سوس ينخر المؤسسات.. كيف كشفت الأمطار فساد قادة العسكر بمصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مؤخرا، شهدت مصر موجة طقس مفاجئة محملة بالأمطار والسيول، أدت إلى كوارث متعددة، تمثلت في مصرع مواطنين، وانهيارات جزئية بعدد من الطرق الجديدة، التي تم تنفيذها من قبل جهاز المشروعات الوطنية التابع للجيش.

ما وقع من كوارث فتح الباب لعودة الحديث عن عجز دولة السيسي وأجهزته ونظامه في تحقيق أي نهضة تذكر بقطاع البنية التحتية، أو تجنب العشوائية وسوء التخطيط في إقامة مشاريع الطرق والكباري.

السيسي الذي أطلق يد الجنرالات في جميع مفاصل الدولة منذ انقلاب يوليو/ تموز 2013، وأدخل القوات المسلحة في صراعات سياسية واقتصادية معقدة، هل فشل مع ضباطه في انتشال الدولة من أزمات موحلة؟.

قتلى الأمطار

في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تعرضت مصر لحالة من الطقس السيئ أودت بحياة نحو 20 شخصا جراء سقوط الأمطار الغزيرة، وخاصة في القاهرة، بالإضافة إلى المدن الساحلية ووسط وشمال سيناء.

وتنوعت أسباب الوفاة ما بين حوادث الطرق نتيجة غرق الشوارع، والصعق بالكهرباء جراء انكشاف الأسلاك بأعمدة الإنارة، والسقوط من أعلى أسطح المنازل أثناء إزالة مياه الأمطار، بالإضافة إلى انهيارات جزئية في بعض الطرق والكباري الجديدة، التي أشرف على إنشائها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

الحكومة المصرية بررت غرق الشوارع، وتأثرها بعدم قدرتها المالية على بناء شبكة لتصريف الأمطار، ما دفع رواد مواقع التواصل الاجتماعي لتدشين وسم "شوارعنا أولى من قصورك"، مستنكرين تلك التصريحات التي وصفوها بـ"الصادمة".

كما انتشرت صور ومقاطع للعديد من الشوارع الغارقة في المياه، خصوصا مناطق مدينة نصر ومصر الجديدة والتجمع الخامس، بالقاهرة. وحذرت الحكومة في بيانها من الوقوف تحت اللوحات الإعلانية أو بجانب أعمدة الإنارة وأكشاك الكهرباء، أو أسفل شرفات المنازل القديمة.

يمثل موسم الأمطار كارثة على مصر، عكس العديد من دول العالم، والسبب هو أن الشوارع تتحول إلى برك ومستنقعات، ما يؤدي بدوره إلى تعطيل حركة المرور وغرق ملايين الأفدنة الزراعية وتضرر المزارعين بسبب ضياع المحصول، بالإضافة إلى حوادث الطرقات وسقوط الأشجار والأعمدة الكهربائية، وصولا إلى وفاة العشرات، بسبب فشل أجهزة الدولة في التعامل مع الأمطار التي تمثل حدثا طبيعيا.

أواخر عام 2016، تعرضت محافظات مصرية لأمطار غزيرة وسيول، نتج عنها مقتل 29 شخصا، وإصابة 72 آخرين، فضلا عن خسائر فادحة بملايين الدولارات.

 

الدائري الإقليمي

كان من بين أفدح الحوادث الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة، انهيار الطريق الدائري الإقليمي الواصل بين مدينة الفيوم وطريق الإسكندرية الصحراوي، نتيجة عدم تحمله موجة الأمطار المتوسطة، وهو أحد الطرق الرئيسية التي أشرف الجيش على تنفيذها مؤخرا، وتفاخر به الجنرالات، بما يكشف بوضوح تغلغل الفساد بهذه المشروعات.

تم افتتاح المشروع في 9 سبتمبر/أيلول 2018، على يد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وأشرفت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على تنفيذه، بتكلفة وصلت إلى 7.9 مليارات جنيه، وأبدى السيسي اعتراضه، آنذاك، على بقاء الأراضي الزراعية على جانبي الطريق، وقال: "لو سيبنا الأرض الزراعية هاتكون مناطق مبنية كمان 5 أو 6 سنوات".

وقررت الإدارة العامة للمرور في مصر غلق الطريق الدائري الإقليمي عند الكيلو 30 في الاتجاهين، بسبب هبوط جزء من الطريق بعمق 30 مترا تقريبا، وتجمع كميات كبيرة من مياه الأمطار، والتي أدت إلى هبوط الطريق بطول يصل 150 مترا، وعرض 30 مترا.

وحذرت إدارة المرور المواطنين من ارتياد الطريق، إلى حين الانتهاء من عملية إصلاحه، لا سيما قادة المركبات القادمين من طريق الواحات في اتجاه محافظة الفيوم.

وكان المقاول والفنان المصري محمد علي، الذي عمل قرابة 15 عاما في مشروعات يشرف عليها الجيش، قد كشف العديد من وقائع الفساد في تنفيذ المشروعات التي تتولى مسؤوليتها المؤسسة العسكرية، نتيجة عدم خضوعها لأي رقابة، أو عرضها على المكاتب الاستشارية، وهو جعل قيادات في المؤسسة العسكرية يجمعون ثروات طائلة من أموال الشعب، لكن الأفدح أن الثمن الآن يدفع من أرواح المواطنين لا من جيوبهم.

 

في 23 مايو/ آيار 2014، صرح السيسي قائلا: "هعملك شبكة طرق في خلال سنة تمسك مصر كده"، لكن بعض المشروعات التي تم الانتهاء منها باحتفالات ودعاية كبرى من الآلة الإعلامية للنظام، شهدت انهيارات مفاجئة عقب افتتاحها بأشهر وجيزة، لعوامل فنية وبيئية مختلفة.

وفي أغسطس/ آب 2015 أعلن عبد الفتاح السيسي، إطلاق "المشروع القومي للطرق"، وتحدث عن وجود خطة إنشاء طرق جديدة بأطوال 3300 كم، منها 1300 كم تنفذها الهيئة العامة للطرق والكباري، و1200 كم تحت إشراف القوات المسلحة و800 كم تحت إشراف وزارة الإسكان.

هذه المشروعات "القومية" المنهارة، تم إسناد بعضها في التنفيذ إلى القوات المسلحة، من بينها انهيار جزء من مشروع القوس الغربي من الطريق الدائري الإقليمي، وسقوط كوبري علوي تحت التأسيس، عند كمين الروس بمنطقة كوم أبوراضي، وانهيار كوبري المشاة أمام سوق العبور بالقاهرة، وانهيار جزء من كوبري المنيل على طريق المنصورة/ جمصة (شمال)، وانهيار جزئي بكوبري الجامعة الجديد بمحافظة سوهاج (جنوب)، وذلك عقب افتتاحه لمرور السيارات.

 

عسكرة المناصب

وتأتي الأزمة الواقعة، في ظل سيطرة كاملة من قبل العسكريين على المحليات في مصر، وامتلاكهم زمام المحافظات، وإدارة الأحياء، ففي مطلع سبتمبر/ أيلول 2018 شهد السيسي، أداء اليمين للمحافظين الـ27 ونوابهم الـ18 في أكبر حركة تغيير للمحافظين، شملت تغيير 21 محافظا، ولم يحتفظ بمنصبه سوى خمسة لواءات هم محافظو شمال سيناء وجنوبها، وقنا، والبحر الأحمر، وبورسعيد، والوادي الجديد.

وكشفت الحركة عن وجود 19 جنرالا بين المحافظين الجدد، ممن تجاوزو عمرهم الستين عاما، وهو أكبر عدد للواءات في صفوف المحافظين منذ عقود طويلة، بعدما غلب على النظام الطابع العسكري الشمولي.

وأورد الباحث بمركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، يزيد صايغ، في مقالته بعنوان "فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر": أن "ثمّة عدد مُلفِت من الضباط، هم أعضاء في مجالس الإدارة لمجموعة كبيرة من المرافق العامة المملوكة للدولة ومشاريع البنية الأساسية الرئيسة ومايرتبط بها من أشغال وخدمات".

وقال: "العديد من هذه المرافق هي جزء من الشركات التجارية القابضة الكبيرة التي تأسست كمشاريع اقتصادية مملوكة للدولة خلال المرحلة الأولى من الخصخصة بدءا من العام 1991 (أي تحويل المشاريع الاقتصادية للقطاع العام إلى شركات تجارية تعمل في إطار القواعد المالية للضرائب والأجور المطبقة على الشركات الخاصة)". 

وأكد: "الضباط هم رؤساء أو أعضاء في مجالس إدارة الشركات القابضة للطيران والمطارات، والنقل البحري والبري (بما في ذلك جميع هيئات الموانئ البحرية) والكهرباء والمياه والصرف الصحي – والعديد من شركاتها الفرعية التي تملكها جزئيا أو كليا". 

واختتم صايغ مقالته مشددا: "ولن تولد الجمهورية الثانية في مصر إلا عندما تُفكك جمهورية الضباط وتُستخرج من باطن الدولة المصرية بالكامل"

 

قادة مرتشون 

على وقع قضايا الفساد داخل الإدارة المحلية في مصر، التي يسيطر عليها الجيش، ويقوم بإدارتها اللواءات، تبدت إدعاءات النزاهة، إثر سقوط رؤساء الأحياء في قبضة هيئة الرقابة الإدارية، بتهم الرشاوى، وسوء استغلال المنصب. 

في يناير/ كانون الثاني 2019، ألقت قوات الأمن القبض على اللواء محمد زين العابدين رئيس حي مصر القديمة (لواء سابق بالجيش)، وذلك بتهمة تلقي مليون جنيه رشوة من وسيط، نظير توقيفه قرار إزالة مبنى كامل جديد في الحي مخالف للمواصفات.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، تم القبض على اللواء عبدالرحمن منصور، رئيس حي غرب الإسكندرية، داخل مقر الحي، بعد شهر واحد من تعيينه، إثر تلقيه رشوة مالية من أحد المقاولين بقيمة 30 ألف جنيها، لتمرير مخالفات جسيمة في البناء يعاقب عليها القانون.

وفي أغسطس/ آب 2018، ألقت قوات الأمن القبض على اللواء السابق بالجيش إبراهيم عبدالعاطي، رئيس حي الهرم، متلبسا في مكتبه خلال تقاضيه مبلغ مالي كرشوة، مقابل التفاوض مع إحدى شركات البناء لعدم اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة حيال عقاراتها المخالفة في البناء، وتم تسجيل تلك المفاوضات التي تمت بين المتهم والراشي، بمعرفة الأجهزة الرقابية والنيابة العامة.

في يونيو/ حزيران 2018، ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على اللواء نادر السعيد رئيس حي الدقي، وصاحبى شركة مقاولات وأحد الوسطاء الذي يعمل فى مجال المحاماة، وذلك لطلب وتقاضى رئيس الحى رشوة بقدر 250 ألف جنيه، ووحدة سكنية بشارع البطل أحمد عبدالعزيز، قيمتها حوالي مليوني جنيه من مالكي العقار، مقابل عدم إزالة العقار نتيجة وجود مخالفات فيه.

الصحفي المصري محمد يوسف قال لـ"الاستقلال": "الفساد المستشري داخل الإدارة المحلية نابع من ضعف الأجهزة الرقابية في مصر، وتحجيم دورها، فما يتم كشفه من مخالفات ووقائع فساد، لا يتجاوز 1% من الحقيقة، التي هي أسوأ كثيرا من الواقع". 

وأردف يوسف: "الأمطار في معظم بلدان العالم، لا تمثل كارثة، مقارنة بالأعاصير، والزلازل، والسيول الشديدة، ومصر مع الأسف غير مؤهلة لاستقبال هذه الأزمات، ففي حالة حدوثها  (لا قدر الله) ستكون الكارثة مضاعفة، وأعداد الضحايا كبيرة".

واختتم الصحفي المصري حديثه: "لا بد من إعادة النظر في هيكلة الإدارة المحلية للدولة، وأن يتم إجراء انتخابات محلية قوية وحقيقية، مع تطهير الجهاز، وتطويره، ليصبح قادرا على مواكبة المستجدات، وإنشاء بنية تحتية تليق بدولة عريقة مثل مصر".