اتصال مع وكالة الاستخبارات الوطنية الإسرائيلية (الموساد)، ونسب إليه قوله: إن "البحرين مستعدة لتطوير العلاقات في المجالات الأخرى أيضا"، وذلك بحسب برقيات كشفها موقع ويكيليكس.

وفي سبتمبر/أيلول 2005، رفعت البحرين الحظر عن بضائع الاحتلال وأغلقت مكتب المقاطعة الإسرائيلية بزعم أن ذلك أحد شروط اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2007، اجتمع وزير الخارجية البحريني مع اللجنة اليهودية الأمريكية في نيويورك أثناء مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي الشهر ذاته، قال إنه التقى وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها تسيبي ليفني، ليدعو في الشهر نفسه من العام التالي أي في 2008 إلى تأسيس تجمع شرق أوسطي يضم إضافة إلى الدول العربية كلا من إسرائيل وإيران وتركيا.

وفي الشهر التالي من نفس العام، زار الملك مقر مؤسسة “American Friends of Lubavitch” اليهودية في الولايات المتحدة، ودعا أعضاءها لزيارة المملكة وقال إنهم مرحب بهم كمواطنين.

وبدأت العلاقات السرية تتكشف وأصبحت الصحف الأمريكية والإسرائيلية تسعى لفضح كل اللقاءات السرية، وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن الملك التقى رئيس الكيان شمعون بيريز وليفني، مؤكدة أنه اللقاء الأرفع مستوى بين شخصيات إسرائيلية وبحرينية.

وظلت العلاقات الإسرائيلية البحرينية تنتقل من السر إلى العلن على هذا المنوال، وبرزت فيها اللقاءات مع اليهود، منها في فبراير/شباط 2010، حين شارك وزير الخارجية في حفل عشاء  بمقر حركة “حباد” الدينية اليهودية.

وكان له تصريح بارز وقتها، زعم فيه أن كيان الاحتلال له وجود تاريخي في منطقة الشرق الأوسط وحينما يدرك الآخرون تلك الحقائق، سيكون من السهل التوصل إلى السلام بين دول المنطقة وإسرائيل، وفق قوله.

شرعنة التطبيع

مضمون تصريح وزير خارجية البحرين، أعاد التأكيد عليه بعد استضافة البحرين ورشة العمل الخاصة بصفقة القرن في يونيو/حزيران الماضي، بحجة إيجاد إطار اقتصادي لدعم خطة السلام الأمريكية.

إذ أجرى مقابلة مع قناة 13 الإسرائيلية على هامش المؤتمر وقال خلالها: إن "إسرائيل جزء أساسي وشرعي من الشرق الأوسط والشعب اليهودي جزء من تراث المنطقة".

وبعدها أطلق الوزير البحريني عدة تغريدات قال فيها: إن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، مبررا لها قصفها لأهداف تدعي تل أبيب بأنها إيرانية. وحظيت تصريحاته بإشادات من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وتبعت جراءة ملك البحرين ووزير خارجيته في إعلان مواقفهم تجاه إسرائيل، جراءة مماثلة من باقي دول الخليج، إذ قال محمد بن سلمان في ديسمبر/كانون الأول 2018: إن السعوديين يشتركون في "الكثير من المصالح مع إسرائيل وإذا كان هناك سلام، سيكون هناك الكثير من المصالح المشتركة بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي".

فيما دعا أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، إلى فتح العالم العربي تجاه إسرائيل، وقال: إن العلاقات بين الدول العربية وتل أبيب يجب أن تخضع لتغيير لتحقيق تقدم نحو السلام بين إسرائيل والفلسطينيين"، فيما استضافت بلاده وفدا إسرائيليا في معرض إكسبو 2020.

أما سلطنة عمان فعلاقتها مع إسرائيل لا تحتاج إلى براهين، إذ أجرى نتنياهو زيارة رسمية إليها في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

تلك الأريحية في تطبيع العلاقات الخليجية الإسرائيلية، دفعت مركز القدس للشؤون العامة الإسرائيلي، للتأكيد على أن دول الخليج لم تعد تخشى التطبيع مع تل أبيب، وأنها باتت تروج لها بصورة بطيئة تتزامن مع "صفقة القرن".

وقال المركز في مقال للصحفي يوني بن مناحم، نشر في مايو/آيار الماضي: إن عملية التطبيع السري بين إسرائيل ودول الخليج بدأت في الظهور جنبا إلى جنب مع عملية صياغة صفقة القرن، ومن المفترض أن يكون التطبيع المفتوح جزءا لا يتجزأ من تلك الصفقة.

وأوضح أن "إسرائيل بدأت في المشاركة علنا بالأنشطة الرياضية والثقافية في الدول العربية بما في ذلك الإمارات وقطر وعمان والبحرين".

وأشار الكاتب إلى أن "إحدى الدول التي تجنبت استضافة الوفود الإسرائيلية علانية هي السعودية. ومع ذلك، فإن العالم العربي على يقين من وجود علاقات دبلوماسية وأمنية وثيقة للغاية بين إسرائيل والقصر الملكي السعودي من وراء الكواليس، وأن هذه العلاقات ستنشر علنا في اللحظة التي يصبح فيها ذلك ممكنا بالنسبة للسعودية".

حقل اختبار

وكانت صحيفة "لوران لوجور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، ذكرت أن سبب استضافة المنامة للمؤتمر الاقتصادي يرجع إلى أنها تقع بين السعودية وقطر في الخليج العربي، وتحظى باهتمام أقل على الساحة السياسية الإقليمية، فمساحتها 765 كيلو متر مربع وتعتمد بشكل كبير على المساعدات المقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي، وتعتبر بانتظام مجرد قاعدة خلفية للمملكة الوهابية.

وبدوره، قال أبو عامر: إن البحرين تستخدم كحقل اختبار أو رأس حربة للسياسات الخليجية الأخرى تجاه إسرائيل ولقياس ردود الأفعال على ما تقوم به البحرين وما تقدم عليه بعلاقاتها مع تل أبيب، وذلك بسبب ضعفها الجيو إستراتيجي واعتمادها الكبير في أمنها على دول خليجية أخرى خاصة السعودية.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن تصاعد العلاقات البحرينية الإسرائيلية تزايد بعد انطلاق موجة التظاهرات في البحرين بما يعرف "الربيع العربي"، حين واجه النظام البحريني تهديدا على مستقبله واضطر للاستعانة بالقوات السعودية، مما حول البحرين إلى مملكة تابعة للسياسة السعودية.

وأشار "أبو عامر" إلى أن البحرين أصبحت تتقدم الصفوف في مجال العلاقات التي لا يمكن للسعودية أن تتحرك بها بسهولة خاصة ملف العلاقات مع إسرائيل، ولذلك لا يمكن أن تكون السياسة البحرينية إلا بموافقة سعودية في هذا الشأن.

وأكد أن إرسال البحرين الوفود للكيان الصهيوني واستقبالها وفودا سواء رسمية أو شعبية يتم بغطاء سعودي بالمقام الأول وبمباركتها.

وأشار إلى أن أهم هذه التحركات هو مؤتمر المنامة الاقتصادي، والذي ما كان له أن ينعقد دون الدعم السعودي له باعتبارها أكبر ممول لعملية السلام التي دعا إليها جاريد كوشنر مسؤول ملف مفاوضات السلام في إدارة دونالد ترامب وصديق  ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.