لأول مرة.. الاحتجاجات اللبنانية تضع القضاء تحت الضغط

12

طباعة

مشاركة

منذ المظاهرات التي انطلقت في لبنان أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجا على إجراءات التقشف التي أقرتها الحكومة، الاستدعاءات القضائية تجاه كبار القادة في ازدياد، لكن رغم ذلك يظل الفساد ممنهجا في بلد يحكمه نظام مقسم طائفيا منذ عشرات السنين.

ووفقا لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، فإنه في 23 أكتوبر/ تشرين الأول، تسبب أحد الأخبار في صدمة بلبنان، وهو بدء النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، إجراءات ضد واحد من أكبر الأثرياء بالبلاد، وهو رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي.

وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية حينها أن الادعاء على ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه و"بنك عودة" لحصولهم على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان، وهو ما نفاه رئيس الوزراء الأسبق.

هذه القرار، بحسب الصحيفة، كان رمزا قويا، خاصة أنه جاء بعد سبعة أيام فقط من الاحتجاجات الكبرى التي دعت إلى استقالة الطبقة السياسية، متهمة إياها بجر البلاد إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية التي شهدتها لبنان عام 1990.

وأضافت "لوفيجارو" على خطى القاضية عون، رفع المدعي العام المالي دعاوى ضد عدد كبير من الوزراء وكبار المسؤولين، ولأول مرة، يُجبَر هؤلاء المشتبه فيهم رفيعي المستوى، على التجاوب مع القضاء التي كان يمكنهم في السابق تجاهله.

ونقلت عن قاض لبناني طلب عدم الكشف عن هويته "لقد جاء السياسيون بهدوء لمكتبي منذ بدء الاحتجاجات"، مشيرا بشيء من الارتياح وملف في بيده إلى أن الوزير ذا النفوذ صاحب هذا الملف أجبر على القدوم إلى هنا.

سر مكشوف

لكن بالنسبة للعديد من المتخصصين القانونيين اللبنانيين، لا تمثل هذه المبادرات أكثر من أفعال سياسية تهدف إلى خلق انطباع معين أو إثارة إعجاب، وتكشف بشكل كبير عن اضطراب السلطة أكثر من كونها مرادفة للتغيير الحقيقي داخل النظام القضائي.

ونقلت الصحيفة الفرنسية عن المحامية والناشطة السياسية نادين فرغل، قولها: إن "هذه الدعاوى ليست ذات مصداقية. إنها استجابة للمطالب السياسية، لا أكثر".

واعتبرت "لوفيجارو" أن تأثير السياسة على العدالة "سر مكشوف" في لبنان، حيث إن عدد السياسيين الذين يتم إرسالهم خلف القضبان، يمكن احتسابهم على أصابع اليد الواحدة في بلد جاء مؤخرا في قائمة منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، التي تقيس مستوى الفساد، إذ احتل المرتبة 138 من بين 180 دولة.

وفي حديث للصحيفة، قال الصحفي اللبناني رياض قبيسي، أحد أكبر محاربي الفساد في البلاد: "يجب وضع نصف السياسيين في السجن. أولئك الذين لم يسرقوا الأموال العامة يغطون على الآخرين".

ويؤكد ساخرا، أن حمى مكافحة الفساد التي اجتاحت اللبنانيين ناتجة في الأساس عن الأزمة الاقتصادية الراهنة. وأفادت دراسة حديثة بأن عشرات الآلاف من الأشخاص فقدوا وظائفهم في الأشهر الأخيرة، بينما يتقاضى آخرون نصف رواتبهم.

وأوضحت "لوفيجارو" أنه رغم ذلك، حققت "الثورة" - وهو مصطلح يستخدمه مؤيدو الحركة الاحتجاجية - بعض الانتصارات المهمة. ففي 17 نوفمبر/ تشرين ثاني، تم انتخاب المرشح المستقل، ملحم خلف، رئيسا لنقابة المحامين في بيروت، متغلبا على مرشحين يمثلون أحزابا سياسية لأول مرة، وعندما أعلن فوزه، تعالى الصياح "ثورة، ثورة".

وأشارت إلى أنه منذ ذلك الحين، دأب ملحم خلف، وأحيانًا لوقت متأخر من الليل، إلى الدفاع عن المتظاهرين المحتجزين في مراكز الشرطة بالعاصمة بيروت وتوكيل محامين للدافع عنهم.

وقال خلف لصحيفة "لوفيجارو": منذ اللحظة التي سمعنها فيها الناس يطالبون بحقوقهم، لا يمكننا سوى أن نقف بجانبهم". ورغبة منه اليوم في "الاتحاد" وراء "صرخة الأمل" المتمثلة في انتخابه، يرسم ملحم خلف صورة غير مشرقة للعدالة في بلاده.

وشدد المحامي على "ضرورة إرساء الديمقراطية في النظام. لقد عطلت الطبقة السياسية القضاء تماما. وإلى أن يصبح مستقلا، لن نشهد معركة حقيقية ضد الفساد".

جذور الفساد

ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإنه لفهم جذور هذا الفساد، يجب العودة إلى عام 1943 والميثاق الوطني الذي عرف لبنان الحديث كدولة قائمة على توزيع السلطات بين الجماعات الدينية.

وتابعت: أن هذا القانون التأسيسي، الذي من المفترض أن يحمي الأقليات الدينية الثمانية عشر المختلفة في البلاد، قد ولّد ممارسات عميلة تنعكس على العدالة، حيث تعمل التعيينات وفقا للنظام نفسه: المدعي المالي شيعي، ورئيس المجلس الأعلى للمجلس القضاء ماروني، المدعي العام للجمهورية سني، وما إلى ذلك.

وأكدت الباحثة القانونية مريم مهنا للصحيفة الفرنسية، قائلة: "نجد أنفسنا في وضع يكون فيه للزعيم، الذي يعتبر نفسه يمثل مجتمعه الديني، الكلمة الفصل في تعيين قاض بمنصبه لأن التعيينات القضائية تتم بموجب مرسوم وزاري".

وأوضحت أن ضغط الشارع دفع بلجنة العدل النيابية إلى النظر في مشروع قانون يهدف إلى إصلاح ​القضاء أوائل ديسمبر/ كانون أول. هذا القانون الذي قدمه تسعة نواب، يهدف إلى تعزيز استقلال القضاة، من بين أمور أخرى حتى لا يتعرضوا للضغط السياسي.

ونوهت مهنا في حديثها لـ"لوفيجارو" إلى أن "القاضي اللبناني معزول تماما. لا يمكنك أن تطلب منه أن يكون بطلا واتخاذ إجراءات قانونية دون أي شبكة أمان في نظام الفساد فيه هيكليا".

وبشكل منفرد، هذه الاختراقات الصغيرة رحب بها بعض القضاة. وقال القاضي السابق للصحيفة: إنه "لا يمكننا الاستمرار في نظام تكون أعمدته طائفية. نحن بحاجة إلى دولة علمانية. أنا مع التغيير بأي شكل من الأشكال".

من جهتها، أكدت مهنا أن نهاية النظام الطائفي، تعني نهاية الزعماء السياسيّين اللبنانيين الحاليين. وهذا الخيار يبدو غير مرجح بعد، من دون تصاعد أعمال العنف، الذي لا يجرؤ أحد على تصوره، فجراح الحرب الأهلية لم تشف بعد.

ورغم ذلك يقول ملحم خلف في حديثه لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: إنه متفائل رغم كل شيء "أعتقد أن هناك صحوة، نحن على الطريق، لكننا سنستغرق بعض الوقت".