لماذا استوطن المهاجرون الأفارقة المغرب العربي بدلا من أوروبا؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يعُد المشهد غريباً في شوارع المدن التونسية، شباب تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً من مختلف الجنسيات الأفريقية يعملون في عدد من المحال التجارية وفي المطاعم والمقاهي والعدد الأكبر منهم اختار العمل في ورشات البناء الكبرى.

هذه الصورة مشابهة للوضع في المغرب والجزائر وليبيا، حيث تحوّل الوجود الأفريقي من دول جنوب الصحراء وغرب أفريقيا إلى مشهد مألوف في هذه المجتمعات، وبات دخولهم إلى عدد من المهن والقطاعات التي ظلت لعقود حكراً على أبناء هذه البلدان أمراً عادياً.

هذه الهجرة الجديدة التي تعيشها المنطقة المغاربية، يصفها البعض بالمؤقتة باعتبار أنَّ أغلب المهاجرين يتخذون من دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط منصّة للانطلاق في رحلات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، حلم الشباب الأفريقي الذي تعيش دُوله إما في ظل صراعات داخلية أو أزمات اقتصادية واجتماعية تجعل الحلَّ الوحيد أمامهم هو اجتياز الحدود نحو أوروبا.

ومع تزايد التضییقات على الدخول إلى أوروبا فإنَّ حجم محاولات الهجرة لدى الأفارقة من الساحل أكثر من محاولات سكان المغرب العربي وهذا ما يجعل تلك البلدان تتحمل ضغوط المھاجرين نحو أوروبا، فالمغرب العربي يمكِن أن يصبح الوجهة الجديدة لهؤلاء المهاجرين الذين لا يمكنهم الوصول إلى أوروبا. 

أمام انسداد كل نقاط العبور نحو الشمال، وانكماش "مافيا" تهريب البشر نحو أوروبا، في ظل انتشار وتعدُّد نقاط المراقبة على السواحل من ليبيا إلى المغرب، والضغط على بلدان نقاط العبور وتحويلهم إلى شرطي من أجل "محاصرة" الأفارقة الراغبين في العبور نحو أوروبا، تزداد الأعباء المادية على هذه الدول وتخلُق لها أزمات جديدة إضافة إلى مشاكلها المستمرة مُنذ فترة.

محطة نحو السفر

يوم 7 فبراير الماضي، تمَّ العثور على جثة عامل إيفواري الجنسية في أحد الضيعات الفلاحية بمنطقة بولاية سيدي بوزيد التونسية، وكشفتِ التحقيقات أنَّ العامل الإيفواري تمَّ تسخيره للعمل دون أن يتمَّ الإعلان عن انتدابه لأي جهة كانت ودون الحصول على إقامة.

هذه الحادثة التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية في تونس تكشف جزءًا من عالم مخفِّي لعمليات الاستغلال التي يتعرّض لها الأفارقة، حيث قال رمضان بن عمر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ”24/24″ :إنَّ الأفارقة في تونس وخاصة الفئة المقيمة بطريقة غير قانونية يتعرَّضون إلى عديد الاعتداءات بصفة متكررة.

هذه الفئة، بحسب ابن عمر، تأتي إلى تونس في إطار شبكات الاتجار بالبشر بحجة الدراسة لكنَّ أهدافها الحقيقية هي جمع المال والعمل والسفر إلى أوروبا بطريقة غير قانونية. 

وأكَّد أنَّ العديد من الأفارقة يشتغلون في القطاع غير المنظم في المطاعم والفنادق وفي التنظيف ومحطات البنزين ويتعرَّضون إلى العديد من الانتهاكات والمتمثلة في حصولهم على أجور متدنية واشتغالهم ساعات إضافية مجانية دون عقود.

وأوضح: أنَّه يقع استغلال وانتهاك لحقوق هؤلاء المهاجرين، معتبراَّ أنَّ هذه الممارسات غير جديرة بتونس التي ترعى حقوق الإنسان والديمقراطية.

أرقام متزايدة

وأصدر مركز الدراسات الإستراتیجیة والدولیة الأمريكي في مايو/أيار 2018  تقريراً يرصد ظاھرة الهجرة نحو المغرب العربي، حيث رصد التقرير كیفیة تعامل بلدان المغرب العربي مع هذه الظاهرة الجديدة من هجرة الأفارقة خاصة من بلدان غرب أفريقیا والساحل. وهذه الهجرة تُشكِّل حسب التقرير فرصاً ومخاطر بالنسبة إلى بلدان المغرب العربي.

فبحسب التقرير، تحوّل المغرب العربي من كونه مصدراً ومنطقة عبور لهذه الهجرة إلى وجهة جديدة للمهاجرين، نظراً إلى الوضع الاقتصادي الذي يمكن أن يُصنَّف على أنَّه أفضل مقارنة ببعض البلدان الأفريقیة الأخرى المصدرة للمهاجرين.

وفي ترتیب بلدان المغرب العربي تأتي تونس في المرتبة الأخیرة، من حیث حجم المهاجرين فیها الذين يُقدَّرون بـِ60 ألفاً مقارنة بالمغرب 100 ألف والجزائر 100 ألف ولیبیا 760 ألفاً.

وبالرغم من أنَّ حجم المهاجرين من منطقة أفريقیا جنوب الصحراء في تونس يُعدُّ الأقل، فإنَّ التقرير يُشیر إلى أنّ حجم هؤلاء المهاجرين في تونس تضاعف ما بین سنة 2004 و2014. ويأتي هؤلاء أساساً من مالي والكاميرون وساحل العاج والنیجر والسنغال.

وأغلبیة هؤلاء المهاجرين يحضرون لهذه البلدان بشكل غیر قانوني، أما حجم الطلبة القادمین من هذه المنطقة إلى تونس فإنَّه تراجع من 12 ألف طالب سنة 2010 إلى 4600 طالب سنة 2016 إلا أنَّ التقرير يُشیر إلى سعي الحكومة إلى أن ترفع هذه الأرقام إلى 20 ألف سنة 2020.

عنصرية متصاعدة

في 3 يوليو/ تموز الماضي، استهدف قصف جوي مركزاً لاحتجاز المهاجرين غير النظاميين قرب العاصمة الليبية طرابلس من جنسيات إفريقية مختلفة، حيث قتل العشرات منهم في حين أُصيب أكثر من 130.

وتتبادل حكومة الوفاق الوطني وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الاتهامات بشأن المسؤولية عن "الجريمة الشنيعة"، لكن بصرف النظر عن الفريق المسؤول، فإنَّ الحادثة تعكس الواقع الذي يعيشه المهاجرون الأفارقة كضحايا وخسائر على هامش الصراع الدائر في البلاد.

ويعيش المهاجرون الأفارقة في ليبيا بين مطرقة الهرب إلى أوروبا على متن قوارب بدائية، يغرق العديد منهم في منتصف الرحلة، وسندان الاحتجاز في ظروف غير آدمية، وربما البيع في أسواق "النخاسة" في ليبيا.

ونشرت منظمة الهجرة الدولية تقريراً عن المهاجرين في ليبيا في النصف الأول من شهر يونيو/حزيران الماضي، جاء فيه أنَّ عدد المهاجرين المقيمين في طرابلس كان حوالي 110 آلاف عند بداية المعارك في المدينة، يعيش 3400 منهم في مراكز احتجاز، كما ذكر التقرير أنَّ العام 2019 شهد حتى الآن وصول 2160 مهاجر إلى سواحل إيطاليا، وعودة 2976 إلى سواحل ليبيا، في حين مات 343 أثناء محاولة عبور البحر المتوسط إلى أوروبا.

والموت غرقاً هو أحد أكثر الاحتمالات وقوعاً أثناء محاولة العبور إلى الضفة الشمالية من البحر المتوسط، حيث قال الهلال الأحمر التونسي إنَّ خفر السواحل التونسي انتشل يوم 7 يوليو/تموز الماضي جثث 14 مهاجراً أفريقيا غرقوا عندما انقلب قاربهم، الذي كان يحمل أكثر من 80 شخصاً بعدما أبحر من ليبيا إلى أوروبا.

وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قالت: إنَّ صيادين تونسيين أنقذوا أربعة، لكنَّ أحدهم تُوفي في المستشفى، وكانت هناك مخاوف من غرق الباقين.

في الوقت نفسه سجّلت منظمات حقوقية محليّة ودوليّة حالات عديدة لاعتداءات عنصرية في حق المهاجرين الأفارقة في دول المغرب العربي، وتجاوزات لحقوق الإنسان، بالإضافة لما سجّل في ليبيا من عمليات إتجار بالبشر واحتجاز لا إنساني في مراكز احتجاز المهاجرين.

إذ كشف تقرير صادم بثته شبكة "CNN" الأمريكية عن وجود سوق لبيع البشر في ليبيا، واستغلال المهاجرين غير النظاميين الذين فشلوا في العبور إلى أوروبا، كعمال أو مزارعين من خلال مزاد علني.

وبثَّ التقرير مقاطع مصورة بشكل سري، تظهر سوقاً لبيع "العبيد"، من خلال عرض قوتهم في مزاد، على غرار أسواق النخاسة قديماً، وهو ما سبَّب صدمة وكشف المعاناة الإنسانية التي يعيشها المهاجرون العالقون في ليبيا.

معاناة المهاجرين

كما نشرت وكالة أسوشيتد برس منتصف العام 2018 تقريراً من بلدة أساماكا في النيجر، أوردت فيه شهادات لمهاجرين يقولون: إنَّ الجزائر طردتهم، وإنَّ بعضهم مات جرَّاء العطش والإجهاد أو تاه في الصحراء، في حين تمكَّن آخرون من النجاة، وبعض هؤلاء جرى إنقاذهم.

وتقول الوكالة: إنها التقت نحو 20 من الناجين، وتُؤكِّد أنَّ معظم المطرودين من الجزائر يتوجهون إلى النيجر، حيث يتعين عليهم أن يقطعوا منطقة عازلة بطول 15 كيلومتراً وسط حرارة تصل إلى 48 درجة مئوية في صحراء خالية.

ووفق الوكالة، فإنَّ السلطات الجزائرية طردت خلال 14 شهراً سبقت نشر التقرير، 13 ألف مهاجر غير نظامي قدموا من دول في الساحل الأفريقي على غرار النيجر ومالي وغامبيا. 

ووفق المصدر نفسه، فإنَّ عمليات الإبعاد من الجزائر سجَّلت زيادة لافتة مُنذ أكتوبر/تشرين الأول 2017 حين بدأ الاتحاد الأوروبي يضغط على دول شمال أفريقيا كي تمنع المهاجرين من التوجُه إلى أوروبا عبر البحر المتوسط أو عبر السياج الفاصل بين المغرب وإسبانيا في مدينة سبتة.

وتبدي عددٌ من المنظمات الحقوقية تخوفاتها من تفشي مظاهر الاعتداءات العنصرية مع انتشار خطاب التخويف من خسارة وظائف وتخفيض سعر اليد العاملة في ظل وجود عمالة أفريقية رخيصة في دول المغرب العربي.