نتائج غير متوقعة.. مرشحو الحكومة والمعارضة خارج رئاسيات تونس

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قال التونسيون كلمتهم يوم الأحد 15 سبتمبر/أيلول 2019، وأودعوا أصواتهم في صناديق الاقتراع بالدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، التي دارت بشكل طبيعي دون مخالفات يمكن أن تهدّد مسارها.

وهذه المرة الثانية التي يتوجّه فيها التونسيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد، بعد ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وبعد إقرار دستور 25 يناير/كانون الثاني 2014، الذي أقر نظاما برلمانيا معدّلا يُجرى فيه انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب.

إلاّ أنّ هذه الانتخابات اختلفت عن سابقاتها، من حيث نسب الإقبال التي كانت أدنى من التوقعات، ومن ثم النتائج التي فاجأت الجميع بتصدّر أستاذ القانون الدستوري والمرشح المستقل قيس سعيّد النتائج الأولية، يليه كل من نبيل القروي، رجل المال والإعلام الموقوف بتهم تهرب ضريبي، ثم مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو.

إقبال ضعيف

في أوّل مؤتمر صحفي للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات يوم الاقتراع، أعلن رئيسها أنّه في الساعة الأولى بعد فتح مراكز الاقتراع لم يصل سوى 1.7% من الناخبين للإدلاء بأصواتهم.

هذا الرقم بدا صادماً لعدد واسع من المتابعين للانتخابات التونسية، وعلى الرغم من ارتفاع نسب الإقبال فيما بعد، فإنها لم تتجاوز النسب المعهودة في الانتخابات الرئاسية الماضية، التي سجلت نسبة مشاركة 64% من الناخبين.

وخرج رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخاب نبيل بفون قبيل ساعة من إغلاق مكاتب الاقتراع لحض الشباب على الذهاب والاقتراع بكثافة، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية. وقال بفون في مؤتمر صحفي، "اخرجوا واذهبوا للتصويت، هذا حق قامت من أجله الثورة". وتابع "شباب تونس، أمامكم ساعة قبل إغلاق مراكز الاقتراع".

وأكد بفون أنّ نسبة المشاركة وصلت إلى 27,8% إلى حدود الساعة الثالثة مساء، قبل ثلاث ساعات من إغلاق المراكز. وذكر أنّ نسبة المشاركة في عام 2014 بنهاية اليوم بلغت 64%. ووفقاً للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإنّ نسبة النساء والشباب تمثل 63% من الجسم الانتخابي.

ويبدو أنّ هذه الدعوات لقيت استجابة طفيفة، إذ سجّلت مكاتب الاقتراع إقبالاً في الساعة الأخيرة، رفع نسبة المشاركة إلى قرابة 45% بحسب ما أعلن عنه رئيس الهيئة.

سقوط مرشحي الدولة 

بعد إغلاق مراكز الاقتراع، بدأت النتائج تتوالى من صناديق الاقتراع من داخل مدن وقرى تونس، لتنحصر المنافسة على المراتب الأولى بين 3 مترشحين: قيس سعيّد، ونبيل القروي  وعبد الفتاح مورو.

هذه النتائج بدأت تحمل في طياتها هزائم مدوّية لمن اعتبروا مرشحي "السلطة" أو كما يصفهم التونسيون "السيستام"، في مقدّمتهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي خاض حملة انتخابية كبيرة وواسعة تفرّغ لأجلها من مهامه في الحكومة.

كما شاب الحملة ما اعتبره منافسوه توظيفاً لمقدرات الدولة ومؤسساتها وموظفيها لخدمة أجندته الانتخابية من أجل الوصول إلى قصر قرطاج.

وعلى نفس مقياس الهزة التي تعرّض لها الشاهد، سقط وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي، الذي اعتبر مرشح عدد من الأحزاب والشخصيات التي كانت تحيط بالرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، كما حظي بظهور إعلامي كبير وبحملة انتخابية بكلفة إنفاق عالية.

وخرج مدير الحملة الانتخابية للزبيدي، فوزي عبد الرحمن ليؤكّد قبوله بنتائج الانتخابات وإرادة الشعب التونسي، إلاّ أنّه اعتبر أنّ "تونس تمشي إلى المجهول".

وأضاف عبد الرحمن لـ"الحوار التونسي" أنّ النتائج إن صحّت فهي درس لكل السياسيين، وأنّ من خسر الانتخابات هو المشروع الحداثي لتونس، سواء كان عبد الكريم الزبيدي أو يوسف الشاهد أو مهدي جمعة، متابعاً: "كنا نتصور أنّ الزبيدي سيمر إلى الدور الثاني".

الفشل المتكرر

في الجهة المقابلة، سارعت حملة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، إلى إصدار بيان، أعلنت فيه خسارة مرشحها للانتخابات الرئاسية، كما أعلن المرزوقي على صفحته الرسمية تحمّله مسؤولية هذا الفشل.

وقال المرزوقي: "بعد النتائج المخيبة للآمال في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وبعد التأكيد على تحمّلي كامل المسؤولية في فشل إقناع أغلبية الناخبين بشخصي وببرنامجي لقيادة تونس في الخمس سنوات المقبلة، وفي انتظار التبعات المنطقية للأمر التي سيتم الإعلان عنها حال استكمال المسار الانتخابي، أتوّجه بجزيل الشكر لكل المواطنين والمواطنات اللذين أعطوني أصواتهم وثقتهم".

كما اعتبرت النتائج التي حصل عليها عدد من المترشحين، مخيبة لآمالهم وتوقعاتهم، وفي مقدّمتهم مرشّح التيار الديمقراطي محمد عبّو، الذي كان يُحسب كأحد أهم المتنافسين الجديين على منصب الرئاسة، كذلك الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّة الهمامي، الذي حصل على المرتبة الثالثة في العام 2014.


المفاجأة  الكبرى

فشل المرشحين الكبار اعتبر مفاجأة لعدد واسع من المتابعين للانتخابات التونسية إلاّ أنّ المفاجأة الكبرى هي ما قامت شركة سبر الآراء "سيغما كونساي" بالإعلان عنه بعد أقل من ساعتين على إغلاق مراكز الاقتراع.

إذ كشفت الشركة عن النتائج التقريبية للانتخابات الرئاسية، التي أظهرت تصدّر المترشح قيس سعيّد نتائج الانتخابات بنسبة 19.5%، يليه المترشح نبيل القروي الموقوف حالياً على ذمّة قضايا تهربّ ضريبي بنسبة 15.5%.

ونبيل القروي كان يتصدّر معظم استطلاعات الرأي الصادرة في الأشهر الأخيرة، التي أظهرت كذلك فارقاً كبيراً بينه وبين قيس سعيّد، الذي لم يحافظ دائما على المرتبة الثانية فيها.

أمّا الغريب في النتائج، فيعود لمقارنة الحملات الانتخابية التي خاضها بقية المترشحين مقارنة بحملة سعيّد، التي وصفت بالبسيطة والمتقشّفة جدّا وكذلك الملتزمة بالقانون بحذافيره.

تجنب قيس سعيّد الظهور الإعلامي قبل انطلاق الحملة الانتخابية بأيام، ورفض أي تمويل لحملته الانتخابية من الداخل أو الخارج أو من جهات المال والأعمال، بل رفض حتى منحة الدولة المخصصة للحملات الانتخابية.

كما أنّ قيس سعيّد لا ينتمي لأي من التيارات السياسية الكبيرة في تونس ولم يحظ بمساندة أي حزب سياسي يمكن أن ينسب له الفضل في الانتصار بهذه الجولة من الانتخابات.

في الوقت نفسه أظهرت النتائج التقريبية حصول مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو على المرتبة الثالثة بـ11 %، من أصوات الناخبين، ما يعني نهاية رحلته في سباق الانتخابات الرئاسية، إلاّ أنّ إدارة الحملة الانتخابية لمورو أكّدت رفضها للنتائج التقديرية، معتبرة أنّ النتائج التي حصلت عليها من قبل ممثليها في مراكز الانتخابات تظهر خلاف ذلك.

وقال سمير ديلو المسؤول عن حملة مورو، في 15 سبتمبر/أيلول 2019، إنّ النهضة لها نتائجها الخاصة بالانتخابات الرئاسية، مضيفاّ: أنّ مؤسسات سبر الآراء ليس من دورها تهيئة الرأي العام أو فرض أمر واقع على الناخبين، وشدد على أنّ الجهة الوحيدة التي يخوّل لها تقديم نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة هي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وتعهد ديلو بتقديم نتائج الانتخابات التي تردهم على أساس الفرز في مكاتب الاقتراع من قبل ممثليهم في جميع المكاتب بالوقت المناسب.

من جهة أخرى، شكل حصول المرشح نبيل القروي على المرتبة الثانية، حالة من الغموض تشوب الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، إذ يمكن أن يصدر القضاء أحكاماً قضائية تدين القروي، وتضع الهيئة أمام ضرورة اتخاذ قرار بحقه. 

وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إنّ ترشح القروي مقبول منذ البداية وإلى الآن لا يوجد أي مانع يمنعه من الترشح، مبينة أنّه في حال صدور حكم قضائي نهائي يمنع القروي من الترشح للانتخابات الرئاسية فذلك حديث آخر.