لماذا خسر جيرمي كوربن؟

أسامة جاويش | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"في هذه البلد لو أردت الفوز في الانتخابات فما عليك إلا أن تكذب" بنبرة حزينة ومحبطة تحدث ساندي مارتن مرشح "حزب العمال" بعد خسارته لمقعده أمام هونت مرشح "حزب المحافظين" في مدينة إبسويتش البريطانية، التي تقع شمال شرق العاصمة البريطانية لندن.

عرفت ساندي مارتن عن قرب من خلال إقامتي في تلك المدينة الصغيرة لمدة قاربت العامين، وعرفت تبنيه ودعمه لقضايا المهاجرين واللاجئين وانحيازاته القوية لحقوق الأقليات ونبذ خطاب العنصرية والكراهية في مجتمع تعداده السكاني قليل بالمقارنة بمدن ودوائر انتخابية أكبر في بريطانيا.

ومع ذلك خسر ساندي أمام منافس لم يهتم كثيرا بما يهم أهالي إبسويتش بقدر اهتمامه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهل كان السبب فقط هو الكذب كما قال ساندي مارتن؟ أم أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بالمزاج العام للناخب البريطاني وبعض الأمور الأخرى؟

لو أن حملة منظمة استهدفت شخصا بعينه لفترة من الزمان وقامت بمحاصرته في زاوية هي الأكثر حساسية في بريطانيا وهي تتعلق بمعاداة السامية فهل يمكن أن ينجو حقا؟

جيرمي كوربين زعيم "حزب العمال" البريطاني الذي رفض الغزو البريطاني للعراق أيام حكومة توني بلير وله مواقف مشرفة من القضية الفلسطينية ورفض ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وله خطاب داعم للأقليات وحقوق المهاجرين واللاجئين وجد نفسه محاصرا في لقاء تلفزيوني يطالبه بشيء واحد وهو الاعتذار لليهود عن إدعاءات تتعلق بمعاداته للسامية ولكنه لم يعتذر بشكل واضح.

كوربين وجد نفسه على أغلفة الصحف الكبرى في بريطانيا، ظل لأيام ملاحقا بتهمة معاداة السامية، وتوالت على تويتر الهاشتاجات للحديث عن رفضه الاعتذار وعن موقفه من اليهود والرجل يحاول جاهدا أن يوضح الصورة وينفي التهم ويفند الإدعاءات، ولكن الوقت لم يسعفه على ما يبدو فكانت تلك الحملة مؤثرة على حظوظه في الفوز برئاسة الحكومة بشكل كبير وخسارته ما يقارب سبعين مقعدا للمرة الأولى منذ عام ألف وتسعمائة وخمسة وثلاثين في هزيمة انتخابية هي الأكبر والأفدح في تاريخ حزب العمال البريطاني.

حزب العمال كانت له أخطاؤه أيضا التي لم تمكنه من تحقيق مراده في تلك الانتخابات، فإلى جانب حملات التشويه التي نالت كوربين هناك أيضا موقف الحزب غير الواضح من قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي البريكست، وهو ما قامت تلك الانتخابات المبكرة بالأساس من أجل حسم الخلاف بشأنه. 

كوربين هو من دعا مع حزبه لتلك الانتخابات، وطالبوا بها ولكنهم لم يقدموا موقفا واضحا للشعب البريطاني من قضية بريكست، فلا هو أعلن أنه مع الخروج، ولا هو أعلن أنه مع البقاء. وإنما حاول إمساك العصا من المنتصف ليعلن أنه لو فاز فسيعلن عن صفقة جديدة تنفع الاقتصاد البريطاني، إذا ما خرج من الاتحاد الأوروبي، وسيطرحها أمام الشعب للاستفتاء عليها أو على البقاء في الاتحاد الأوروبي وهذه اللهجة المترددة لا تصلح في انتخابات وأجواء محتقنة كهذه.

الأمر الآخر يتعلق بالبرنامج الذي طرحه "حزب العمال" في هذه الانتخابات، فمع التأكيد على أنه برنامج قوي يلامس احتياجات الناخب البريطاني من إصلاح منظمة وزارة الصحة والضرائب، إلا أنه كان برنامجا طويلا لدرجة جعلت الناخب البريطاني تائها أمام ما يقرأه من وعود انتخابية.

على العكس "حزب المحافظين" الذي لعب رئيسه ومرشحه بوريس جونسون على نقطتين هامتين في موقف كهذا وهما الوضوح والبساطة. جونسون اتخذ شعاره من قلب البريكست فأعلن للناخب البريطاني أن شعاره لننجز البريكست، هكذا عرف جونسون وحزبه من أين تؤكل الكتف مع التأكيد على دور اللوبي الإسرائيلي في دعم جونسون للفوز بهذه الانتخابات.

نعود إلى بداية القصة، وهي إذا أردت الفوز في انتخابات في هذا البلد، فما عليك إلا الكذب، وهي مقولة تحمل نسبة كبيرة من الصحة فحملة البريكست في استفتاء 2016 تم بناؤها بالأساس على إشاعات كاذبة ومخاوف وهمية ووعود لم تتحقق وربما لن تتحقق.

هذا ما يتهامس به الكثيرون هنا في بريطانيا في هذه الانتخابات أيضا، وهي اتهامات تواجه رئيس الحكومة الحالي وحزبه الذي يتوقع أن يخرج ببريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميا في الحادي والثلاثين من العام الجديد بعد أقل من شهر ونصف.

خسر جيرمي كوربين إذا، وخرج من الحياة السياسية من الباب الضيق في نهاية مأساوية لم تكن أبدا تليق برمز سياسي كبير ورجل صاحب تاريخ نضالي عريق، ولكنها الديمقراطية التي تنعم بها بريطانيا وحرمت منها بلداننا وشعوبنا العربية.