خطاب البغدادي.. هل العالم موعود بولادة جديدة لتنظيم الدولة؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

أعادت إلى الأذهان دعوة زعيم تنظيم الدولة أبوبكر البغدادي، أنصاره لـِ"إنقاذ" مقاتليه وعائلاتهم من السجون، سيناريو عملية "هدم الأسوار" التي هرّب فيها تنظيم القاعدة بالعراق نحو ألف من عناصره وقادته، الأمر الذي مهّد لولادة تنظيم الدولة.

ومع بلوغ المظاهرات السورية ذروتها في يونيو/حزيران 2013، شنّ تنظيم القاعدة بالعراق هجمات متزامنة على سجنيّ "أبو غريب" و"التاجي" ببغداد وهرّب المئات من قادته وعناصره، الذين انتقلوا إلى سوريا معلنين تأسيس تنظيم الدولة، وبعدها بعام واحد تمكّن من اجتياح ثلث مساحة العراق.

تلك العملية (هدم الأسوار) وصفها وزير العدل العراقي في وقتها حسن الشمري، بأنها كانت مدبرة ومتورِّط فيها رؤوس كبار في الدولة العراقية، مؤكداً أن الهدف منها كان "تقوية النظام السوري، وتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، أن البديل له هو ذلك التنظيم".

استنساخ التجربة

دعوة البغدادي الأخيرة، التي جاءت عبر تسجيل صوتي نُشر في 19 سبتمبر/ أيلول الجاري، أثارت تساؤلات عدة حول توقيتها ودلالاتها؟ وهل أنها تُنذر بولادة ثانية للتنظيم تُعيد له سطوته؟ وهل من دور جديد للتنظيم بالمنطقة؟

البغدادي المتواري عن الأنظار منذ هزيمة التنظيم بالموصل العراقية نهاية عام 2017، حضَّ مناصريه على "إنقاذ" مقاتليه وعائلاتهم من السجون والمخيمات متوعداً بـِ"الثأر" لهم.

واستخدم زعيم التنظيم في تسجيله الصوتي العبارة ذاتها "دكّ الأسوار" بالقول: "السجون السجون يا جنود الخلافة. إخوانكم وأخواتكم جِدّوا في استنقاذهم ودكّ الأسوار المُكبلة لهم، فُكّوا العاني واقعدوا لجزاريهم من المحققين وقضاة التحقيق ومن أذاهم".

وسأل البغدادي: "كيف يطيب لمسلم العيش ونساء المسلمين يرزحن في مخيمات الشتات وسجون الذل؟"، مشيراً على وجه التحديد إلى تلك الموجودة في العراق وسوريا تحت سيطرة قوات مدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، كما "في شتى بقاع الأرض".

ودعا زعيم التنظيم، المعتقلين والمحتجزات إلى "الصبر"، وقال: "والله ما نسيَ ولن ينسى إخوانكم الثأر لكم". وكرّر البغدادي في التسجيل الصوتي دعوته المقاتلين إلى مضاعفة جهودهم، مشدداً على ضرورة استمرار عمليات "الاستنزاف" في مختلف الجبهات.

وفي تحليل لخطاب البغدادي، قال الخبير الأمني العراقي فاضل أبو رغيف، إن أخطر ما ورد في تسجيل زعيم تنظيم الدولة، هو تأكيده على استنساخ غزوة "هدم الأسوار" ( كسر السجون)، بقولهِ الأخطر: "السجون السجون، دكوا الأسوار، فكوا العاني (أي الأسير)".

وأضاف: كما ركّز على استهداف المحققين والقضاة، ودعا أتباعه لإعادة دعاء نبي الله ذي النون وهو ببطن الحوت (وهذه إشارة جلية للمحن التي عصفت بتنظيمه، ونهى عن الاستئسار (الوقوع بالأسر)، وذكّرهم بعاصم بن ثابت، وهو صحابي شهد أنوار الرسالة، وأرسله النبي. لقريش يعلمهم القراءة، فهمّوا بأسره فأبى، وقاتل. حتى قتل".

وحذّر أبو رغيف من "تحرُك مشبوه لتنظيم الدولة في سوريا، وقد يكون نفّذ عملية له هناك، وقد تكون مؤثرة. خطاب البغدادي تم إفشاله بالعراق، لذا فعلى الأجهزة الأمنية في سوريا، الحيطة والحذر وعدم التهاون، السجون، السجون، السجون".

أما الخبير بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، فقد رأى في تغريدة على "تويتر" أن كلمة البغدادي، بعنوان "وقل اعملوا"، أعلن فيها بداية مرحلة جديدة بعد اعترافه بالهزيمة، مرحلة بأربع وظائف: المصالحة مع البيئة التي هزموا فيها، والتجنيد بعد التحقق من توبة المجنّد، واستمرار الغزوات الموحدة، وعمليات نوعية لكسر السجون.

ويقبع الآلاف من مقاتلي التنظيم في سجون مكتظة في العراق ومناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا حيث تُؤوي مخيمات أيضاً عشرات الآلاف من أفراد عائلات التنظيم، السوريين والعراقيين والأجانب.

وتُؤوي مخيّمات يسيطر عليها المقاتلون الأكراد في شمال شرق سوريا عشرات الآلاف من عائلات عناصر التنظيم، بينهم 12 ألف أجنبي، هم 4 آلاف امرأة و8 آلاف طفل، من عائلات العناصر الأجانب.

كما يقبع مئات العناصر السوريين والأجانب ممن التحقوا بصفوف التنظيم في السجون. وجرى احتجاز هؤلاء على مر السنوات الماضية على وقع هزائم مُنِيَ بها التنظيم المتطرف أمام قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي، والتي أعلنت في 23 آذار/مارس الماضي، القضاء على "الخلافة الإسلامية" بعد طرد عناصره من آخر معقل لهم في شرق سوريا.

انعاش التنظيم

سبق تسجيل البغدادي، تصريحات أدلى بها الرئيس السابق للجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي، حذّر فيها من محاولات لتنظيم الدولة للهجوم على سجن "الحوت" جنوب البلاد، لتهريب نحو 10 آلاف من عناصره وقادته.

وقال حاكم الزاملي، في بيان له، في أغطس/آب الماضي، إنّ "أي عملية تهريب للسجناء من سجن الحوت هو بمثابة إعادة الحياة مرة أخرى للتنظيم بالعراق وسوريا"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر لو حصل كان ليُؤدي إلى نكسة أخرى لا تقل تأثيراً عن نكسة سقوط الموصل".

وبحسب تقرير أمريكي نشره "معهد دراسات الحرب" في يوليو/تموز الماضي، فإنّ تنظيم الدولة بدأ إعادة بناء القدرات الرئيسة في أواخر عام 2018، التي ستُمكنه من شنِّ تمرد أكثر عدوانية في الأشهر المقبلة.

وأكد التقرير، أن لزعيم التنظيم، أبوبكر البغدادي، سيطرة أكبر على التحكم في عمليات قواته في العراق وسوريا عام 2018، ويقوم بإعادة تشكيل هياكل القيادة والسيطرة.

ولفت إلى أن تنظيم الدولة بنى من مجموعات صغيرة من الفلول منذ 2011، جيشاً كبيراً بما يكفي للسيطرة على الفلوجة والموصل ومدن أخرى في العراق، والسيطرة على معظم شرق سوريا في 3 سنوات فقط.

وتوقّع تقرير المعهد الأمريكي، أنّ تنظيم الدولة سيستعيد قوته بشكل أسرع بكثير وإلى مستوى أكثر خطورة من القوة الأكبر بكثير التي لا تزال لديه حتى اليوم.

ولم تُقدّم الحكومة العراقية أرقاماً رسمية عن مراكز الاعتقال أو السجناء، لكن بعض الدراسات رجّحت وجود 20 ألف معتقل للاشتباه بصلتهم بالتنظيم.

ومنذ العام 2018، حكم القضاء العراقي على أكثر من 500 رجل وامرأة أجانب أُدينوا بالانتماء إلى التنظيم. وحُكم على البعض منهم بالإعدام.

أما بخصوص المخيمات، فقد أعرب رئيس الحكومة العراقية عن خشيته من مخيم "الهول" الذي تديره "قوات سوريا الديمقراطية" في الجانب السوري، وقال إنه تحوّل بالكامل إلى "مركز داعشي".

دلالات التوقيت

تسجيل زعيم تنظيم الدولة جاء بعد أربعة أشهر من أول ظهور للبغدادي في مقطع فيديو بعد انهيار "دولة الخلافة"، وربما هذه المرة الأولى منذ نشأة التنظيم يُصدر البغدادي خطابين في مدة قصيرة.

تكرار ظهور البغدادي الذي دعا في تسجيله الأخير عناصر التنظيم إلى مواصلة الهجمات خلال هذه المرحلة بالذات، يربطه البعض بالتوتر المتصاعد التي تشهده المنطقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

إذ يقول أستاذ الإعلام الدكتور مصطفى سالم في تغريدة له عبر "تويتر" إن "رسالة البغدادي الأخيرة الهدف منها إنقاذ النظام الإيراني ومليشياته، والتغطية على جرائمهم".

وأوضح الخبير العراقي في حديثه عن خطاب زعيم تنظيم الدولة، قائلاً: "البغدادي أشبه بمن يقول: لا تشغلوا أنفسكم بإيران، داعش هنا، وأحق بغضبكم من غيرها".

أما الجانب الأمريكي، فقد اكتفى مسؤول دفاعي أمريكي بالقول، إن الولايات المتحدة على علم بالتسجيل الصوتي المزعوم لأبوبكر البغدادي، إلا أنه لم يُصدِر أي تعليق من واشنطن حول التسجيل الصوتي حتى الآن.

ويُفيد مراقبون، بأن ظهور البغدادي مرتين خلال مدة قصير يؤكد أن التوتر الأمريكي الإيراني بالمنطقة له علاقة بالأمر، فمثلما اتخذ نظام الأسد تنظيم الدولة ذريعة لتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة على سوريا، فإن ذات الجهات تستخدم التنظيم اليوم لتحذير واشنطن من استهداف النظام الإيراني.

وأشاروا إلى أن ربط كلمة البغدادي بالتوتر الإيراني الأمريكي له دلالة أخرى، وهي تصاعد هجمات تنظيم الدولة في العراق، التي كان آخرها قتل عائلة كاملة في محافظة الأنبار، التي أعلن تطهيرها في وقت سابق.

ومؤخراً، زاد نشاط تنظيم الدولة بالمناطق الحدودية مع سوريا في محافظتي نينوى (شمال) والأنبار (غرب)، وديالى (شرق)، وكركوك وصلاح الدين (شمال)، إذ نفّذ سلسلة عمليات استهدفت عناصر أمن ومدنيين.‎

ولا يزال تنظيم الدولة يحتفظ بخلايا نائمة موزعة في أرجاء البلاد، وعاد تدريجياً لأسلوبه القديم في شنِّ هجمات خاطفة على طريقة حرب العصابات التي كان يتبعها قبل 2014.

وكان نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، قد كشف في يوليو/ تموز الماضي، أن أكثر من 20 ألف عنصر من تنظيم الدولة موجودون حالياً في العراق، وأن ما يقارب من 6 آلاف منهم، موجود على الساحة ويقوم بعمليات الاختطاف والقتل.