لوريان لوجور: هذا تأثير رحيل بولتون على التوترات بين أمريكا وإيران

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "لوريان لوجور" أنَّ إقالة مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون يمكنه إبعاد شبح الحرب بين أمريكا وإيران، ويُسهِّل عقد اجتماع بين الرئيسين الأمريكي والإيراني، لكنَّه لن يغير السياسة التي تتبعها واشنطن تجاه طهران.

وقالت الصحيفة اللبنانية الناطقة بالفرنسية إنَّ أنصار الحرب المفتوحة ضد إيران فقدوا مُمثلهم الرئيس في البيت الأبيض، مشيرة إلى أنَّه في خضم توتُّرات قوية مع الجمهورية الإسلامية، أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستشاره، وسط خلافات كثيرة. 

وكتب الرئيس الأمريكي في 10 سبتمبر/أيلول، تغريدة على تويتر قال فيها: "أبلغت جون بولتون الليلة الماضية أنَّ خدماته لم تعُد مطلوبة في البيت الأبيض، لقد اختلفت بشدة مع العديد من اقتراحاته، كما فعل آخرون في الإدارة، وبالتالي سألت جون عن استقالته، التي أعطيت لي هذا الصباح"، موضحاً: أنَّه سيعين بديلاً له الأسبوع المقبل. 

ونوَّهت بأنَّ مستشار الرئيس المستقيل أدلى من جهته برواية مختلفة، وقال على تويتر أيضاً: "عرضت الاستقالة الليلة الماضية وقال الرئيس ترامب دعونا نتحدث عن ذلك غداً".

والمحامي بولتون المؤيد للحرب والمعادي للشيوعية، وأحد داعمي التدخل الأمريكي في العراق عام 2003، والذي شغل أيضاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، عين مستشاراً للأمن القومي في أبريل/نيسان 2018، عشية خروج واشنطن من الصفقة النووية الإيرانية، ليصبح ثالث من يشغل هذا المنصب منذ تنصيب ترامب. 

وأكَّدت الصحيفة أنَّه منذ توليه هذا المنصب كان مميزاً، عن طريق دفع الرئاسة الأمريكية إلى تبنِّي خطٍ متشددٍ، وحتى متشائمٍ، تجاه بعض البلدان مثل كوريا الشمالية وروسيا وأفغانستان وفنزويلا وسوريا، وخاصة إيران "وحشه الأسود" لسنوات عديدة، ففي عام 2015، نشر مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "لوقف إيران، يجب قصف إيران".

وذكرت الصحيفة أنَّه منذ إعادة فرض العقوبات على طهران في مايو/أيار 2018، ومع تزايد التوترات معها في المنطقة، كان بولتون يُؤيد تغيير النظام الإيراني، ولذلك اتهمت طهران عبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، بولتون على الدوام، بأنَّه جزء من (فريق ب)، الذي يضمُّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووليَّ العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد الإمارات محمد بن زايد، وجميعهم يرغبون في إثارة حرب مع إيران.

أمريكا أولا

وبيَّنت أنَّه إذا كان يتمُّ أحياناً تصوير ترامب كدمية للصقور في إدارته، مثل جون بولتون، يبدو أنَّه استفاد منهم في النهاية للدفاع عن خط يتماشى مع توقعات بعض الجمهوريين المنتخبين والحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، ومع ذلك، يظل ترامب مؤيدًا لعقيدة أمريكا أولاً، والتي تتناقض مع حقيقة التورُّط في صراعات ليست ذات أهمية أساسية للمصلحة القومية الأمريكية. 

ورأت الصحيفة أنَّ هذا هو الخط الذي أصبح يسود اليوم أكثر مع مغادرة جون بولتون، ما يُبعد شبح المواجهة بين إيران وأمريكا في ظل اجتماع محتمل بين ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني.

ومن جهتها أشادت طهران برحيل بولتون، وكانت وسائل الإعلام الإيرانية متحمسة لهذا القرار، وانتشرت كلمة "طُرد" في عناوين بعض الصحف اليومية الإيرانية، حيث تساءلت جريدة الشرق الإصلاحية "هل بولتون ضحية إيران؟". 

كما غرَّد حسام الدين آشينا، أحد مستشاري الرئيس الإيراني، في 10 سبتمبر/أيلول قائلاً: "إنَّ تهميش بولتون وإقالته ليس مصادفة، بل علامة واضحة على هزيمة إستراتيجية الضغط الأمريكية القصوى".

ولفتت الصحيفة إلى أنَّ إقالة بولتون جاءت مع بداية الحملة الرئاسية لترامب الذي يطمح للاحتفاظ بمقعده في المكتب البيضاوي. 

ونقلت عن أليكس فاتانكا المتخصص في الشأن الإيراني بمعهد الشرق الأوسط قوله: "الرئيس ترامب حالياً لديه شيء واحد فقط في الاعتبار وهو إعادة انتخابه، ويحتاج إلى نجاح دبلوماسي يقوده إلى هناك، شخص ما يجب أن يدفع الثمن، ونحن نرى ذلك مع بولتون".

أما عباس كاظم، المتخصص في السياسة الخارجية الأمريكية بالمجلس الأطلسي (مؤسسة بحثية غير حزبية بواشنطن)، فرأى أنَّه "يمكن اعتبار إقالة بولتون بمثابة رسالة إلى إيران مفادها أنَّ إدارة ترامب مستعدة للاجتماعات ومواصلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد ليحل محل JCPOA (خطة العمل الشاملة المشتركة، اتفاقية فيينا للطاقة النووية، المبرمة في عام 2015)".

وأعرب الرئيس الأمريكي، في عدد من المناسبات، عن رغبته في مناقشة الأمر مع روحاني، وقبل أيام، قال إنَّه "دائماً على استعداد" لعقد اجتماع "دون شروط مسبقة".

انفراجة صعبة

لكن رغم ذلك، رأت "لوريان لوجور" أنَّ إمكانية حدوث انفراجة في العلاقات الأمريكية الإيرانية أمر مُعقَّد، لأنَّه إذا أزيل شبح الحرب، فإنَّ إقالة بولتون لا تُمثِّل كسرًا تامًا في السياسة الأمريكية الحالية تجاه طهران.

وبحسب عباس كاظم "قد يُؤَدِّي رحيل بولتون إلى تخفيف خطاب بعض أعضاء إدارة ترامب تجاه إيران، لكن لدى البعض الآخر رؤى تعادل تقريباً رؤى القائد المستقيل، حتى لو لم يكونوا متطرفين". 

وصرَّح وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين يوم 10 سبتمبر/أيلول، أنَّ حملة "الضغط القصوى" الحالية التي تمارسها واشنطن على طهران "ستستمر"، كما فرضت الولايات المتحدة في نفس التاريخ عقوبات جديدة على عناصر من تنظيم الدولة، حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وكذلك الحرس الثوري الإيراني، الجيش الإيديولوجي للنظام الإيراني.

وبالتالي فإنَّ مجال المناورة للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي يظل ضيقاً للغاية، خاصة أنَّ روحاني قال في 13 سبتمبر/أيلول، إنَّ "العِداء" الأمريكي سيفشل، وحذَّر من أنَّ بلاده مستعدة لتخفيض التزاماتها بموجب الاتفاق الدولي لعام 2015 بشأن برنامجها النووي. وأضاف: "العدوُّ فرض علينا أقصى ضغط وجوابنا هو المقاومة والتعامل معها".

ويتساءل عباس كاظم "ماذا إذا كان الإيرانيون على استعداد للقاء والتفاوض مع هذه الإدارة الأمريكية؟"، ولكنَّه يستدرك "كل الدلائل الحالية تشير إلى أنَّ الإيرانيين ليسوا مستعدين بعد".

وأوضح أليكس فاتانكا: "إذا أراد الإيرانيون حقًا إلغاء التصعيد، يمكنهم رؤية فرصة في رحيل جون بولتون". لكن يظل عقد اجتماع محتمل بين الرئيسين الأمريكي والإيراني أولوية تخضع لشروط مسبقة، فحسن روحاني يطالب أولاً وقبل كل شيء بإلغاء العقوبات الأمريكية. 

وقال فاتانكا: "الإيرانيون خائفون من عدم الحصول على شيء في المقابل"، مضيفًا: "السبب الوحيد لموافقة الإيرانيين على مقابلة ترامب، هو إبرام شيء على الفور أو الموافقة، معاً، على نقطة محددة".

إحدى هذه النقاط يمكن أن تكون تخفيف العقوبات، خاصة تلك المتعلقة بالنفط، حيث نُوقشت بين الإيرانيين والفرنسيين، في ظل الزخم الذي أبداه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة مجموعة السبع في مدينة بياريتز الفرنسية قبل بضعة أسابيع.

ولا شك أنَّ الصورة ستكون أوضح في وقت انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل.