أجندات خارجية على حساب تونس.. ماذا تخبئ حقيبة التيار القومي؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بمجرد دخولك مقر حزب "حركة الشعب" في شارع جمال عبدالناصر، وسط العاصمة التونسية، ستجد نفسك أمام صورة كبيرة للرئيس المصري الراحل تتصدر القاعة، تقام تحتها جل لقاءات الحزب.

أثناء مشاورات الحكومة الجديدة، التي يجريها حاليا حزب حركة النهضة، صرح قياديون بحزب حركة الشعب أن من شروط تعاملهم مع النهضة أن يحضر رئيسها (راشد الغنوشي) ويلتقط صورة تحت صورة عبدالناصر.

الحركة وعلى لسان سالم الأبيض أحد قادتها، عللت رفضها المشاركة في الحكومة الجديدة بقيادة الحبيب الجملي، بأن موقف الأخير غير واضح من "الاتفاق التركي الليبي حول ترسيم الحدود البحرية"، حيث أعلنت الحركة رفضها للاتفاق.

الحركة التي لاتزال تعرف نفسها، أنها حزب قومي عروبي يحمل شعار الاتحاد الاشتراكي المصري في زمن عبد الناصر "وحدة، اشتراكية، حرية"، لا تفرط في أي مناسبة للتعبير عن انحيازها لنظام بشار الأسد في سوريا، وانقلاب 3 يوليو/تموز في مصر، وتصف السيسي بأنه "رجل دولة بامتياز".

الخيارات التي لا تزال الحركة تتبناها تفتح باب التساؤل عن مدى التزام القوميين في تونس، بالأولويات الوطنية على حساب التزامات خارجية تأتي في إطار المحاور المتصارعة بالمنطقة.

تقدم ملحوظ

مع إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في تونس يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حقق حزب حركة الشعب تقدما ملحوظا مقارنة مع ما حققه في جميع الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها البلاد منذ العام 2011.

حصل الحزب على 16 مقعدا بالبرلمان (217 مقعدا) في انتخابات 2019، بينما لم يتمكن في انتخابات العام 2014 من الحصول سوى على 3 مقاعد فقط، وحصل في انتخابات المجلس التأسيسي على مقعدين فقط.

حسب مراقبين، فإن حركة الشعب جاءت في ترتيب متقدم في نتائج انتخابات  2019 لاعتبارين اثنين، أولهما كسب ثقة الناخبين الذين صوتوا للمرشح الذي دعمته في انتخابات الرئاسة "الصافي سعيد" الذي حل في المرتبة السادسة بـ 6.6%، وثانيهما أن الرجل الأول في الحركة زهير مغزاوي نجح في مغازلة آلاف النقابيين بخطاب يتماشى ورؤية الاتحاد العام التونسي للشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

هذه النتائج التي اعتبرت إيجابية جعلت من الحركة أحد الأحزاب المشمولة بالمشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أنها قابلت هذه الدعوات بالرفض، لأسباب قد يعتبرها البعض تكتيكية بينما يعتبرها آخرون أيديولوجية.

شطط الأيديولوجيا

الاتفاق التركي الليبي حول ترسيم الحدود البحرية، لا يمس تونس ولا يهدد مصالحها ولا أمنها القومي في المنطقة، لكن وفي استباق لموقف تونس الرسمي، سارعت حركة الشعب بإعلان رفضها الاتفاق، مؤيدة موقف مصر واليونان وقبرص اليونانية.

الحركة أصدرت بيانا شديد اللهجة، اعتبرت فيه الاتفاق "احتلالا لليبيا واعتداء على شعبها، وخرقا كاملا لكل الاتفاقات والتفاهمات الداخلية مثل اتفاق الصخيرات ولعلاقات حسن الجوار مع دول المنطقة ودول البحر الأبيض المتوسط".

الحركة استنكرت "صمت الجهات الرسمية حكومة ورئاسة، تجاه الاتفاق وعدم التصدي له، لما يمثله من خطر مباشر على تونس المعرضة باستمرار لخطر الجماعات الإرهابية المحمية من حكومة الوفاق في طرابلس وحكومة تركيا"، حد زعمها.

وأبدى القيادي في الحزب سالم الأبيض استغرابه من صمت رئيس الحكومة المكلف (الحبيب الجملي) من هذا الاتفاق وهو ما اعتبره سببا لعدم مشاركة حركته في حكومته المقبلة.

حزب "التيار الشعبي" المنشق عن "حركة الشعب" في 2012، دعم موقف رفيقه السابق ووصف الاتفاق التركي الليبي بأنه "بمثابة الاحتلال ويعبّر عن أطماع تركيا الاستعمارية في المنطقة".

وقال الحزب في بيان يوم 18 ديسمبر /كانون الأول الجاري: "الأوضاع في ليبيا الشقيقة تفاقمت إثر إقدام ما يسمى حكومة الوفاق في طرابلس على عقد اتفاق مع تركيا يقضي بإرساء حماية تركية على ليبيا ومقدراتها، في محاولة من مليشيات الإخوان لحماية إماراتها في طرابلس ومصراته على حساب وحدة ليبيا وشعبها وعلى حساب الأمن القومي لكل دول المنطقة"، حد زعمه.

دعم الاستبداد

موقف القوميين هذا الذي لم يراع علاقات بلاده من الخارجية ومصالحها الوطنية، لم يكن الأول من نوعه، فمنذ فترة اشترط حزب حركة الشعب على حركة النهضة قبل إنجاز أي تحالف معها "تقييم ما جرى في السنوات الماضية من تسفير للشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب في سوريا وليبيا والعراق والاغتيالات هنا (تونس)".

وسبق أن صرح الأمين العام للحركة زهير المغزاوي في العام 2015، بالقول: إن "حركة النهضة جزء من معسكر استهدف سوريا وحلب، النهضة نظمت مؤتمر أصدقاء سوريا في 2012 وهي جزء من هذا المحور المستهدف لسوريا"، حد زعمه طالبا من الحركة تحديد موقفها من الإرهاب. مضيفا أن ما "يحدث في سوريا مشابه لما يحدث في تونس في مسألة الحرب ضد الإرهاب".

وفي الوقت الذي تتهم فيه حركة الشعب، النهضة بدعم الإرهاب، تجري قيادات "الشعب" زيارات مستمرة لدمشق، وتطلق تصريحات مؤيدة لبشار الأسد رغم جرائمه البشعة في حق شعبه وقتله الآلاف من النساء والأطفال.

شارك المغزاوي في زيارة لدمشق عام 2016، واصفا بشار الأسد بـ"القائد العظيم"، والجيش السوري بـ"جيش مقاوم وحامي الديار".

لم يبد المغزاوي مانعا من لقاء عبد الفتاح السيسي في مصر، باعتباره "رئيسا شرعيا لمصر"، وسبق أن وصف انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 بأنه "تغيير سياسي  استجابة لإرادة الشعب".

سبق وأن كشفت مباركة البراهمي القيادية في حزب التيار الشعبي (قومي ناصري) وأرملة الفقيد محمد البراهمي وجود كتيبة ضمن الحرس القومي العربي تحمل اسم "الشهيد محمد البراهمي" والتي تقاتل في سوريا منذ العام 2013 إلى جانب قوات بشار.

وأكدت تقارير عن وجود مقاتلين تونسيين ضمن الكتيبة، وأن محمد العماري الملقب بـ "الجنرال" هو تونسي الجنسية، يعتبر أحد أبرز قيادات ميليشيا الحرس القومي.

ويعتبر العماري أحد أبرز القيادات الشابة في التيار الشعبي بتونس المنتمي للجبهة الشعبية المعارضة، ومن المقربين للمعارض الراحل محمد البراهمي، والذي ظهر معه في لقاء بمنزل الأخير رفقة أسعد حمود زعيم ميليشيا الحرس القومي العربي.

إرث تاريخي

تعود جذور الحركة القومية في تونس، حسب توصيف قادتها، إلى فترة الصراع "البورقيبي اليوسفي"، نسبة إلى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، والأمين العام للحزب الحر الدستوري صالح بن يوسف.

هذا الصراع الذي انفجر بين القياديين الوطنيين قبيل الاستقلال، بعد قرار الحزب المضي في الاتفاق على الاستقلال الذاتي عام 1952، باعتبارها خطوة نحو الاستقلال التام.

الخلاف تطور بين الطرفين بتنفيذ اليوسفيين محاولة انقلابية عام 1962، بعد عام واحد من اغتيال ابن يوسف في أحد فنادق فرانكفورت بألمانيا في 12 أغسطس/آب 1961.

منذ بداية المعركة بين الزعيمين، كان واضحا أن ابن يوسف اختار أن يكون إلى جانب التيار القومي العربي الذي كان يتزعمه آنذاك الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ويمثله البعض من قادة جبهة التحرير الجزائرية وعلى رأسهم أحمد بن بلة.

في أبريل/نيسان من سنة 1977، وتحديدا في ذكرى اليوم العالمي لمقاومة الإمبريالية، أعلن القوميون عن أنفسهم كفصيل سياسي جديد حاملا استتباعات الصراع القديم مع بورقيبة، وأطروحات التيار الناصري في المنطقة، مبشرين بالثورة العربية التي دعا لها المفكر المصري عصمت سيف الدولة.

في ذلك الوقت، كانت الجامعة التونسية المتنفس الوحيد لجميع التيارات السياسية، وكانت الفصائل الماركسية وقتها تهيمن على ساحة الجامعة السياسية، بينما التيار الإسلامي يتحسس خطاه.

منذ نشأته، انخرط التيار القومي في مختلف المنظمات النقابية والطلابية والحقوقية، إلا أن حسابات أخرى وارتباطات بدول إقليمية أثرت على النضال السياسي للتيار في تونس.

ففي العام 1980، شنت مجموعة مكونة من 60 مسلحا ينتمون جميعهم إلى فصائل المعارضة التونسية ذات التوجهات القومية، عملية مسلحة في مدينة قفصة غرب البلاد، في الليلة الفاصلة بين 26 و27 يناير /كانون الثاني.

حاول المسلحون ساعتها الاستيلاء على المدينة قبل أن يوجهوا دعوتهم للأهالي للانضمام إلى الثورة المسلحة والإطاحة بالنظام البورقيبي بعد أن جمعتهم الرغبة في تغيير الأوضاع في تونس بعد القمع الذي تعرضت له الحركة النقابية عام 1978.

وفي شهادته على العصر كشف رئيس الحكومة التونسي الهادي البكوش، أن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أرسل عشرات من المعارضين التونسيين إلى قفصة للقيام بالعملية، وتمكنوا من الهجوم على ثكنة كان بداخلها جنود، وقتلوا بعضهم، وسيطروا عليها، وكانت خطتهم أن تكون قفصة هي البداية، لكن الجيش والأمن التونسي أفشلا العملية.

ومع وصول الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إلى الحكم اكتفى القوميون بعد التضييق السياسي الواسع في البلاد بالعمل النقابي صلب الاتحاد العام التونسي للشغل، والمشاركة في مختلف التظاهرات والاحتجاجات في مختلف المحطات التي شهدها العالم العربي، مثل الانتفاضة الفلسطينية (2000) والغزو الأمريكي للعراق (2003) وحرب غزة الأولى (2008).