كيف خطط القروي لدخول قصر قرطاج بمساعدة عميل موساد؟

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل موعد إجراء الجولة الثانية والنهائية من التصويت على رئاسيات قرطاج بـ 4 أيام فقط، قررت السلطات القضائية التونسية مساء الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، الإفراج عن المرشح نبيل القروي والملاحق بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي وغسيل الأموال.

إلا أن خروجه من السجن تزامن مع الكشف عن وثائق تتعلق بقضية عقده مع شركة "دينكنز أند مادسون" (Dickens and Madson) للعلاقات العامة وهي شركة كندية يديرها العميل السابق في الموساد الإسرائيلي آري بن ميناشي.

بعد شد وجذب حول الموضوع، وإنكار سلوى السماوي زوجة القروي، والتي واصلت الحملة الانتخابية بدلا عنه طيلة الفترة التي كان فيها في السجن، وبعد يوم واحد فقط من خروج القروي من السجن، نشر الصحفي التونسي المقيم في كندا زهير طابة، على يوتيوب حوارا أجراه مع العميل السابق في الموساد الإسرائيلي ومدير شركة "دينكنز أند مادسون".

هذا الحوار والوثائق التي تم الكشف عنها، فتحت جملة من التساؤلات عن الأدوار التي لعبتها هذه الشركة طيلة الفترة الماضية، ومدى مساهمتها في صعود القروي وحزبه الذي حصد 38 مقعدا في البرلمان الجديد حسب النتائج الأولية الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخابات.

الحوار الخطير

بعد أن أعلنت قناة "التاسعة" التونسية صباح الخميس 10 أكتوبر/ تشرين الثاني عن نشر حوار آري بن ميناشي، اعتذرت عن عدم بث الحوار، وقالت في بيان لها: "بعد الإطلاع على محتوى التسجيل وبعد إعلان التلفزة الوطنية تنظيم مناظرة بين المترشحيْن للدور الثاني للانتخابات الرئاسية يوم الجمعة وتجنبا للتشويش على اليومين المتبقيين من الحملة واحتراما لمبدأ تكافؤ الفرص، وتجنبا لأي تبعات قانونية أو تأويل يمس من المسار الانتخابي، قررت إدارة قناة التاسعة تأجيل بث الحوار الذي أجراه الصحفي زهيّر طابة مع اللوبييست الصهيوني Ari Ben Menashi إلى وقت لاحق لموعد الانتخابات".

إثر هذا البيان قام الصحفي بنشر الحوار على قناته على يوتيوب، وسرعان ما تحولت محل تعليق ونقاش بين التونسيين، قبل أن يأكد الصحفي طابة في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بفيسبوك أن: "فرقة الأبحاث (الأمن الجنائي) طلبت المادة الإعلامية الأصلية لفحصها واعتمادها وثيقة رسمية في إطار المحضر المدني الخاص بالقضية المتعلقة بالاعتداء على أمن الدولة الخارجي المرفوعة ضد نبيل القروي".

وتعود القضية إلى يوم 18 آب/أغسطس الماضي، حين زار بن ميناشي تونس والتقى القروي مصحوبا بشقيقه غازي، ثم التأمت في اليوم الموالي مأدبة عشاء في منزل القروي ضمت زوجته ومحاميه أيضا.

وكشفت صحيفة "ذو غلوب أند مايل" (The Globe and Mail) الكندية معلومات جديدة حول قضية عقد المرشح الرئاسي نبيل القروي مع شركة الكندية.

وأضافت الصحيفة: بعد حوارها مع بن ميناشي نفسه في مقال نشرته الثلاثاء 8 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أن بن ميناشي تلقى مبلغا بقيمة 150 ألف دولار كدفعة أولى على قيمة العقد بمليون دولار من حساب بنكي لسلوى السماوي زوجة القروي، تحديدا من بنك في دبي بالإمارات.

وأضاف: أنه تلقى 100 ألف دولار، بقية مستحقات تبلغ 250 ألف دولار، من شخص جزائري مقيم في كندا قال إنه يعرف القروي.

هذا ما أكده الضابط الإسرائيلي المتقاعد في حواره بالصوت والصورة قائلا: "كانت سهرة جميلة جدا تناولنا سوشي (نوع من السمك) لذيذ جدا، السيدة قروي (سلوى السماوي) كانت هناك أيضا، غازي القروي (شقيق المرشح الرئاسي) كان هناك معنا، تحدثنا وقمنا بإمضاء العقد الأول وكان العقد ينص على مبلغ مليون دولار والعقد الأول كان مجرد مرآة  للعقد الثاني الذي تم نشره وسنتحدث على تفاصيله لاحقا". 

تفاصيل العقد

وتضمن العقد الذي نشرته وزارة العدل الأمريكية لعقد أبرمه المرشح الرئاسي نبيل القروي، مع شركة "دينكنز أند مادسون"، أن تعمل الشركة على توفير دعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للقروي من أجل "الحصول على رئاسة الجمهورية التونسية"، كما تضمن بالخصوص طلبا من القروي لـ"دعم مادي" من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات التونسية.

وأفاد موقع "لوبيينغ آل مونيتور"، المختص في كشف أنشطة جماعات الضغط، أن العقد  اأُبرم بتاريخ 19 آب/أغسطس 2019، ومسجل لدى وزارة العدل الأمريكية وفق الموقع.

وقالت الشركة المعنية: إن نبيل القروي دفع 250 ألف دولار بحلول 25 سبتمبر/أيلول، فيما وعد بدفع 750 ألف دولار بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول.

من جهته، أضاف مدير الشركة في حواره المصور: أن العقد كان يريد أن يوظف شركته ليس للانتخابات فقط بل كان يريد صنع تونس جديدة وجعلها مركزا للسلام وتكوين "مركز خليل للسلام" نسبة لابن القروي الراحل.

وأضاف: "أخبرني أنه يريد تجميع الأطراف المتقاتلة في ليبيا وجلبهم إلى تونس. وكان يريد لقاء بين هذه الأطراف وموسكو تحت إشراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان يريد أن يتم هذا اللقاء في تونس". وأكد: أن نبيل القروي كان يريد إخراج تونس من دائرة السلطة الفرنسية ووضعها في دائرة السلطة الأمريكية.

كما أضاف العميل الإسرائيلي السابق بقوله: "نحن نحاول المساعدة من أجل إخراج التونسيين من الفوضى عبر إدخال الأمريكيين لمحاولة الإصلاح، ولسنا نقوم بذلك من أجل الأموال". وأكد: أنه إذا ضغط الأمريكان بطريقة كافية ستتغير الأمور في تونس لإخراج نبيل القروي من السجن قبل الدور الثاني. ونحن نعمل مع الأمريكان لإخراجه.

مؤسسات الضغط

في يوليو/تموز الماضي وقعت "دينكنز أند مادسون" اتفاقا قيمته 6 ملايين دولار لتسهيل حصول المجلس العسكري الانتقالي في السودان على اعتراف دبلوماسي دولي، وتمويل مالي، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

ووعدت الشركة، بتلميع صورة المجلس، الذي استولى على السلطة في انقلاب في أبريل/نيسان، والذي اتهمت قواته بقتل عشرات المحتجين في الخرطوم.

وقال رئيس الشركة، بن ميناشي، لبي بي سي: إنه توصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري "لمساعدتهم في تشكيل حكومة مدنية، وجلب اقتصادي ورئيس وزراء مؤهلان لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات عامة، وترتيب الأوضاع الحالية"، كما زعم بن ميناشي بأن اللواء المتقاعد خليفة حفتر من زبائنه، واصفا إياه بأنه "قوة موحدة" في ليبيا.

يقول موقع ناشيونال بوست الإخباري الكندي: إن بن ميناشي يهودي من أصل عراقي، ولد في طهران عام 1951، عمل ضابطا في الموساد الإسرائيلي، ولفت انتباه وسائل الإعلام لأول مرة عام 1989 لدى اعتقاله في الولايات المتحدة واتهامه بمحاولة بيع 3 طائرات عسكرية لإيران. وقضى نحو عام في السجن في نيويورك، حتى تمت تبرئته لدى محاكمته.

وبعد ذلك تحول إلى لغز، إذ أصدر كتابا عنوانه "أرباح الحرب: من داخل شبكات السلاح السرية الإسرائيلية الأمريكية". تحدث فيه عن اجتماع سري في العاصمة الفرنسية باريس بين قادة في الحزب الجمهوري الأمريكي، من بينهم جورج بوش، ومسؤولون في الحرس الثوري الإيراني، تم خلاله الاتفاق على ألا تطلق طهران سراح 52 رهينة أمريكية إلا بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1980. والسبب كان أن إطلاق سراح الرهائن قبل ذلك سيصب في صالح الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، الذي كان الإيرانيون والإسرائيليون يزدرونه.

هذا العقد المريب لنبيل القروي، ضاعف من الشكوك حول شخصيته ومدى مقبوليته ليكون رئيسا لأول بلد ديمقراطي في العالم العربي بعد ثورات العام 2011.

أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك عبر في مداخلة على قناة "حنبعل" عن استغرابه من فضيحة استقبال القروي في الإعلام واعترافه بالتعامل مع ضابط مخابرات اسرائيلي. وتساءل: "هل من المعقول أن يعترف شخص بتعامله مع ضابط مخابرات إسرائيلي في قناة خاصة ونحن نستمع اليه وكأن شيئا لم يكن".

وتابع مبارك: "هذا الاعتراف من جانب القروي في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون. يمكن ألا نصوت لقيس سعيد ولكن من العيب التصويت لفاسد".