برعاية سعودية.. "اتفاق جدة" ينهي الأزمة اليمنية أم يؤجلها؟

آدم يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مساء الخميس 24 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تم الإعلان عن التوصل لـ "اتفاق جدة" الذي رعته الرياض بين الحكومة الشرعية في اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي قاد عملية انقلاب في العاصمة المؤقتة عدن ومدينة أبين (جنوبي البلاد) في 10 أغسطس/آب الماضي بدعم من الإمارات.

الاتفاق الأخير جاء على غرار اتفاق السلم والشراكة الذي وقع بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي في 21 أغسطس/آب 2104، وأضفى شرعية على جماعة الحوثي ومكنها من إكمال انقلابها المسلح في العاصمة صنعاء.

قبل توقيع اتفاق السلم والشراكة كانت جماعة الحوثي قد تمكنت، من اجتياح أولى المدن اليمنية، عمران، شمال صنعاء، وسيطرت على مؤسسات الدولة فيها.

بعدها تم التوقيع على الاتفاق الذي تتشابه عدد من بنوده مع اتفاق جدة الذي ترعاه الرياض، لتقوم جماعة الحوثي بعد ذلك بإكمال انقلابها المسلح، فسيطرت على صنعاء، عقب التوقيع مباشرة، واجتاحت المدن حتى وصلت إلى عدن جنوبا، ثم بعد ذلك إلى الحديدة غربا.

حسب مراقبين، فإن اتفاق جدة استنساخ لتجربة اتفاق السلم والشراكة، والذي سيفضي إلى تمكين الانقلابيين الجنوبيين من توسيع دائرة سيطرتهم على المدن الجنوبية، بعد إضفاء الشرعية عليهم.

ترحيب ورفض

اتفاق جدة تضمن بنودا أبرزها تشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفة بين الحكومة والشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، واستيعاب التشكيلات المسلحة في المحافظات الجنوبية في المؤسسة العسكرية اليمنية، وعودة الحكومة الشرعية إلى عدن وممارسة مهامها من هناك، وتحديد آلية مزمنة لتنفيذ البنود، على أن يشرف التحالف على تنفيذ بنود الاتفاق.

رحب متابعون ومسؤولون حكوميون باتفاق جدة، واعتبروه إنجازا ينهي الأزمة التي اندلعت عقب الانقلاب على الحكومة الشرعية في عدن، عبر صيغة تضمن استمرار اليمن موحدا، وتستعيد مؤسسات الدولة، وتمهد السبيل لعودة الحكومة الشرعية وممارسة نشاطها من مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة، وتوحد الصف في مجابهة جماعة الحوثي.

مدير مكتب رئاسة الجمهورية الدكتور عبدالله العليمي غرد على تويتر قائلا: "بجهود كبيرة ومقدرة بذلها الأشقاء في المملكة العربية السعودية تم التوصل إلى صيغة وطنية لحل أزمة التمرد الذي حدث في عدن، غلبنا المصلحة العليا لليمن واليمنيين، وانتصرنا للقضية الجنوبية بقيمها العادلة، وانحزنا لمتطلبات معركة استعادة الدولة، وإنهاء انقلاب ميلشيا الحوثي الإيرانية".

على الجانب الآخر، رفض مسؤولون حكوميون اتفاق جدة واعتبروه شرعنة للانقلاب واعترافا بالتشكيلات السياسية والعسكرية المتمردة التي أنشأتها الإمارات، وترحيلا للأزمة ونوايا الانفصال، وليس حلا للمشكلة السياسية.

نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية اللواء أحمد الميسري عقب الإعلان عن الاتفاق ألقى خطابا في لقاء جمعه بوجهاء ومشايخ محافظة شبوة أعلن فيه رفضه للاتفاقية جملة وتفصيلا.

المسيري قال: "الاتفاقية تشرعن الانقلاب ولا تعبر عن الإرادة اليمنية، بل تعبر عن إرادة السفير السعودي في اليمن والضابط الإماراتي في عدن"، ودعا الميسري الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى: "التمسك بالثوابت الوطنية وعدم مكافأة الانقلابيين والمتمردين".

المسيري أضاف: "من قصف الجيش اليمني واستهدفه بغارات جوية، لا يمكن أن يكون جزءا من الحل، ولا يمكن أن يسهم في إيجاد حل يعبر عن إرادة اليمنيين ويحقق مصلحة اليمنيين (في إشارة للإمارات)".

وشن الوزير اليمني هجوما على السفير السعودي باليمن محمد آل جابر ووزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، قائلا: "إنه يكذب عندما برر للإمارات بأن المجلس الانتقالي استغل انسحابها وقام بعملية الانقلاب، والرائد لا يكذب أهله".

موقف الميسري لقي ترحيبا واسعا من قبل اليمنيين، الذين اعتبروا أن السعودية تمارس ضغوطا على الشرعية اليمنية، وتستغل ضعف الحكومة في الوقت الحالي، لتمرير اتفاقية تلبي رغبة التحالف ولا تتبنى تطلعات اليمنيين.

من جانبه حذر وزير النقل في الحكومة الشرعية صالح الجبواني الرياض من أي نوايا لمكافأة الانقلابيين في الجنوب، وكتب الجبواني تغريدة: "أي اتفاق ترعاه المملكة لن يُكافئ المتمردين الانقلابيين بكل تأكيد لأن هذا يخالف نهج ومهمة المملكة في اليمن، أما إذا ذهب في غير هذا الاتجاه، فإنه لن يرى النجاح وبالتالي سيعني هذا فشل التحالف ومهمته في اليمن. الانقلابيون يساقون لقاعات المحاكم وليس كراسي الحكومة. الحذر أيها الأشقاء".

وأكد الوزير اليمني أنه وآخرين لن يقبلوا بالاتفاقية ولو وقعوا عليها، وأكد أن شباب اليمن جاهزون للدفاع عن أرضهم، ضد المشروع الإماراتي، الذي سقط مخططا، وسوف يسقط عمليا.

وكتب الوزير اليمني: "نحن في عتق (محافظة شبوة جنوبي البلاد) التي وعلى أبوابها سقطت الإمارات ومشروعها وأذنابها، نكرر لكل ذي عقل أن هذه أرضنا ومئات الألوف من الشباب جاهزون للدفاع عنها، ولن يكون للعملاء والمرتزقة موطئ قدم على ترابها ولو وقعوا مليون اتفاق".

وحذر الجبواني الرياض قائلا: نربأ بالأشقاء السعوديين التورط في مشروع كهذا لأنه سيفشل وسيسقط على الأرض".

شرعنة الانقلاب

القيادي الجنوبي عادل الحسني قال لـ "الاستقلال": "الاتفاقية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، حيث تتضمن هذه الاتفاقية نقاطا عدة، منها شرعنة المجلس الانتقالي الإماراتي، وإدخاله في تشكيلة الشرعية بحلة جديدة بعد أن فشل على المستوى الميداني".

الحسني أكد أن هذه الاتفاقية: "ملغمة ومفخخة بأمور كثيرة، منها نزع صلاحيات كثيرة لرئيس الجمهورية، وممارسة الوصاية السعودية والإماراتية على المناطق المحررة، فوفقا للاتفاقية، لا يتم تعيين المحافظ أو حتى مدير الأمن إلا بموافقة من التحالف، وذلك ليتمكن التحالف من السيطرة على هذه المناطق، ويتمكن من امتلاك أوراق يفاوض الحوثي عليها في إيجاد مقايضة وتسوية سياسية".

ويرى الحسني أن هناك أمور: "إذا استطاعت الشرعية أن تحققها، فيمكنها أن تمكن لنفسها، يتمثل ذلك بقدرتها على اختيار أشخاص في الحكومة الجديدة تتوفر فيهم عناصر الإرادة الصادقة والقوية".

لكنه أشار إلى وجود بند ينص على أن: "الوزراء الذين شاركوا في الحرب لا يحق لهم أن يكونوا ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة"، قائلا: "هذا بحد ذاته يمثل انتكاسة للشرعية، إذ أن كثيرا من المسؤولين الذين دافعوا عن الشرعية، ستجد حكومة الرئيس هادي مطالبة بالتخلي عنهم، وفقا للبند المدرج في الاتفاقية، المجال واسع ومفتوح لحصول متغيرات على الأرض، والأيام حبلى بالمفاجآت".

إعادة تموضع

الأحد 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلنت السعودية رسميا عن إعادة تموضع قواتها في عدن، لتصبح تحت قيادة السعودية، بدلا عن الإمارات.

 وقالت السعودية في بيان نشرته الوكالة الرسمية (واس): "المجموعات المسلحة اليمنية الموالية للتحالف في مدينة عدن الجنوبية، ستكون تحت قيادة سعودية بعدما كانت تقودها الإمارات"، في إشارة للحزام الأمني وقوات المجلس الانتقالي الذي أنشأته الإمارات.

وأشار البيان الصادر عن الرياض بصفتها قائد التحالف: "تم إعادة تموضع قوات التحالف في عدن لتكون بقيادة المملكة وإعادة انتشارها وفق متطلبات العمليات الحالية".

ورحب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بإعادة التموضع، ووصفه بأنه: "تطور إيجابي لصالح الاستقرار وتوحيد الأولويات وحشد الجهود".

وغرد على تويتر: "فخورون بانتصارات قواتنا ضمن جهود التحالف، وتواصل الإمارات العمل مع المملكة لمستقبل أفضل لليمن وشعبه".

حسب متابعين: فإن السعودية بإعادة تموضعها إنما تنفذ عمليا سياسة تبادل الأدوار مع الإمارات، وتستمر في وصايتها على اليمنيين، وحماية الميلشيات المسلحة، وما يحدث لا يغدو كونه تأجيل للأزمة اليمنية وتعميقا للمشكلة، ولا يمثل بأي وجه من الأوجه حلا لها.