نجاح أم إخفاق.. هل كسب المغرب رهان "محاربة التطرف" بالسجون؟

15814 | منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

في إطار إستراتيجية المغرب لمكافحة التطرف عبر برنامج أطلقت عليه اسم "مصالحة" لإعادة تأهيل وإدماج السجناء المدانين بقضايا الإرهاب، صدر عفو ملكي جديد شمل 18 شخصا مدانا بقضايا الإرهاب. 

وأعلنت وزارة العدل المغربية، في 9 أبريل/ نيسان 2024، أن الملك محمد السادس أمر بمناسبة عيد الفطر، بالعفو عن "مجموعة من المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب".

وأضافت الوزارة، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية، أن العفو عن هذه المجموعة يأتي "بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم للتطرف والإرهاب، وعددهم 18 شخصا".

مصالحة مع الذات

ويعود إطلاق برنامج "مصالحة" إلى عام 2017، بشراكة بين المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج (مؤسسة رسمية)، والرابطة المحمدية للعلماء (مؤسسة دينية رسمية) والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية).

ويعمل برنامج "مصالحة" على محاربة التطرف بالاعتماد على التربية الدينية والمواكبة النفسية، وتنظيم وِرَش عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتقديم تأطير سياسي اقتصادي.

ويقوم البرنامج على مصالحة المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب، مع ذواتهم من خلال إكسابهم كفاءات معرفية وسلوكية تمكنهم من تغيير أفكارهم "المتطرفة".

وعلى مصالحتهم مع النص الديني من خلال العودة إلى الفهم الصحيح لتعاليمه وروحه المبنية على الاختلاف والتسامح والانفتاح، واكتساب المعارف الضرورية لفهم النص الديني من داخل المرجعية الدينية للمملكة.

وعلى مصالحتهم أيضا مع المجتمع وذلك بإكسابهم المهارات والكفاءات الضرورية لاستثمار أنسب لما يتوفرون عليه من قدرات ومؤهلات، في إطار بناء مشروع ذاتي أو مجتمعي لا يسعى فقط إلى تحقيق الاستقلالية المادية، وإنما يرمي أيضا إلى تسخير القدرات الذاتية لخدمة المحيط الاجتماعي بما يحقق المصالحة مع المجتمع.

ويتضمن برنامج "مصالحة" تنظيم وِرَش عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان، فضلا عن دروس في الاقتصاد الذاتي ومواكبة لاحقة في إطلاق مشاريع ذاتية مدرّة للدخل بعد انتهاء مدة محكوميتهم أو الاستفادة من العفو الملكي.

ووفقا لبعض المحللين، فإن برنامج "مصالحة" يعد تجربة مغربية خالصة في جهود مكافحة التطرف، حيث يركز على مواجهة التطرف الديني بالفكر الديني المعتدل، بهدف تعزيز بيئة سالمة ومتسامحة لإعادة الإدماج في المجتمع.

https://lh7-us.googleusercontent.com/WDTS6rCZNSJ9SW4SutltU30Loy_blIMj01r22Mv7ucjyLYVnHJmoz5uOtSrtzSqplflLuPTPQLiQ6NIDwAJdHBrMP2L9d7wmD8GeU21MFi9N7aHj_KukjGTXVjOWuqnjZFUc1DBVDe9i6CvYJHyXIA

تطوير وتحسين

الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، قال إن برنامج "مصالحة" أسهم بشكل كبير في الحد من التطرف داخل السجون منذ انطلاقه بمبادرة من الرابطة المحمدية للعلماء ومندوبية السجون.

وأوضح الكنبوري لموقع "الأيام 24" المحلي، أن "البرنامج استهدف السجناء أساسا، ووجد استعدادا لدى الكثيرين للتخلي عن التطرف".

وأضاف أن "السجن عادة ما يكون فرصة للمراجعة والتحول وتكييف السجين مع خطاب الاعتدال، خصوصا عندما تكون مدة الحكم طويلة، لذلك كان لدى السجناء السلفيين، استعداد نفسي لتقبل فكرة المصالحة". 

ورأى الكنبوري، أن نجاح برنامج "مصالحة" يمكن أن يطبق أيضا على "التطرف الاجتماعي" داخل السجون، مبينا أن هناك تطرف الجريمة، إذ إن عددا من المجرمين يزدادون إجراما داخل السجن، وهو ما يفسر حالات العود الكثيرة لدى المجرمين، ويفسر انتشار العنف والجريمة في المجتمع.

من جهته، أكد الباحث في الفكر الإسلامي عبد الوهاب رفيقي، أن "المغرب نجح إلى حد كبير من خلال برنامج (مصالحة) في الحد من ظاهرة التطرف بالسجون".

وأضاف رفيقي، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "الأصداء الواردة من السجون تتحدث عن استجابة كبيرة للمعتقلين على ذمة ملفات الإرهاب، لهذا البرنامج والاستعداد للانخراط فيه".

وأبرز أن "مؤشرات نجاح برنامج مصالحة هو عدم تسجيل حالات العود في حق الذين سبق لهم الاستفادة من هذا البرنامج، عكس ما شهدته مبادرات مشابهة بدول أخرى إذ إنها سجلت كثيرا من حالات العود".

ولاحظ رفيقي، أن "نسبة الخلايا الإرهابية المتورطة والتي يتم اعتقالها بين الفينة والأخرى قد انخفضت بشكل كبير جدا، مما يعني أن السياسة العامة لمحاربة التطرف والإستراتيجيات المتخذة ومن ضمنها برنامج مصالحة قد أعطت مفعولها، وعملت على الحد من نسبة التطرف داخل السجون وخارجها".

ولا تعول الرباط على المسألة الأمنية فقط لمواجهة الفكر المتطرف، إذ بالإضافة إلى إحباط الهجمات وتفكيك الخلايا الإرهابية وتجفيف المنابع المالية تعمل على تجفيف المنابع الفكرية للتطرف من خلال الإقناع والتوعية الدينية بوصفها الوسيلة الفعالة لقطع دابر الإرهاب.

ورأى رفيقي، أن ما يدل على نجاح برنامج "مصالحة" هو وصوله إلى الدورة الرابعة عشرة، مضيفا أن عمليات التطوير والتحسين التي خضع لها مكنته من الاستمرار طيلة هذه الفترة الزمنية كلها.

وسجل أنه "في كل مناسبة وطنية أو دينية، نجد عددا من المستفيدين من هذا البرنامج، يحظون بالعفو الملكي بشكل أصبح معتادا ومنتظرا في كل مناسبة من هذه المناسبات، مما يعني أن سيرورة هذه المبادرة تمضي بكل سلاسة دون أي إشكالات أو إكراهات".

معالجة الأسباب

وإذا كان برنامج "مصالحة" يلقى الإشادة من كثيرين بوصفه "تجربة مغربية في التعامل مع المتورطين في قضايا الإرهاب ومحاولة توفير الشروط لإدماج هؤلاء المعتقلين في النسيج الاجتماعي والاقتصادي الوطني"، فإن هناك ملاحظات توجه لضعف متابعة المستفيدين من البرنامج بعد إطلاق سراحهم وتقييم مدى اندماجهم في المجتمع.

رئيس مركز "شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث"، رشيد لزرق، سجل عدم توفر الأرقام والإحصائيات الدقيقة بسبب غياب تراكم واضح لتجربة برنامج "مصالحة".

وأوضح لزرق، في حديث لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن)، أن "هناك أشخاصا أُطلق سراحهم واستطاعوا بالفعل الاندماج مجددا في المجتمع الذي كانوا يرفضونه رفضا تاما، خصوصا المعتقلين في سياق أحداث 16 مايو"، مستدركا "لكن هناك أيضا إخفاقات".

وفي 16 مايو/ أيار 2003، شهد المغرب سلسلة تفجيرات إرهابية استهدفت خمسة مواقع مختلفة في مدينة الدار البيضاء، ما أسفر عن مقتل 33 شخصا، ليعد هذا الهجوم من أكثر الأحداث دموية في تاريخ المملكة على مدى العقود الماضية. 

هذه التفجيرات دفعت السلطات إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الإرهاب، بينها اعتقال المئات من المتهمين بالانتماء للجماعات السلفية المتشددة وإصدار القانون الشهير المتعلق بالإرهاب، والذي أثار جدلا واسعا لدى منظمات حقوق الإنسان.

https://lh7-us.googleusercontent.com/7XC5M5AKUOyKVdZBEXpbUBblVPTr3FXhVd8_6aBeBFQeJIpzR_fL2G8RIRyKbBlblpbs_fta613GkZKDGHKKAqcxaSXsRWlu-nAARLMrbxFC2N89fSOwBG7w7NI_E_0K2VbILjA-ZYO86tzj6PqCBw

ويرى لزرق، أن "تجربة برنامج مصالحة كأي تجربة إنسانية تعتريها إخفاقات"، منبها إلى أنه بعد أن تم إطلاق بعض السجناء المدانين في قضايا إرهاب "عادوا إلى اعتناق أفكارهم المتطرفة، ومنهم من هاجر إلى بؤر التوتر في الشرق الأوسط".

لكن رئيس مركز "شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث"، لفت إلى أن المغرب "لم يشهد هجمات إرهابية منذ فترة طويلة".

وقال إن "الفئة القليلة التي تؤمن بأفكار التطرف تأثرت بأفكار السلفية الجهادية القادمة من المشرق، لأن الإسلام المغربي في طبيعته معتدل، وهذا يظهر من خلال علماء الدين والأئمة المغاربة، الذين يحاولون اليوم تصدير هذه الأفكار الوسطية إلى منطقة غرب إفريقيا، التي تواجه تحديات إرهابية".

وشدد لزرق، على ضرورة معالجة الأسباب العميقة التي تدفع الشباب نحو التشدد، وبشكل خاص الفقر والبطالة، لافتا إلى أن "مكافحة التطرف لا تقتصر على مجرد محاولة تغيير الأفكار، بل تتطلب أيضا مقاربة شاملة اجتماعية واقتصادية".

وحذر لزرق، من أن "المناطق التي تعاني من انتشار الفقر تشكل بيئة خصبة لاستقطاب الشباب نحو التطرف، ولذلك فإن التدخلات الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورا حيويا في منع انزلاق الشباب إلى طريق الإرهاب".